التاريخ: كانون ثاني ٣٠, ٢٠٢٠
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
دمشق تستعيد 20 قرية في إدلب... وقلق أممي على 3 ملايين مدني
معارك معرة النعمان تسفر عن مقتل 147 عنصراً في القوات الحكومية و168 من الفصائل
دمشق - لندن: «الشرق الأوسط»
أعلنت دمشق، أمس، سيطرة الجيش على معرة النعمان، ثاني أكبر مدن محافظة إدلب، شمال غربي البلاد، بعد أسابيع من الاشتباكات والقصف العنيف، ليقترب أكثر من تحقيق هدفه باستعادة طريق دولي استراتيجي.

وتشهد محافظة إدلب ومناطق محاذية لها تؤوي ثلاثة ملايين شخص، نصفهم تقريباً من النازحين، منذ الشهر الماضي، تصعيداً عسكرياً لقوات النظام وحليفتها روسيا، يتركز في ريف إدلب الجنوبي وحلب الغربي، حيث يمر جزء من الطريق الدولي الذي يربط مدينة حلب بالعاصمة دمشق.

وأعلن الجيش السوري، أول من أمس (الأربعاء)، في بيان جرى بثه على التلفزيون الرسمي: «تمكنت قواتنا الباسلة في الأيام الماضية من القضاء على الإرهاب في العديد من القرى والبلدات»، وعدّد نحو عشرين بلدة وقريبة بينها معرة النعمان.
وأكد الجيش نيته «ملاحقة ما تبقى من التنظيمات الإرهابية المسلحة إلى أن يتم تطهير كامل التراب السوري من رجس الإرهاب بمختلف مسمياته».

وتسيطر «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً) على الجزء الأكبر من محافظة إدلب، وتنشط فيها فصائل معارضة أخرى أقل نفوذاً. ودخل الجيش معرة النعمان، الثلاثاء، بعد تطويقها بالكامل، وانسحاب الجزء الأكبر من مقاتلي الفصائل منها.
وتركزت المعارك والقصف، خلال الأيام الماضية، على مدينة معرة النعمان، وأسفرت، وفق حصيلة لـ«المرصد السوري لحقوق الإنسان»، عن مقتل 147 عنصراً في القوات الحكومية، و168 عنصراً من الفصائل.

وتتمركز القوات الحكومية حالياً، وفق المرصد، على بعد نحو عشرة كيلومترات جنوب مدينة سراقب الواقع أيضاً على الطريق الدولي شمال معرة النعمان.

وأفاد المرصد أيضاً بتوقف الغارات الجوية، في منطقة إدلب، بينما لا تزال الاشتباكات مستمرة غرب حلب، حيث أفادت «وكالة الأنباء السورية الرسمية» (سانا) بتقدّم لقوات النظام.

وأفادت قناة «روسيا اليوم»، على موقعها باللغة العربية، عن إصابة مراسلتها خلال مرافقتها للجيش السوري أثناء قيامه بعمليات التمشيط في منطقة معرة النعمان.

وتُكرّر دمشق نيتها استعادة كامل منطقة إدلب وأجزاء محاذية لها في حماة وحلب واللاذقية، رغم اتفاقات هدنة عدة تم التوصل إليها على مر السنوات الماضية في المحافظة، وكان آخرها اتفاق هدنة جرى الإعلان عنه في التاسع من الشهر الحالي، إلا أنه لم يدم سوى لعدة أيام.

واتّهم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أمس (الأربعاء)، موسكو بعدم احترام الاتفاقات المبرمة بينهما بشأن إدلب.

وقال، بحسب ما نقلت «وكالة أنباء الأناضول الرسمية»: «مع روسيا، أبرمنا هذه الاتفاقات (...) إذا كانت روسيا لا تحترم هذه الاتفاقات، إذن سنفعل الأمر نفسه. للأسف في الوقت الحالي، روسيا لا تحترمها».

وكانت تركيا، التي تنشر 12 نقطة مراقبة في إدلب، حذرت، أول من أمس (الثلاثاء)، من أنها سترد على أي تهديد لتلك النقاط، التي باتت ثلاثة منها محاصرة من قبل قوات النظام.

