التاريخ: شباط ١٨, ٢٠٢٠
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
تركيا تعزز انتشارها في إدلب... وتتفادى استفزاز روسيا
موسكو تؤكد دعم الجيش السوري وتشير إلى «تفاهم كامل» مع تركيا
أنقرة: سعيد عبد الرازق - موسكو: رائد جبر
في الوقت الذي برزت فيه إشارات متباينة، أمس، حول فرص تقريب وجهات النظر بين موسكو وأنقرة، حيال الوضع في إدلب، وردود الفعل الروسية على التهديدات التركية المتواصلة بإطلاق عملية عسكرية واسعة، واصلت تركيا تعزيز انتشارها بنقاط مراقبة عسكرية جديدة، داخل منطقة خفض التصعيد، وحشد المزيد من التعزيزات العسكرية على الحدود مع سوريا.

في الوقت نفسه سعت أنقرة إلى تفادي استفزاز موسكو، حيث أكدت أنها ستواصل التنسيق معها بشأن الأزمة السورية، وأنه يجب عدم السماح بأن تؤثر هذه الأزمة على علاقات التعاون بين البلدين. جاء ذلك، بالتزامن مع عقد جولة محادثات مطولة جرت خلف أبواب مغلقة، في موسكو، وجمعت مسؤولين عسكريين ودبلوماسيين من روسيا وتركيا.

وأعلنت الأمم المتحدة أمس، أن المواجهات في شمال غربي سوريا «بلغت مستوى جديداً مرعباً»، منذ بدء هجوم النظام في ديسمبر (كانون الأول). وقال مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارك لوكوك في بيان: «نعتقد أن 900 ألف شخص نزحوا منذ الأول من ديسمبر».

في السياق نفسه، قال الرئيس السوري بشار الأسد، أمس، إن «المكاسب التي حققها هجوم الجيش على المعارضة المسلحة، وانتزع فيها مساحات كبيرة من الأراضي لا تعني نهاية الصراع»، متعهدا في كلمة نقلها التلفزيون الرسمي، مواصلة الحملة إلى أن يتم «تحرير» البلاد.

تركيا لا ترغب في أن يؤثر التوتر بإدلب على العلاقات مع روسيا

أكدت تركيا أنها ستواصل التنسيق مع روسيا بشأن الأزمة السورية، وأنه لا يجب السماح بأن تؤثر هذه الأزمة على علاقات التعاون بين البلدين، وذلك تزامناً مع مباحثات أجراها وفد تركي في موسكو أمس (الاثنين) حول التطورات في إدلب التي تسببت في توتر بين الجانبين في الأسابيع الأخيرة.

وفي الوقت ذاته، واصلت تركيا توسيع وجودها في إدلب، من خلال إقامة نقاط مراقبة عسكرية جديدة، كما واصلت تعزيز النقاط داخل منطقة خفض التصعيد في إدلب، وحشد المزيد من التعزيزات العسكرية على الحدود مع سوريا.

وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن بلاده وروسيا تواصلان التعاون من أجل التوصل لتفاهم نهائي حول إدلب. وأضاف في تصريحات لصحيفة «إزفستيا» الروسية، على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن، نقلتها وسائل الإعلام التركية أمس: «يجب علينا ألا نسمح للأزمة السورية بأن تؤثر على التعاون بين تركيا وروسيا»، مشيراً إلى وجود كثير من الإجراءات التي يجب اتخاذها حيال إدلب.

وتابع جاويش أوغلو أن الجانب التركي سيعلن عن موقفه النهائي بعد المباحثات التي يجريها وفد تركي مع الجانب الروسي في موسكو.

ووصل وفد تركي، برئاسة نائب وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط إلى موسكو، أمس، لاستكمال المباحثات حول إدلب. ويضم الوفد مسؤولين عسكريين وممثلين للمخابرات التركية. وسبق هذه الجولة من المفاوضات جولتان لوفد روسي في أنقرة الأسبوع الماضي، فشلتا في التوصل إلى نقاط اتفاق، وتقريب وجهات النظر، من أجل تحقيق التهدئة في إدلب.

وتتمسك تركيا بانسحاب قوات النظام السوري إلى خلف نقاط المراقبة، بموجب تفاهم سوتشي الموقع مع روسيا في 17 سبتمبر (أيلول) 2018، بينما تقول روسيا إن تركيا أخفقت في تنفيذ بنود الاتفاق، فيما يتعلق بالفصل بين الجماعات المتشددة والفصائل المعتدلة، وإنهاء وجود المتشددين وأسلحتهم في إدلب، وكذلك في فتح وتأمين الطرق الرئيسية حول إدلب (في إشارة إلى طريقي إم 4 وإم 5). كما تتحدث دوائر في موسكو عن وصول أسلحة إلى «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً) من تركيا. وقال جاويش أوغلو إن تركيا تأمل بأن يتم اعتماد النسخة النهائية للاتفاقية بشأن منطقة إدلب خلال زيارة الوفد التركي إلى موسكو، لافتاً إلى أن المباحثات ستوضح ما إذا كانت هناك حاجة إلى اجتماع بين رئيسي البلدين.

