التاريخ: آذار ١٢, ٢٠٢٠
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
صالح يمهل الكتل الشيعية حتى الاثنين لترشيح رئيس وزراء جديد للعراق
«فرق الموت» تغتال فناناً ومحامياً جنوب العراق
بغداد: حمزة مصطفى
علمت «الشرق الأوسط» من مصدر سياسي مطّلع أن الرئيس العراقي برهم صالح أمهل الكتل السياسية الشيعية حتى الاثنين المقبل، للاتفاق على ترشيح رئيس وزراء جديد للعراق لكي يتسنى له تكليفه. وفيما لم يتم حتى الآن حسم الموقف النهائي بين الزعامات والقيادات الشيعية، فإنه من بين الخيارات المطروحة في حال لم يتم التوصل إلى ترشيح شخصية جديدة للمنصب، بعد اعتذار المكلف السابق محمد توفيق علاوي، إعادة تكليف رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي، في ظل شبه توافق أميركي - إيراني.

وطبقاً للمصدر السياسي الذي طلب عدم الكشف عن اسمه أو هويته، فإن «صالح وجّه خلال اليومين الماضيين رسالة إلى القيادات الشيعية المعنية بأمر ترشيح رئيس وزراء جديد، رسالة حثهم فيها على أهمية الوصول إلى مرشّح في موعد أقصاه الاثنين المقبل، وهو نهاية المهلة الدستورية، البالغة أسبوعين لتكليف مرشح جديد». وأضاف المصدر أن «صالح أكد بوضوح أن نهاية المهلة الدستورية تعني خرقاً دستورياً لا يمكن تبريره تحت أي ذريعة، فضلاً عن أن المادة 76 من الدستور تمنح رئيس الجمهورية ترشيح من يراه مناسباً، بصرف النظر عن الكتلة النيابية الأكثر عدداً»، لافتاً إلى أن «رئيس الجمهورية الذي يتيح له الدستور هذا الخيار، قد يلجأ إليه لأنه يراعي مسألتين أساسيتين، الأولى أن المنصب هو من حصة المكون الشيعي، وبالتالي فإنه لا يريد أن يكون بأي شكل من الأشكال طرفاً في هذا الصراع، والثانية أنه يراعي وضع التركيبة المعقدة للبرلمان العراقي التي تمثل المكونات العراقية المختلفة العرقية والدينية والمذهبية، وبالتالي فإن أي مرشح لا يمكنه نيل الثقة من داخل البرلمان ما لم يتم التوافق عليه داخل كتل البرلمان نفسها، في وقت تشهد هذه الكتل انقساماً حاداً بسبب تداعيات الوضع السياسي».

إلى ذلك، شكلت القوى الشيعية الرئيسية لجنة سباعية تمثل معظم المكونات الشيعية من أجل بحث الخيارات المختلفة بخصوص مواصفات رئيس الوزراء المقبل، على أمل أن تنهي عملها خلال الأيام القليلة المقبلة مع نهاية المهلة الدستورية التي تنتهي الاثنين المقبل، وهو ما يتيح لرئيس الجمهورية الحق في تكليف أي شخصية يراها مناسبة طبقاً للفقرة الثالثة من المادة 76 من الدستور.

في سياق متصل، أكد الرئيس صالح على وجوب احترام إرادة العراق في قراره الوطني. وقال في بيان رئاسي، بعد استقباله السفير الفرنسي في بغداد برونو أوبير، إنه «جرى التأكيد على بحث علاقات الصداقة والتعاون بين البلدين وسبل تطويرها في المجالات كافة، وأهمية استمرار التعاون المشترك بين العراق وفرنسا، بما يخدم مصلحة الشعبين الصديقين، والتأكيد على وجوب احترام إرادة العراق في قراره الوطني المستقل وحماية أمنه واستقراره وسيادته». وأضاف البيان أنه تمت «مناقشة التطورات والمستجدات السياسية والأمنية على الصعيدين الإقليمي والدولي، وضرورة تعزيز فرص السلام، من خلال اعتماد الحوار الجاد في معالجة الأزمات بالمنطقة».