ومنذ سيطرة الفصائل المقاتلة على كامل المحافظة في عام 2015، تصعّد قوات النظام بدعم روسي قصفها للمحافظة أو تشن هجمات برية تحقق فيها تقدماً، وتنتهي عادة بالتوصل إلى اتفاقات هدنة ترعاها روسيا وتركيا.

وسيطرت قوات النظام خلال هجوم استمر أربعة أشهر وانتهى بهدنة، أواخر أغسطس (آب)، على مناطق واسعة في ريف المحافظة الجنوبي، أبرزها بلدة خان شيخون الواقعة أيضاً على الطريق الدولي.

ويرى مراقبون أن قوات النظام تسعى من خلال هجماتها الأخيرة في إدلب إلى استعادة السيطرة تدريجياً على الجزء الذي يعبر إدلب وغرب حلب من هذا الطريق، لتبسط سيطرتها عليه كاملاً.

وقال متحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في عمان ديفيد سوانسون: «نخشى على سلامة وأمان أكثر من ثلاثة ملايين مدني، في إدلب والمناطق المحيطة».

ودفع التصعيد منذ ديسمبر (كانون الأول) بـ388 ألف شخص إلى النزوح من المنطقة، خصوصاً معرة النعمان باتجاه مناطق أكثر أمناً شمالاً، وفق الأمم المتحدة. وبين هؤلاء 38 ألفاً فروا منذ منتصف الشهر الحالي من غرب حلب.

وأفاد «المرصد السوري» بدوره عن حركة نزوح ضخمة خلال الأيام القليلة الماضية، مع اقتراب التصعيد من مدينة سراقب وريفها، التي كانت ملجأ لنازحين فروا من منطقة معرة النعمان.
 

معرة النعمان من مركز للمظاهرات إلى مدينة أشباح

معرة النعمان - لندن: «الشرق الأوسط»
تحولت معرة النعمان من منطلق لتظاهرات عارمة إلى مدينة أشباح لم يبق فيها سوى جدران عليها شعارات يتيمة لشبان عارضوا يوماً ما النظام، ذلك حسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية من معرة النعمان في إدلب.

وفي 28 يناير (كانون الثاني)، سيطرت قوات النظام على الجزء الأكبر من معرة النعمان، ثاني أكبر مدن محافظة إدلب في شمال غربي سوريا، والواقعة على الطريق الدولي بين حلب ودمشق، بعد أكثر من 7 سنوات من سيطرة الفصائل المعارضة.

انضمت معرة النعمان في ريف إدلب الجنوبي في عام 2011 إلى حركة الاحتجاجات ضد النظام. وتحولت تدريجياً إلى أحد رموز التظاهر في محافظة إدلب.

ومع تحول حركة الاحتجاجات إلى نزاع مسلح، سيطرت الفصائل المعارضة على المدينة في عام 2012.

وحتى بعد سيطرة الفصائل عليها، لم تتوقف التظاهرات في «المعرة» حتى باتت روتيناً أسبوعياً. وقبل كل يوم جمعة، كان ناشطون فيها يتجمعون لتحضير الهتافات وكتابة اللافتات.

وفي كل تظاهرة، كانت تعلو لافتات بأسماء قرى الريف المشاركة.

يتذكر الناشط الإعلامي عز الدين الإدلبي ما كانت عليه مدينته سابقاً، ويختصرها بتعبير «مدينة الثورة» في إدلب.

في عام 2015، سيطرت الفصائل المعارضة وهيئة تحرير الشام على كامل محافظة إدلب وتقاسمت النفوذ بينها. إلا أنه وفي مارس (آذار) عام 2019، باتت محافظة إدلب تحت السيطرة الفعلية لهيئة تحرير الشام، قبل أن تتقدم قوات النظام في جنوبها تدريجياً في عمليات عسكرية منفصلة، آخرها في ديسمبر (كانون الأول).

يقول بلال مخزوم، أحد سكان المدينة: «عاشت معرة النعمان تسع سنوات ثورة بكل ما للكلمة من معنى».

تقع معرة النعمان على الطريق الدولي «إم 5»، الذي يربط حلب بالعاصمة دمشق، ويعبر أبرز المدن السورية من حماة وحمص وصولاً إلى الحدود الجنوبية مع الأردن.