وفي غضون ذلك، أصيب عدد من أفراد القوات التركية بجروح أمس، إثر استهداف قوات النظام السوري لنقطة مراقبة تركية في شمال غربي سوريا. وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بأن قصفاً مدفعياً لقوات النظام السوري المتقدمة في ريف حلب الشمالي الغربي استهدف النقطة التركية المتمركزة في منطقة الشيخ عقيل، ما أدى إلى إصابة عدد من الجنود الأتراك، بعضهم في حالة خطيرة، وأن القوات التركية ردت على القصف.

وواصل الجيش التركي إرسال التعزيزات العسكرية إلى نقاط المراقبة في محافظة إدلب، ودخلت أمس قافلة تعزيزات تضم 150 مركبة عسكرية محملة بمدافع ودبابات وناقلات جنود مدرعة. وفي الوقت ذاته، استمر الجيش التركي في توسيع وجوده في إدلب ومحيطها، وأنشأ أمس نقطة مراقبة جديدة في سرمدا، بريف إدلب الشمالي، ليرتفع عدد النقاط التركية في إدلب من 12 إلى 30 نقطة.

ودخل رتل عسكري تركي، صباح أمس، من معبر كفرلوسين، واتجه نحو مدينة سرمدا، بريف إدلب، ليستقر على الطريق الواصلة بين مدينتي «الدانا - سرمدا»، بالقرب من مفرق قرية البردقلي، بريف إدلب الشمالي، وتمركز في النقطة الجديدة. وكانت القوات التركية قد أنشأت قبل أيام نقطة مراقبة داخل الفوج 111 قرب دارة عزة، تزامناً مع تقدم قوات النظام في قرى وبلدات ريف إدلب الشمالي.

إلى ذلك، أعلنت وزارة الدفاع التركية، في بيان أمس، أن هجوماً بسيارة ملغومة نفذته «وحدات حماية الشعب» الكردية أودى بحياة شخصين، وأصاب 5 آخرين، بمدينة تل أبيض الواقعة ضمن نطاق عملية «نبع السلام» العسكرية التركية في شمال شرقي سوريا. وقال البيان إنه «تم إلقاء القبض على منفذ الهجوم حياً، مع إرهابي آخر وصل إلى المنطقة بسيارة ملغومة لتنفيذ هجوم ثانٍ».

موسكو تؤكد دعم الجيش السوري وتشير إلى «تفاهم كامل» مع تركيا
جولة محادثات مطولة مع أنقرة تستكمل اليوم

موسكو: رائد جبر
برزت إشارات متباينة في موسكو، أمس، حول فرص تقريب وجهات النظر مع أنقرة حيال الوضع في إدلب، وردود الفعل الروسية على التهديدات التركية المتواصلة بإطلاق عملية عسكرية واسعة، إذ تزامن عقد جولة محادثات مطولة جرت خلف أبواب مغلقة، وجمعت مسؤولين عسكريين ودبلوماسيين من روسيا وتركيا، مع إعلان وزير الخارجية سيرغي لافروف عن وجود «اتصالات دائمة بين العسكريين الروس والأتراك»، وإشارته إلى «تفاهم كامل» بين الطرفين يمكن أن يؤسس لتخفيف التوتر، في الوقت ذاته جدد الكرملين تأكيده على دعم تحركات الجيش السوري في شمال غربي البلاد.

وتجنبت موسكو الكشف عن تفاصيل المحادثات المطولة التي شارك فيها من الجانب التركي وفد برئاسة نائب وزير الخارجية أونال سادات، ضم دبلوماسيين وعسكريين، ومن الجانب الروسي شارك في الحوارات المبعوث الرئاسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف ونائب وزير الخارجية سيرغي فيرشينين، وضم الوفد الروسي كذلك مسؤولين من وزارة الدفاع.

لكن الجانب التركي أعلن في بيان بعد مرور نحو 6 ساعات على جلسة المفاوضات عن اتفاق الطرفين على استكمال المحادثات في جولة مباحثات ثانية تعقد اليوم الثلاثاء، مما أوحى بأن الطرفين تمكنا من تحقيق تقدم في بعض المحاور المطروحة رغم أن مساحة التباين ما زالت واسعة. ووفقاً للبيان التركي؛ فقد «أكد وفدنا، في المفاوضات التي جرت في موسكو، على الحاجة إلى التخفيف الفوري للتوترات في المنطقة ومنع تدهور الحالة الإنسانية». وأضاف: «تمت مناقشة التدابير التي يمكن اتخاذها لمنع انتهاك وقف إطلاق النار. وقد تمت الإشارة أيضاً إلى ضرورة العمل في إطار اتفاقية سوتشي حول إدلب، وستستأنف المحادثات غداً (اليوم) صباحاً».

