التاريخ: شباط ١٣, ٢٠٢٠
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
العراق يعيد فتح جسر السنك في بغداد وسط رفض من جماعات الحراك
ضغوط سنية ـ كردية تربك خطط علاوي لاستكمال حكومته
بغداد: فاضل النشمي
في خطوة اعتبرها بعض جماعات الحراك في العراق محاولة لتضييق الخناق على المحتجين، وحصرهم في ساحة التحرير ومحيطها، فتحت قيادة عمليات بغداد، أمس، جسر السنك المغلق منذ أكثر من شهرين، في ظل معلومات عن عزم السلطات إعادة فتح جسر آخر في العاصمة، وهو أمر سارع مقربون من رئيس الوزراء إلى نفيه.

وقالت قيادة عمليات بغداد في بيان، إن قواتها مستمرة في القيام «بواجباتها لتأمين وحماية مصالح المواطنين الخاصة والعامة، وحركة السير في العاصمة بغداد». وأضافت: «بما أن المتظاهرين السلميين حددوا منطقة التظاهر في ساحة التحرير، تم تخصيص قوة حماية لهم ولمنطقة التظاهر، وتمت المباشرة بفتح المناطق الأخرى (الخلاني، وشارع الرشيد، وساحة الوثبة، وجسر السنك)». وطلبت قيادة العمليات ممن سمتهم «المتظاهرين السلميين» عدم الاندفاع خارج ساحة التظاهر المحددة والمؤمنة، مؤكدة أنها «ستتخذ الإجراءات القانونية وفق القوانين النافذة، بحق من يمارس وسائل العنف والحرق وقطع الطرق التي تهدد مصالح الناس»، وهو أمر اعتبره بعض الناشطين تهديداً صريحاً ومحاولة حكومية لـ«خنق المظاهرات»، بحصرها في ساحة التحرير فقط، وتحذير المتظاهرين من محاولة الخروج منها. وترددت أنباء، أمس، عن عزم السلطات إعادة فتح جسر الجمهورية المرتبط بساحة التحرير؛ لكن السكرتير العسكري لرئيس الوزراء نفى ذلك.

وتنظر جماعات الحراك بعين الشك والريبة لخطوة افتتاح الطرق والجسور القريبة من ساحة التحرير. ويتهم بعض المحتجين أتباع التيار الصدري بالتنسيق مع «عمليات بغداد» في عمليات فتح الجسور، بهدف تحجيم الاحتجاجات ودفعها إلى التمركز في مكان محدد.

ويقول الناشط الصحافي علي عبد الخالق، إن «قضم الأرض الذي تمارسه السلطة حول ساحة التحرير، مركز هذه الثورة، لن يفضي إلى شيء». ويضيف - في حديث لـ«الشرق الأوسط» - أن «فتح الجسور لن يغير المعادلة مجدداً ويعيدها إلى ما كانت عليه الأوضاع قبل الأول من أكتوبر (تشرين الأول)». ويرى عبد الخالق أن «هذا الجيل غيَّر قواعد اللعبة إلى الأبد. المخيمات نُصبت في القلوب والضمائر قبل خطواتكم هذه (أي فتح الطرق) بوقت طويل».

أما الشاعر والناشط أحمد عبد الحسين، فكتب تعليقاً على افتتاح جسر السنك قائلاً: «على هذا الجسر مات شباب وفي أفواههم رغبة بالكلام، وفي قلوبهم رغبة بالحب، وفي أرواحهم شوق إلى معانقة الحياة. لم تحاورهم الضفة الأخرى إلا بالقذائف والرصاص والغاز السام والتخوين والتشكيك، فبماذا يعدنا أهل الضفة الأخرى؟». وكان الشاعر يشير هنا إلى السلطات الحكومية التي تقيم في جانب الكرخ عند الضفة الأخرى من نهر دجلة. وأضاف متسائلاً: «هل سنعبر على هذا الجسر لنلاقيكم في الضفة الأخرى، ونحن نسحق بأحذيتنا أثر دم أبنائنا وإخوتنا ورفاقنا؟ هذا الجسر لا يفضي إلى شيء، ليس هناك أحد في ضفته الأخرى سوى القاتل يتهيأ لنزع قناعه».