يرى مراقبون أن قوات النظام تسعى من خلال هجماتها الأخيرة في إدلب إلى استعادة السيطرة تدريجياً على الجزء الذي يعبر إدلب وغرب حلب من هذا الطريق، لتبسط سيطرتها عليه كاملاً.

وخلال هجوم استمر أربعة أشهر وانتهى بهدنة أواخر أغسطس (آب)، سيطرت قوات النظام على بلدة خان شيخون الواقعة أيضاً على الطريق الدولي جنوب معرة النعمان.

وبمجرد سيطرتها على معرة النعمان، تقترب قوات النظام أكثر من تحقيق هدفها.

يطغى الدمار اليوم على مناطق واسعة من معرة النعمان ومبانيها وتبعثرت أسواق كانت تعج يوماً بالزبائن من سوق المجوهرات إلى سوق الغنم وسوق الدجاج وغيرها. وبدّت أبنية أخرى مهجورة تماماً ومحال وقد أقفلت واجهاتها.

وبلغ عدد سكان معرة النعمان قبل أربعة أشهر 150 ألفاً إلا أنها باتت اليوم شبه خالية جراء موجات النزوح.

ودفع التصعيد في المنطقة منذ ديسمبر (كانون الأول) بـ358 ألف شخص إلى النزوح وخصوصاً من معرة النعمان، وفق الأمم المتحدة.

يقول حسام (29 عاماً)، أحد سكانها بعد أسبوع على آخر زيارة إليها: «باتت معدومة الحياة، ليست المعرة التي نعرفها، ليست المدينة التي لا تهدأ».

وكان لمعرة النعمان، كما مدن أثرية أخرى، حصتها من دمار طال تراثها، ففي فبراير (شباط) عام 2013، عمد مقاتلون إلى قطع رأس تمثال الشاعر أبو العلاء المعري (973 - 1057).

واتهم ناشطون في حينه جبهة النصرة، وعرضوا صوراً تظهر تمثالاً نصفياً بني اللون مقطوع الرأس وعليه آثار طلقات نارية.

وأبو العلاء هو أحمد بن عبد الله بن سليمان، ولد في معرة النعمان في عام 973، وفقد بصره في سن مبكرة بعد إصابته بالجدري، لكن ذلك لم يحل دون طلبه العلم.

وأبو العلاء من الأبرز بين أقرانه العرب والشعراء العباسيين، وعُرف بالزهد والتقشف وكونه نباتياً، وأطلق عليه لقب «رهين المحبسين»، نظراً إلى فقدانه البصر وبقائه في المنزل أعواماً طويلة.

تقع معرة النعمان في منطقة جبل الزاوية جنوب غربي إدلب، وهي منطقة معروفة بآثارها، حيث توجد قرى أثرية مدرجة على لائحة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونيسكو).

وأكثر ما تُعرف به معرة النعمان هو متحف الفسيفساء الضخم، وهو عبارة عن خان عثماني يعود للقرن السادس عشر، يضم مئات لوحات الموزاييك التي تعود للعصرين الروماني والبيزنطي.

في عام 2012، التقط مقاتلون معارضون صوراً لهم داخل المتحف إلى جانب لوحة فسيفساء تظهر مشهد صيد.

وفي يونيو (حزيران) عام 2015، قالت جمعية حماية الآثار السورية إن المتحف تعرض لقصف «ببرميلين متفجرين» ما أسفر عن تعرضه لـ«أضرار بالغة». لكن المدير العام السابق للمديرية العام للآثار والمتاحف في سوريا مأمون عبد الكريم يقول لوكالة الصحافة الفرنسية، إن لوحات المتحف بخير. ويوضح أنه «خلال السنوات الماضية، كان هناك تعاون مجتمعي عبر موظفين قدامى في مديرية الآثار، عملوا على تحييد المتحف، واستخدموا طرقاً علمية عبر تغطية اللوحات بالرمال لتجنيبها أي أضرار قد تطالها جراء الانفجارات أو تخفيف الأضرار بالحد الأدنى».

وحمت المجموعة نفسها المتحف من السرقة.

ويُعرف أهالي المعرة، وفق قوله، حتى اليوم «بصناعة الفسيفساء والموزاييك الحديثة»، وكانت ترسل إليهم لوحات فسيفساء أثرية لترميمها.