التاريخ: شباط ٢٥, ٢٠٢٠
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
خفض التوقعات اللبنانية باسترداد الأموال المنهوبة
الأزمة النقدية تحيل بطاقات الائتمان إلى التقاعد «المبكر»
بيروت: «الشرق الأوسط»
خفّض رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان التوقعات اللبنانية حول إمكانية استرداد الأموال المنهوبة، لافتاً إلى دراسة للبنك الدولي تتحدث عن أن معدل الاسترداد العالمي بحسب الأمم المتحدة لم يتجاوز 0.2 في المائة.

ويأتي ذلك في ظل حاجة لبنان للأموال لتغطية التزاماته والوفاء بديونه، حيث تدعم لجنة المال والموازنة البرلمانية فريق العمل الحكومي «لجهة صياغة خطة متكاملة تشمل، بالإضافة إلى إعادة هيكلة الدين العام، خطة اقتصادية مالية شاملة تؤدي إلى استعادة الثقة بلبنان وماليته وقطاعه المصرفي»، بحسب ما قال كنعان بعد لقاء اللجنة وفد صندوق النقد الدولي.

وخلال ورشة عمل آليات استرداد الأموال المنهوبة في مجلس النواب، قال كنعان إن «هناك منظومة جديدة من التشريعات الهادفة لمكافحة الفساد، لكن المشكلة في الحصانات والتدخل في عمل القضاء والهيئات المستقلة من قبل السياسيين، وهو ما يعاني منه لبنان كما العديد من الدول التي تصنف بحسب البنك الدولي بأنها تعاني من هذه التدخلات وعدم الاستقلالية».

ولفت إلى دراسة للبنك الدولي، «تقول إن سرقة المال العام تبلغ 40 مليار دولار سنوياً في دول تعاني مما نعاني منه، وليس من إمكانية حتى الآن من نتائج مثمرة على صعيد مسألة استرداد الأموال المنهوبة التي ليست مسألة لبنانية فقط، بل عالمية، ومعدل الاسترداد العالمي بحسب الأمم المتحدة لم يتجاوز 0.2 في المائة».

الأزمة النقدية تحيل بطاقات الائتمان إلى التقاعد «المبكر»
3 ملايين بطاقة مصرفية عاجزة أمام التعامل الورقي «لغياب الثقة بالمصارف»

بيروت: نذير رضا
لم يستخدم مروان (34 عاماً) بطاقته الائتمانية منذ 4 أشهر. يحمل النقود الورقية، ويشتري بها حاجياته كإجراء «آمن»، منعاً لأن يواجه حظراً على السحب، بحسب ما يُشاع، أو يواجه رفضاً من قبل مراكز التسوّق والمطاعم ومحطات الوقود لاستقبال المدفوعات بالبطاقة.

وحال مروان يشبه آلاف اللبنانيين الذين ينتظرون في المصارف ساعات للحصول على نقودهم، وينقلونها إلى منازلهم حيث يخزنونها، إثر الإجراءات المصرفية الأخيرة التي قيّدت السحوبات النقدية بسقف محدّد. ويهمل بعضهم البطاقات المصرفية بالدولار الأميركي لأن المصارف أحجمت عن تزويد ماكينات السحب الآلي بالعملة الصعبة، فيما يستفيد كثيرون من صرف الدولارات في السوق الموازية بسعر أعلى مما تقدمه المصارف.

وساهمت أزمة تراجع توفر الدولار في الأسواق، إلى حد كبير، في التخلي عن خيار استخدام البطاقات الائتمانية، بالنظر إلى أن 78 في المائة من حسابات الودائع المصرفية في لبنان بالدولار الأميركي. ويرى كثيرون أن الأزمة مرشحة للتصاعد، بالنظر إلى أن المصارف لم تتخذ قراراً بضخ العملة الصعبة في ماكينات السحب الآلي حتى الآن، في وقت تؤكد مصادر على تماس مع الإجراءات المصرفية لـ«الشرق الأوسط»، أن «لا حل لأزمة السحوبات من المصارف ولمشكلة المواطنين معها في المدى المنظور على الأقل».