وفي فترة بعد ظهر أمس، حاول متظاهرون إغلاق جسر السنك بالإطارات المحترقة؛ لكن القوات الأمنية منعتهم.

في غضون ذلك، تحشد جماعات الحراك للخروج بتظاهرة نسوية اليوم (الخميس) رداً على الاتهامات التي تتعرض لها النساء المتظاهرات من قبل بعض اتباع التيار الصدري. ورغم البيان الذي أصدره مقتدى الصدر، أول من أمس، وأمر فيه بحل «القبعات الزرق»، وطالب أتباعه بالمشاركة في التظاهرات بوصفهم أفراداً وليسوا أعضاء في التيار، ما زالت المناكفات والاتهامات المتبادلة بينهم وبين جماعات الحراك قائمة، في ظل اتهامات لعناصر مؤيدة للصدر بالوقوف وراء عملية طعن بسكين تعرضت لها طالبة في ساحة التحرير أول من أمس.

وساهمت المواقف المتضاربة التي اتخذها مقتدى الصدر حيال الحراك الاحتجاجي في غضون الأسابيع الأخيرة، في تعميق هوة الخلاف بين الطرفين.

من جهته، هاجم رئيس الوزراء السابق إياد علاوي، أمس، بقوة، حادث الاعتداء على الفتاة في ساحة التحرير، وقال في تغريدة عبر «تويتر»: «بلا مروءة ولا رجولة ولا قيم، يصل الاستهتار بالعصابات الخارجة عن القانون إلى حد طعن امرأة متظاهرة، وممارسة التهديد والترويع دون رادع!». وأضاف: «أهيب بالإخوة المتظاهرين إيصال أسماء أولئك القتلة، وتوثيق حالات الاعتداء، ليتم تقديمها للمحاكم الجنائية العراقية والدولية».

وفي محافظة النجف، عادت أمس الاتهامات لأتباع الصدر بالضلوع في قتل المتظاهرين، بعد الإعلان عن وفاة الشاب حسن أحمد السعيري، إثر تعرضه لإصابة خطيرة في الرأس، بعد قيام «القبعات الزرق» التابعة للتيار الصدري باقتحام ساحة الاعتصام (الصدرين) في المحافظة الأسبوع الماضي.

وكشفت قيادة شرطة محافظة النجف، أمس، عن آخر الإجراءات بخصوص التحقيق في حادثة اقتحام ساحة الصدرين. وقال المتحدث باسم قيادة الشرطة، المقدم مقدام الموسوي، في تصريحات أدلى بها لوسائل إعلام محلية، إن وزارة الداخلية أرسلت فريق تحقيق للمحافظة، و«أكمل إعداد تقرير خاص بحادثة اقتحام ساحة الصدرين، الذي أدى إلى سقوط ضحايا وجرحى في صفوف المتظاهرين».

وفي مدينة الناصرية، صعَّد المتظاهرون من حراكهم بعد محاولة اغتيال فاشلة تعرض لها المحامي علي معارج، بالقرب من محكمة استئناف ذي قار، صباح أمس، وأسفرت عن إصابته بجروح خطيرة، نقل على أثرها إلى مستشفى في المدينة. وأفادت الأنباء الواردة من الناصرية بأن المتظاهرين قطعوا عدداً من الطرق، من بينها تقاطع البهو، بعد سماعهم نبأ محاولة اغتيال المحامي معارج الذي ينشط في الدفاع عن قضايا المُعتقلين من المتظاهرين.

ضغوط سنية ـ كردية تربك خطط علاوي لاستكمال حكومته
بغداد: حمزة مصطفى
رغم أن المهلة المتبقية أمام رئيس الوزراء العراقي المكلف محمد توفيق علاوي، تبدو كافية لإجراء مزيد من المباحثات مع الكتل السياسية لتمرير كابينته من البرلمان بأسرع وقت ممكن، فإنه يواجه، طبقاً لمصدر سياسي عراقي مطلع، ضغوطاً سنيّة - كردية تربك خططه لاستكمال إعلان الحكومة.