إلى ذلك، وعلى صعيد أزمة رئاسة الوزراء، كشف النائب عن كتلة «صادقون» المنضوية في «تحالف الفتح» نعيم العبودي عن تفاصيل اجتماع عقدته كتل سياسية عدة لتحديد مواصفات رئيس الوزراء الجديد ومنهاجه الحكومي. وقال العبودي، في تصريح صحافي أمس (الأربعاء)، إن «اجتماع الكتل السياسية يهدف إلى التقارب في وجهات النظر من أجل وضع آليات محددة لاختيار رئيس الوزراء»، مبيناً أنه «لم يتم الاتفاق حتى الآن على شخص رئيس الوزراء المقبل». وأضاف العبودي: «جرت خلال الاجتماع مناقشة الصفات والمعايير التي يمكن أن يتحلى بها المرشح»، لافتاً إلى أن «المجتمعين اتفقوا على أن تكون مهمة رئيس الوزراء لسنة، وذلك من أجل التهيئة للانتخابات المبكرة، وكذلك معالجة التحديات الاقتصادية والصحية؛ خصوصاً المتعلقة بفيروس كورونا».

وتابع أن «الاجتماع أكد أيضاً على أن يكون منهاج الحكومة واقعياً خلال هذه الفترة، وأن يكون خليطاً من الكتل، وداعماً لرئيس الوزراء، ليستطيع أن يسير بحكومته نحو النجاح»، مؤكداً أن «الاجتماع تضمن أيضاً الاتفاق على تشكيل فريق للتفاوض مع الكتل الأخرى».

«فرق الموت» تغتال فناناً ومحامياً جنوب العراق

بغداد: فاضل النشمي
عاودت «فرق الموت» في العراق، مساء (الثلاثاء)، أعمالها المعتادة باغتيال الناشطين، والتي بدأت بعد أيام من انطلاق المظاهرات الاحتجاجية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. ومنذ ذلك التاريخ وهذه الفرق «المجهولة» تمارس أعمالها بحرية كافية من دون أن تواجه أي ملاحقات أو اعتقالات من قبل السلطات الحكومية. وفي آخر سلسلة الحوادث المتكررة، قام مسلحون من «فرق الموت» باغتيال ناشطين بارزين في الحراك الشعبي بمحافظة ميسان الجنوبية (350 كيلومتراً جنوباً)، أحدهما فنان، والآخر محامٍ. ولم يصدر عن السلطات المحلية أو الاتحادية أي بيان حول الحادث.

لكن الأنباء الواردة من مدينة العمارة مركز محافظة ميسان تفيد بأن «مسلحين مجهولين اغتالوا الفنان والناشط في الحراك الشعبي عبد القدّوس قاسم الحلفي، والمحامي كرار عادل، في منطقة الحي الصناعي وسط مدينة العمارة». وتضيف أن مسلحين من عناصر فرق الموت كانوا يستقلون دراجة هوائية قاموا بملاحقة الضحيتين في منطقة الحي الصناعي، وفتحوا نيران أسلحتهم عليهما، وقد فارقا الحياة على الفور.

وتحدث بعض الناشطين في العمارة عن أن «عملية الاغتيال تمت بطريقة الإعدام؛ حيث أُمر الشابان أن يجثوا على الأرض ثم فُتحت النيران عليهما».

وأثار حادث اغتيال الناشطين موجة غضب واستنكار شديدين من قبل جماعات الحراك، وامتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بعبارات التنديد والأسف على فقدان الحراك أبرز قادته في العمارة. وكانت لافتةً المحادثة التي تداولها ناشطون بين المغدور الناشط عبد القدوس قاسم، وصديقه الناشط الآخر صفاء السراي، اللذين قتلا بقنبلة دخانية مطلع أكتوبر الماضي في ساحة التحرير ببغداد، وأظهرت المحادثة أن الاثنين كانا يتوقعان موتهما في كل لحظة.

وهذه ليست المرة الأولى التي تقوم بها فرق الموت باغتيال ناشطين في مدينة العمارة؛ حيث قامت هذه الجماعات الإجرامية باغتيال الناشط أمجد الدهامات مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 بالقرب من ساحة المظاهرات في العمارة. ثم عادت تلك المجاميع وحاولت اغتيال الناشط باسم الزبيدي في شهر ديسمبر (كانون الأول) التالي، الذي نجا من محاولة الاغتيال بأعجوبة.

وفي فبراير (شباط) الماضي، اغتيل الناشط الصدري أبو مقتدى الأزيرجاوي في مدينة العمارة أيضاً، التي تعد أحد المعاقل الرئيسية لأتباع الصدر، ويشغل منصب المحافظ فيها القيادي الصدري علي دواي.

وفضلاً عن حالات الاغتيال في محافظة ميسان، وقعت على امتداد الأشهر الماضية حوادث مماثلة ضد ناشطين في بغداد ومدن ومحافظات وسط وجنوب البلاد التي غطتها المظاهرات الاحتجاجية.