وجرت المحادثات على خلفية توتر متصاعد في العلاقات بين موسكو وأنقرة على خلفية التعزيزات العسكرية التركية المتواصلة، واتهامات موسكو للجانب التركي بأنه سلم المسلحين أسلحة نوعية حديثة بينها مضادات للطائرات، وأن جزءاً ملموساً من هذه الأسلحة وصل إلى أيدي مسلحي «جبهة النصرة»، مما ساهم في تقليص سقف التوقعات من هذه المفاوضات، خصوصاً أنها جاءت بعد فشل جولتين من المحادثات بين الجانبين عقدتا في أنقرة الأسبوع الماضي.

لكن حديث لافروف عما وصفه بـ«تفاهم كامل» بين الطرفين، عكس تعويلاً روسياً على قدرة الطرفين على تجاوز الملفات الخلافية ووضع تصورات مشتركة لآليات تنفيذ اتفاق سوتشي مع مراعاة التطورات الميدانية التي جرت خلال الفترة الأخيرة، وهو الأمر الذي تركز عليه موسكو في رؤيتها لآليات تخفيف التوتر. وشدد الوزير الروسي على أن «العسكريين الروس والأتراك الموجودين ميدانياً في المنطقة على تواصل دائم في إدلب السورية، وهم يتابعون مستجدات الوضع ويسود فيما بينهم تفاهم كامل»، معرباً عن أمل في إمكانية خفض حدة التوتر.

وأوضح لافروف أنه قد «سمعنا من عسكريينا ومن العسكريين الأتراك على حد سواء، أن هناك تفاهماً كاملاً فيما بينهم، وآمل في أن يتمكنوا من طرح أفكار كفيلة بخفض حدة التوتر في المنطقة على أساس الاتفاقات التي تم التوصل إليها بين رئيسي روسيا وتركيا». ولم يوضح الوزير طبيعة «الأفكار» التي تنتظر موسكو سماعها وتحقيق تقدم على أساسها، لكنه تطرق إلى واحدة من النقاط العالقة وقال إن «فصل المسلحين المستعدين للحوار مع الحكومة السورية، عن الإرهابيين، يمثل مفتاحاً لتسوية الوضع في إدلب، وانعدام التقدم على هذا الصعيد أدى إلى توقيع اتفاق على إنشاء منطقة منزوعة السلاح داخل إدلب، لكن تنفيذ هذا الاتفاق تعثر أيضاً رغم نشر نقاط مراقبة تركية هناك».

كما لفت الوزير الروسي إلى شرط أساسي تضعه موسكو لوقف العمليات العسكرية يتمثل في الالتزام بشكل كامل بعدم توجيه ضربات من إدلب نحو المناطق المحيطة، وزاد أن «الإرهابيين استمروا في قصف مواقع الجيش السوري وقاعدة حميميم الروسية من خلف نقاط المراقبة التركية، الأمر الذي لم يكن ممكناً تركه دون رد، وتصدت القوات السورية بدعم روسي لكل تحرك من هذا القبيل».

في غضون ذلك، بعث الكرملين بإشارة أخرى قوية، من خلال تأكيد الناطق باسمه ديمتري بيسكوف، على أن موسكو ستواصل دعم تحركات الجيش السوري في منطقة شمال غربي سوريا. وجاء حديثه في إطار الرد على طلب الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأن «تتوقف موسكو عن دعم نظام الأسد في سوريا»، وقال بيسكوف إن «موسكو ستواصل دعمها عمليات الجيش السوري ضد الإرهابيين»، معرباً عن أسفه بسبب «قيام المسلحين بتكثيف عملياتهم الإرهابية في منطقة إدلب بسوريا»، نافياً صحة المعطيات الأميركية حول توجيه ضربات على منشآت مدنية.

وكان المتحدث باسم البيت الأبيض جود دير، تعقيباً على الاتصال الهاتفي بين الرئيسين دونالد ترمب ورجب طيب إردوغان، أوضح أن «الرئيس ترمب قال لنظيره التركي، إن الولايات المتحدة ترغب في أن تتوقف روسيا عن (دعم الفظائع) التي يرتكبها نظام الأسد في إدلب».

على صعيد آخر، أبلغ مصدر في حلف شمال الأطلسي (ناتو) وكالة أنباء «تاس» الحكومية الروسية أن الحلف لا ينوي تقديم الدعم العسكري لأنقرة في حال قيامها بعملية عسكرية في شمال سوريا. وقال المصدر، وهو دبلوماسي يعمل في بعثة إحدى الدول الأعضاء في مقر الحلف في بروكسل، إن «دول الناتو لن تدعم تفعيل البند الخامس بسبب مقتل عسكريين أتراك في إدلب مطلع فبراير (شباط)» الحالي، مشدداً على أن الحلف «لا ينظر في إمكانية تقديم مساعدة عسكرية لتركيا في حال القيام بعملية في هذه المنطقة».