التاريخ: كانون ثاني ١٥, ٢٠٢٠
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
اللبنانيون يعودون إلى الشارع في «أسبوع الغضب»
الأمم المتحدة: السياسيون اللبنانيون في موقف المتفرج والاقتصاد ينهار
تحت عنوان «أسبوع الغضب» عادت الاحتجاجات الشعبية صباح أمس، إلى مختلف المناطق مجددةً المطالب التي رفعتها منذ 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وأهمها الإسراع بتشكيل حكومة اختصاصيين من غير السياسيين ورفض السياسات المالية.

وكان منزل رئيس الحكومة المكلف حسان دياب، محطة للمحتجين، مساءً، وسط هتافات منددة بتكليفه، وأشاروا إلى أن «تسميته تمّت بفضل الأحزاب السياسية»، في موازاة تنفيذ وقفة احتجاجية أمام مصرف لبنان مطلقين عليه تسمية «مركز السياسات المالية القاتلة» ومطالبين بإسقاط الحاكم رياض سلامة.

ومنذ ساعات الصباح الأولى، استفاق اللبنانيون على إقفال الطرقات في مختلف المناطق تلبيةً لدعوة الناشطين التي انتشرت منذ يوم الاثنين، مؤكدةً تصعيد التحركات طوال الأسبوع على أن تشمل اليوم إقفال محلات الصيرفة.

وفي بيروت، أُقفلت كل الطرقات المؤدية إلى منطقة فرن الشباك، وقام المحتجون بإحراق الإطارات كما استخدموا الحجارة والإطارات المشتعلة ومستوعبات النفايات وقطعوا الأوتوستراد الخارجي بأعمدة الكهرباء والعوائق والحجارة، إضافةً إلى رمي الزيت المحروق على الأرض لإعاقة مرور السيارات.

والأمر نفسه حصل عند تقاطع المدينة الرياضية وأوتوستراد الحازمية – بيروت، حيث أُقفلت الطرقات بالإطارات المشتعلة.

وكما هي العادة كان جسر الرينغ، عند مدخل وسط بيروت محطة للمتظاهرين الذين عمدوا إلى إقفاله، من دون أن يخلو الأمر من مواجهات مع القوى الأمنية. وعلى المقلب الآخر من الجسر، حاول شاب إحراق نفسه عبر سكب مادة البنزين على جسده فهرع إليه المحتجون ورشّوه بالمياه ونجحوا في ثنيه عن الاستمرار في هدفه. كذلك، أُقفل أوتوستراد جونيه بالاتجاهين حيث افترش المحتجون الطريق، ولبّى طلاب في مدينة جبيل الدعوات للمشاركة في المظاهرات ونظّموا مسيرات جابت شوارع المدينة، وأقفل محتجون مركز «أوجيرو» للاتصالات في المدينة واعتصموا أمام مبنى شركة الكهرباء في عمشيت. وقطع المحتجون أوتوستراد جبيل في الاتجاهين بالإطارات المشتعلة، في ظل وجود عناصر من الجيش وقوى الأمن الداخلي.

كما عمد عدد من المحتجين إلى إحراق إطارات على أوتوستراد حالات في اتجاه بيروت من دون توقف في حركة السير.

وعاد نبض الحراك إلى منطقة جل الديب، حيث أشعل المتظاهرون الإطارات على الأوتوستراد تحت الجسر على المسلكين الشرقي والغربي. وكان المحتجّون في المنطقة قد أتوا من ساحات تجمّع في مناطق الجديدة والزلقا، مؤكدين أنهم سيعيدون نصب الخيام كما حصل في السابق.

وانضمت عاصمة الشمال طرابلس التي لم تهدأ طوال الأيام الماضية على اختلاف المناطق الأخرى، أيضاً، إلى دعوات التصعيد، وقطعَ المتظاهرون طريق البحصاص بالإطارات المشتعلة، وشهدت المنطقة انتشاراً كثيفاً للجيش اللبناني.
وفي عكار، قطع المحتجون في خيمة اعتصام حلبا الطريق العام الكامل بالإطارات والعوائق وجلسوا على كراسي في وسط الشارع العام، وسمحوا فقط بمرور الصليب الأحمر والحالات الطارئة والآليات العسكرية.

وفي بعلبك تكرر المشهد نفسه، حيث اعتصم محتجّون أمام مدخل فرع مصرف لبنان في المدينة، ومنعوا الموظفين من الدخول إلى المصرف لمزاولة عملهم، ورفعوا شعارات منددة بالسياسة المصرفية.