وكان علاوي على وشك إعلان نيته تقديم وزراء حكومته إلى البرلمان منتصف الأسبوع المقبل، طبقاً لما قاله لـ«الشرق الأوسط» النائب محمد الخالدي الذي جمع تواقيع 56 نائباً مؤيداً لتمرير الكابينة. إلا أن علاوي لم يتمكن من فعل ذلك نتيجة ما وُصف بأنه «عقبة كردية - سنية» ترتبط بالمحافظة على التوازن أو الحصص الوزارية، من منطلق أن كلاً من الأكراد والسنة يرون أنهم في الوقت الذي لا يتدخلون في خيار الشيعة لترشيح أي شخصية يتوافقون عليها هم أولاً ومن ثم يلتحق بهم المكونان الآخران الأكراد والعرب السنة، فإنهم في المقابل لا يقبلون أن يتدخل أحد في كيفية التعبير عن حقوقهم في الحكومة ما دامت ليست أكثر مما هو محدد طبقاً لما أفرزته الانتخابات. ورداً على سؤال عما إذا كان السنة والأكراد يرون أن هناك مصادرة لقرارهم السياسي من الآخرين، أجاب المصدر السياسي المطلع بأن «المسألة تتعلق بترك حرية الاختيار لرئيس الوزراء حيث لدى كل من السنة والأكراد تحفظان وإن كانا يبدوان مختلفين إلى حد ما لكنهما في النهاية يصبان فيما يعدانه حريتهم في التعبير عن حقهم أو استحقاقهم مثلما يعبّر الشيعة عن هذا الحق عبر اختيار رئيس وزراء لا يمكن تسويقه ما لم يجد قبولاً لدى الكتل الشيعية».

ويرى المصدر السياسي أن «السنة وإن كانت هناك خلافات بينهم على صعيد دعم أو عدم دعم المكلف بتشكيل الحكومة لكن الطرف الأقوى فيهم، وهو تحالف القوى العراقية الذي يتزعمه رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، يطلب أن يتولوا هم ترشيح مجموعة من الأسماء لكل حقيبة وزارية على أن يختار رئيس الوزراء واحداً منها، بينما الأكراد يريدون هم من يرشحون ويقبل بهم رئيس الوزراء وهو ما بات يشكّل عقدة قد تكون رئيسية ما لم يتم التوصل إلى حلول وسط لها».

وبشأن الموقف داخل الكتل الشيعية، يقول المصدر المطلع إن «المواقف داخل الكتل الشيعية متباينة لكنها في مجملها لا تقف بالضد من علاوي وربما بعضها منحه بالفعل حرية اختيار الوزراء وهو ما اتضح في تهديد زعيم التيار الصدري بالتبرؤ من الحكومة في حال خضع رئيسها المكلف للضغوط».

وفي هذا السياق، حذّر «تحالف الفتح» الذي يتزعمه هادي العامري مما سماها «حكومة صفقات بينما المطلوب حكومة مواصفات». وقال القيادي في «الفتح» عضو البرلمان العراقي أحمد الكناني، في تصريح أمس (الأربعاء): «إننا نريد تشكيل حكومة مواصفات لا حكومة صفقات، وهذا أمر شدّدنا عليه جداً لرئيس الوزراء المكلف محمد توفيق علاوي». وبيّن الكناني أن تشكيل جميع الحكومات السابقة لم يخلُ من «سماسرة بيع الوزارات، ولكن على رئيس الوزراء المكلف محمد توفيق علاوي أن يكون حذراً في التعامل مع هؤلاء ولا يكرر أخطاء الماضي».

إلى ذلك، كشف عضو البرلمان العراقي محمد شياع السوداني، عن إطلاق مبادرة لدعم رئيس الوزراء المكلف في إعطائه الحرية في اختيار كابينته الوزارية. وقال السوداني وهو مرشح سابق لرئاسة الوزراء: «إن اجتماعاً عُقد بمشاركة مجموعة من النواب بعيداً عن عناوين الكتل السياسية»، مبيناً أن «الاجتماع جاء في ظل الأزمة السياسية الراهنة واستشعاراً للخطر الذي يحيط بالبلد بسبب التحديات التي تواجهه». وأشار إلى أن «الاجتماع يهدف إلى تنسيق الجهود بمبادرة وطنية داعمة لرئيس الوزراء المكلف بتشكيل الحكومة وإعطائه حرية اختيار كابينته الوزارية، على أن يتحمل المسؤولية». ولفت إلى أن «من أهم أولويات حكومة علاوي تثبيث هيبة الدولة وإعادة بسط سلطة القانون».