وأبلغ ناشطون في العمارة «الشرق الأوسط» أن «عمليات الاستهداف والتهديد طالت عدداً كبيراً من الناشطين في المدينة منذ انطلاق المظاهرات، اضطر خلالها بعضهم إلى مغادرة المحافظة والسفر إلى تركيا ولبنان خوفاً على حياتهم».

ورغم عمليات الاغتيال المتكررة وحالات الاختطاف المتواصلة التي طالت هي الأخرى عشرات الناشطين، لم تتخذ السلطات الأمنية العراقية ما يحول دون تكرار عمليات الاغتيال والخطف. ورغم الدعوات والمطالب المتكررة من قبل المنظمات الحقوقية والدولية للسلطات العراقية بالتصدي لفرق الموت والعصابات المنفلتة والكشف عنها وتقديمها للعدالة، فإن السلطات تبدو عاجزة حتى الآن عن إحراز أي تقدم يذكر.

وفي هذا الاتجاه، يقول عضو مفوضية حقوق الإنسان العراقية علي البياتي إن «مجموع محاولات الاغتيال التي طالت ناشطين وصحافيين وداعمين للاحتجاج بلغت 54 حالة، قتل فيها 26 ناشطا، والبقية نجوا من موت محقق». ويرى البياتي في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «الحكومة غير جادة في معالجة هذا الأمر الخطير، برغم اللجان التي تشكلها والبيانات التي تصدرها دون جدوى، كما أنها لم تضطلع بدورها في حماية المتظاهرين وإلقاء القبض على الجهات المخربة داخل المظاهرات وخارجها».

ويضيف أن «عجز الحكومة عن حماية الناس لا يؤدي بأي حال إلى تهدئة الأمور، ومع عدم محاسبة الجناة ستبقى الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات».

أما الخبير في الجماعات والفصائل المسلحة هشام الهاشمي فيرى أن السلطات متهمة بـ«توفير الغطاء اللازم لتلك الجماعات».

ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «المؤشرات تدل على أن بعض الفصائل المسلحة هي من يقف وراء هذا الأعمال الشنيعة ضد الناشطين، والمشكلة أنها تعمل بغطاء الحكومة، لكنها في الواقع فوقها وفوق القانون، وبالتالي لا أحد قادراً على محاسبتها».

ويرى الهاشمي في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «الاغتيالات نوعان، الأول عبارة عن عمليات تصفية متبادلة بين الفصائل، والآخر وهو الأخطر الاغتيالات التي تستهدف الناشطين والمعروفين بمواقفهم المناهضة للميليشيات وإيران».

بدورها، استنكرت نقابة المحامين العراقيين ما وصفته بـ«الحادث الآثم الذي تطاولت فيه أيادي الشر والإجرام، على اغتيال المحامي كرار عادل الناشط في مظاهرات محافظة ميسان».

وطالبت النقابة في بيان «رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب العراقي والأجهزة الأمنية، بالتدخل العاجل لحفظ دماء الشعب العراقي، والقيام بواجبهم في ملاحقة الخارجين عن القانون، وبالكشف العاجل والسريع عن الجناة الذين تجرأوا على أن تمتد أياديهم الخبيثة للنيل من أحد رجال العدالة، على خلفية نشاطه السلمي ومطالبته بالحقوق الدستورية المشروعة».

وشددت النقابة على أنها «ستقدم على خطوات تصعيدية في تدويل قضية قتل الشعب العراقي، وستطالب المحاكم الدولية بالتدخل لمحاكمة قتلة المتظاهرين السلميين والمقصرين في مسؤوليتهم تجاه حماية أرواح المواطنين، ما لم يتم اتخاذ الإجراءات الجدية بأسرع وقت، في كشف القتلة المجرمين».

من جهة أخرى، أفادت مصادر أمنية، أمس، بإطلاق سراح القيادي في «الحشد العشائري» ثامر التميمي (أبو عزام)، بعد اعتقال دام أكثر من 4 أشهر. وقالت المصادر إن «التميمي أطلق سراحه اليوم بعد أن تم اعتقاله في 8 أكتوبر 2019 على أيدي جهة أمنية لم يتم الكشف عنها». كانت الجهات التي قامت باعتقال التميمي من منزله في بغداد، نشرت عبر تسجيلات فيديو محضر التحقيق معه في تلك الفترة وهو يعترف بتقديمه الدعم للمتظاهرين وبالتنسيق في السفارة الأميركية، الأمر الذي اعتبر في حينه اعترافات انتزعت بالقوة لتشويه سمعة الحراك الاحتجاجي.