وفي صيدا أقدم المحتجون، فجراً، على إقفال بوابات شركة الكهرباء والمياه ومركز «أوجيرو». وكان الحراك قد أعلن أن الثلاثاء هو «يوم غضب وإضراب عام» وبقيت ساحة إيليا مقفلة بعدما استقدموا خياماً إلى وسط الساحة وباتوا ليلتهم فيها وسط دعوات للنزول إلى الشارع واستكمال التحرك «احتجاجاً على تردي الأوضاع في البلاد والمماطلة في تشكيل حكومة تلبي مطالبهم».

كما جابت مسيرات طلابية شوارع صيدا وصولاً إلى السرايا، وتجمّع الطلاب أمام مدخلها وتوجه وفد منهم إلى المنطقة التربوية لإيصال رسالة إلى وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال أكرم شهيب، ضمّنوها جملة مطالب أبرزها تحديث المناهج التربوية وأمور تتعلق بالامتحانات المدرسية لا سيما الرسمية منها. وحصل إشكال في محلة رياض الصلح في صيدا على خلفية إقفال محتجين محال صيرفة.

ونظّم أبناء حاصبيا والمنطقة مسيرة انطلقت من ساحة السرايا مروراً بالمؤسسات العامة والمصارف، مطالبين بـ«التغيير واسترداد المال المنهوب ومحاسبة الفاسدين»، مستنكرين تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية. 

 الأمم المتحدة: السياسيون اللبنانيون في موقف المتفرج والاقتصاد ينهار 
 
قال مسؤول كبير بالأمم المتحدة في لبنان اليوم (الأربعاء) إن السياسيين في لبنان في موقف المتفرج بينما ينهار الاقتصاد، وانتقد بشدة النخبة السياسية التي فشلت في تشكيل حكومة في بلد ينزلق أكثر نحو أزمة اقتصادية ومالية، وفقاً لوكالة «رويترز».

وصرح يان كوبيش المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان أيضا بأن رياض سلامة حاكم مصرف لبنان المركزي طلب سلطات استثنائية لإدارة الاقتصاد، في إشارة واضحة إلى طلبه المزيد من السلطات لتنظيم القواعد التي تطبقها البنوك التجارية.

وكتب كوبيش على «تويتر»: «لبنان متفرد بحق، طلب حاكم مصرف لبنان سلطات استثنائية لإدارة الاقتصاد بشكل ما على الأقل بينما يقف المسؤولون في موقف المتفرج والاقتصاد ينهار، هذا أمر لا يصدق».

وأطلقت قوات الأمن اللبنانية الغاز المسيل للدموع لتفريق محتجين أمام البنك المركزي مصرف لبنان مساء أمس (الثلاثاء) واشتبكت مع عشرات الأشخاص الذين رشقوها بالحجارة والمفرقعات.

وقال شاهد من «رويترز» إن المحتجين أضرموا النار في حاويات القمامة وعاودوا إلقاء عبوات الغاز على قوات الأمن وحطم بعض الشبان واجهات البنك وماكينات الصرف الآلي.

ومنذ استقالة سعد الحريري من رئاسة الوزراء في أواخر أكتوبر (تشرين الأول)، لم يفلح الساسة في الاتفاق على حكومة جديدة أو خطة إنقاذ. وتراجعت الليرة اللبنانية في السوق الموازية وتسبب نقص العملة الصعبة في رفع الأسعار وتأثر الثقة في النظام المصرفي. 

  شارع الحمرا في بيروت يزيل آثار ليلة النقمة على البنوك 
  
بيروت: «الشرق الأوسط أونلاين» 
مع تعثر تأليف حكومة وازدياد حدّة الأزمة الاقتصادية والمالية، تزداد نقمة اللبنانيين على الطبقة السياسية والمصارف التي تشهد قاعاتها يومياً خلافات صاخبة بين المودعين الراغبين في الحصول على أموالهم والموظفين، في خضم أزمة سيولة حادة تنذر بتصعيد الاحتجاجات التي بدأت في 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وشهد شارع الحمرا التجاري الذي كان في ما مضى «درّة» بيروت، وحيث مقر البنك المركزي ومقرات وفروع لعشرات البنوك، مواجهات عنيفة ليل الثلاثاء - الأربعاء استمرت ساعات، وأوقعت جرحى، وتخللها إقدام محتجين على تحطيم واجهات بنوك وإلقاء الحجارة على القوى الأمنية التي أطلقت الغاز المسيل للدموع لتفريقهم وأعلنت توقيف 59 شخصاً.