الصدر يهدد بالتبرؤ من علاوي... ويحل «القبعات الزرق»
العامري يتوسط لمصالحته مع المالكي

الأربعاء - 12 فبراير 2020 

بغداد: «الشرق الأوسط»

في قرار بدا مفاجئاً لأوساط الحراك الجماهيري؛ أعلن زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر حلّ «القبعات الزرق»، فيما هدد بإمكانية التبرؤ من مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة محمد علاوي.

وقال الصدر في تغريدة أمس: «إننا نسمع بضغوطات حزبية وطائفية لتشكيل الحكومة المؤقتة»، مبيناً أن «هذا يعني ازدياد عدم قناعتنا بها، بل قد يؤدي إلى إعلان التبرؤ منها (...) بعد أن اضطررنا للسكوت عنها». وأضاف الصدر: «إننا لا زلنا من المطالبين بالإصلاح».

وفي السياق نفسه، أعلن الصدر حلّ أصحاب «القبعات الزرق» التابعين له نتيجة لما عدّه من أن «الثورة بدأت تدريجيا بالعودة إلى مسارها الأول رغم وجود خروقات من بعض المخربين ودعاة العنف». وأوضح الصدر: «أملي بالثوار أنهم سيعملون على إقصاء هؤلاء بصورة تدريجية وسلمية، ومعه فإني أعلن حل (القبعات الزرق) ولا أرضى بتواجد التيار (الصدري) بعنوانه في المظاهرات، إلا إذا اندمج وصار منهم وبهم دون التصريح بانتمائهم».

وأشار الصدر إلى أن «بعض الثوار السلميين استطاع أن يزيل المخاوف ويتحلى بالشجاعة ويعلن البراءة من المخربين والمندسين، فأنا أؤيد ذلك مطلقاً». كما دعا الصدر القوات الأمنية إلى «فرض الأمن من جهة وإبعاد المخربين وحماية الثوار السلميين من أي جهة تعتدي عليهم، ولو كانوا من ينتمون لي ظلماً وزوراً».

ويأتي قرار الصدر حل «القبعات الزرق» بعد أن هاجموا خيام متظاهرين في النجف والحلة جنوب بغداد، مما أسفر عن مقتل 8 من المحتجين المناهضين للحكومة الأسبوع الماضي. ودفعت أعمال العنف هذه المرجع الديني الأعلى في العراق آية الله علي السيستاني إلى توبيخ «القبعات الزرق» دون تسميتهم، مطالباً قوات الأمن بعدم «التنصل» من واجباتها في حماية المحتجين. وفي اليوم التالي أمر الصدر «القبعات الزرق» بالانسحاب من ساحات الاعتصام وسط ترحيب المحتجين. كما انتقدت قوى سياسية تصرفات أنصار الصدر. وكانت علاقة «التيار الصدري» بالمظاهرات مرت بمراحل مختلفة شابتها حالات تنسيق وتواصل مرة، وخلافات عميقة وتبادل اتهامات مرة أخرى.

إلى ذلك، كشف قيادي في «ائتلاف دولة القانون» الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي عن جهود تبذل من قبل زعيم «منظمة بدر»، هادي العامري، لإجراء مصالحة بين المالكي والصدر بعد مرور أكثر من 10 سنوات على قطيعة بينهما. وقال سعد المطلبي، القيادي في الائتلاف في تصريح إن «هناك جهوداً من أجل إنهاء الخلافات بين قادة القوى السياسية ومن ضمنها الخلاف بين زعيم (ائتلاف دولة القانون) نوري المالكي وزعيم (التيار الصدري) مقتدى الصدر». وأضاف المطلبي أن «هذه الجهود تبذل من قبل (منظمة بدر)»، مبيناً أن «هذا الصلح ممكن جداً، خصوصاً أنه لا يوجد خلاف شخصي».