ويقدّر عدد البطاقات المصرفية في لبنان بنحو 3 ملايين بطاقة، بحسب ما تقول مصادر مصرفية، لافتة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الانكماش في السحوبات عبر البطاقة خلال أيام الشهر يصل إلى حدود الـ60 في المائة، فيما يتقلّص الانكماش في مطلع الشهر حين تُصرف رواتب موظفي القطاع العام، وتتم السحوبات بشكل خاص بالليرة اللبنانية. وتوضح المصادر أن التراجع خلال الفترة الممتدة من 5 إلى 28 من كل شهر، يعود إلى القيود على السحوبات بالدولار، وتراجع الودائع الصغيرة الموجودة في المصارف التي سُحبت خلال فترة الأزمة، وإلى ارتفاع مستوى البطالة لدى الفئة التي كانت موظفة في القطاع الخاص، وبالتالي «باتت البطاقة غير ذات قيمة». وتُضاف تلك الأسباب، إلى توقيف معظم المصارف حسابات الاستدانة (الكريديت) التي كانت بمثابة تسهيل ائتماني، فيما لم تعد بطاقات الـ«ديبيت» ذات قيمة بسبب فرق سعر صرف الدولار، فضلاً عن الدفع بالبطاقة خارج العاصمة وجبل لبنان والمدن الكبرى يعتبر وسيلة دفع غير فعالة.

ورغم الإجراءات المرتبطة بتقييد السحوبات النقدية، لم تقفل المصارف إمكانية الدفع بالشيكات المصرفية والبطاقات الائتمانية، إلا أن قسماً كبيراً من اللبنانيين استأنف التداول بالعملة الورقية وتخزينها، «لتفادي أي إجراء مصرفي إضافي في المستقبل يمكن أن يمنعنا من الوصول إلى أموالنا»، بحسب ما تقول ليا التي تواظب على سحب راتبها بالدولار الأميركي، حيث تصرف ما تحتاجه بالليرة اللبنانية، وتخزن المبلغ المتبقي في المنزل. وتقول إن هذا الإجراء «يمكن أن يستمر إلى أن تنتهي الأزمة الحالية ونستعيد الثقة بالمصارف».

وتُضاف تلك الأسباب إلى سبب آخر يتمثل في تمنع بعض التجار عن استقبال الدفوعات بالبطاقة الائتمانية والشيكات المصرفية، منعاً لأن «تحجز المصارف على أموالهم»، وهو ما قلّص أيضاً التعامل بالوسائل غير النقدية.

وتمثل البطاقات الائتمانية واحدة من 3 أدوات للدفع في لبنان، حيث يتصدّر الدفع النقدي (بنك نوت) قائمة خيارات الأفراد، فيما تكثر الشركات والمؤسسات الدفع بموجب شيكات، وتحتل البطاقات الائتمانية المرتبة الثالثة في أدوات الدفع لدى اللبنانيين.
وقالت مصادر مصرفية لـ«الشرق الأوسط» إن «استخدام البطاقة المصرفية ليس شائعاً بقدر الدفع النقدي، وهو سبب يُضاف إلى أسباب تنامي الأزمة النقدية الأخيرة في لبنان»، في إشارة إلى تهافت الأفراد على السحوبات النقدية. وأضافت المصادر: «لو اتخذت المصارف في دول أخرى الإجراءات نفسها، لما تفاقمت الأزمة كما في لبنان، لأن سكان الدول الأوروبية مثلاً يعتمدون على البطاقات الائتمانية في حياتهم اليومية بما يتخطى العملة الورقية». واستغربت المصادر التهافت على العملة الورقية «طالما أن خيار الدفع بالبطاقة الائتمانية لا يزال قائماً».

لكن عدم الإقبال على التعامل بالبطاقات الائتمانية، الذي تراجع إلى مستويات قياسية منذ بدء الأزمة المالية في لبنان، له مسببات أخرى. ويقول الأستاذ الجامعي في الاقتصاد والمال الدكتور غابي بجاني إن «التركيبة المالية والاقتصادية وظروف البلاد، حالت دون التحول الكامل باتجاه الوسائل غير النقدية» من بينها «المشاكل الإلكترونية، وعدم توفر إمكانية الدفع إلكترونياً في كل المناطق اللبنانية»، إضافة إلى عامل سياسي يتمثل في «المخاوف الدائمة لدى شريحة من اللبنانيين من عقوبات خارجية، ما يدفعها للتعامل بالكاش كأداة آمنة بالنسبة إليهم». ويشير في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الأزمات، تدفع باتجاه استئناف التعامل بالعملة النقدية «لتعزيز الثقة بالقدرة على تخطي الأزمة الاقتصادية حينما توجد الأموال نقداً بين أيديهم»، وهو «إجراء يتعزز في حالات القلق والخوف على المصير»، بحسب ما يقول بجاني.

وينطوي العزوف عن استخدام البطاقات الائتمانية على مخاطر كثيرة، أهمها ارتفاع منسوب الخطر على الأفراد من عمليات سرقة جراء حمل العملة الورقية وتخزينها، فضلاً عن مخاطر أكبر مرتبطة باتساع احتمالات تنشيط عمليات تبييض الأموال، وهي النشاطات التي يحد منها انحسار التعامل بالعملة الورقية.