وعاد اللبنانيون الثلاثاء إلى الشوارع في بيروت وعدد من المناطق احتجاجاً على تعثّر قيام حكومة كُلّف بتأليفها حسان دياب الآتي من خارج النادي السياسي التقليدي، وازدياد حدّة الأزمة الاقتصادية والمالية.

وفي شارع الحمرا، انهمك عمال تنظيف منذ ساعات الصباح الباكر اليوم، وفق ما شاهد مراسلو وكالة الصحافة الفرنسية، في إزالة زجاج واجهات البنوك المتناثر أرضاً، بينما انصرف عمال صيانة إلى كسر واجهات متصدعة، لإبدالها بأخرى جديدة.

وحطّم المتظاهرون ليلاً الواجهات الزجاجية الصلبة مستخدمين أعمدة إشارات السير التي اقتلعوها من أمكنتها وأنابيب حديدية ومطافئ الحريق. كما حطموا أجهزة الصراف الآلي ورشوها بالطلاء الأحمر وكتبوا على الجدران شعارات مناوئة للبنوك.

واستمرت عمليات الشغب نحو خمس ساعات تقريباً، وتخللها إلقاء المتظاهرين الحجارة على قوات الأمن التي أطلقت الغاز المسيّل للدموع بكثافة. وعالج الصليب الأحمر اللبناني وفق ما قال متحدث باسمه الأربعاء 37 جريحاً من مدنيين وعسكريين ميدانياً، كما نقل ثلاثة مدنيين منهم إلى المستشفى. وأعلن الدفاع المدني من جهته أنه عالج مجموعة من المدنيين والعسكريين في شارع الحمرا، ونقل بعض المصابين الى مستشفيات المنطقة من دون تحديد عددهم.

وأحصت قوى الأمن الداخلي من جهتها إصابة 47 عنصراً خلال الصدامات. وأفادت في بيان الأربعاء عن «توقيف 59 مشتبهاً به في أعمال شغب واعتداءات». وأُطلق سراح عدد قليل منهم بعد التحقيق معهم، وفق ناشطين.

وحضر موظفو غالبية البنوك إلى دوامهم بشكل طبيعي، متفقدين الأضرار التي لحقت بمكان عملهم، قبل أن يستأنفوا استقبال المودعين.

وقالت عليا بعد خروجها من أحد المصارف: «التكسير ليس مقبولاً، لكنني أتفهم غضب الناس الذين باتوا متعبين جداً... عليّ أن أحضر مرتين إلى المصرف أسبوعياً لأسحب 200 دولار، إذ لديّ مريض في المنزل ويجب أن أدفع راتب الممرض»، لافتة إلى أن «القيود التي يفرضونها تجعل حياة المواطن معقدة جداً».

ومنذ أسابيع، ينتظر المودعون ساعات داخل قاعات البنوك لسحب مبلغ محدود من حساباتهم الشخصية بالدولار، بعدما حددت المصارف سقفاً لا يلامس الألف دولار شهرياً. وتشهد المصارف بشكل شبه يومي مشاكل بين الزبائن الذين يريدون الحصول على أموالهم وموظفي البنوك العاجزين عن تلبية رغباتهم. كما لم يعد ممكناً تحويل مبالغ مالية إلى الخارج إلا في حالات محددة.

وتوشك الليرة اللبنانية على خسارة نحو نصف قيمتها عملياً. ففيما لا يزال سعر الصرف الرسمي مثبتاً على 1507 ليرات مقابل الدولار، لامس الدولار عتبة 2500 ليرة في السوق الموازية.

ودعت مجموعة تطلق على نفسها تسمية «مجموعة شباب المصرف» إلى اعتصام مساء أمام البنك المركزي الذي حاول المحتجون اقتحامه الثلاثاء، متوعدة حاكم البنك رياض سلامة بالمحاسبة.

وفي لبنان، يتم استخدام الدولار والعملة المحلية في عمليات الدفع اليومية، إلا أن الحصول على الدولار بات مهمة صعبة منذ أشهر ويتهم المتظاهرون البنوك بالتواطؤ مع الصرافين والتلاعب بسعر الصرف.

وخسر عشرات آلاف اللبنانيين وظائفهم أو جزءاً من رواتبهم في ظل أسوأ أزمة اقتصادية في البلاد منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990)، بينما ارتفع الدين العام إلى نحو تسعين مليار دولار، أي ما يعادل أكثر من 150 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

وبدت الحركة طبيعية في شوارع بيروت ومحيطها الأربعاء، فيما قطع متظاهرون طرقاً رئيسية في شرق البلاد وجنوبها وشمالها. وأقفلت العديد من المدارس أبوابها.