التاريخ: كانون الأول ١١, ٢٠١٩
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
الحراك العراقي على وشك تحقيق ثاني مطالبه بعد إطاحة الحكومة
«عاصفة» مظاهرات بغداد «الموحدة» مرت بسلام
بغداد: «الشرق الأوسط»
تقترب جماعات الحراك العراقي من تحقيق ثاني أهدافها ضمن لائحة المطالب التي تتمسك بها منذ انطلاق المظاهرات مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وبعد أن قطف «ثوار تشرين»، كما باتوا يعرفون، مطلع الشهر الحالي، ثمار مطلبهم الأول المتمثل في إطاحة الحكومة وإقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، تظهر المعطيات والمواقف التي تطلقها الأحزاب والكتل السياسية أن الحراك الشعبي على وشك قطف ثمار المطلب الآخر المتمثل في حل البرلمان والذهاب إلى انتخابات نيابية مبكرة هي الأولى من نوعها منذ 2005.

وكانت غالبية القوى السياسية حتى وقت قريب تدافع عن فكرة استبدال مرشح مستقل برئيس الوزراء، يكمل ما تبقى من عمر الدورة البرلمانية، لكن الضغوط الاحتجاجية المتواصلة، إلى جانب أوضاع الأمن المقلقة، أجبرت على ما يبدو الكتل والأحزاب السياسية على تعديل مواقفها والقبول بفكرة الانتخابات المبكرة.

وفي هذا السياق، يشير النائب عن تحالف «القرار» وعضو لجنة العلاقات الخارجية ظافر العاني، إلى «وجود ما يشبه الإجماع بين القوى السياسية على حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، نعم لم يعلن الأكراد موقفاً واضحاً حتى الآن، لكنهم لم يعلنوا رفضهم أيضاً».

وحول الأسباب التي دفعت بالكتل السياسية إلى القبول بفكرة الانتخابات المبكرة، يقول العاني لـ«الشرق الأوسط»: «الانتخابات المبكرة مطلب جماهيري. إذا كان ذلك يرضي الجماهير فما المانع؟ لا وجود لسياسي مخلص حريص على مقعده النيابي في ظل أوضاع البلاد المقلقة. من لديه ثقة بنفسه وجمهوره يمكنه الترشح والفوز».

وبشأن توقيت الفترة الانتقالية المحتملة قبل إجراء الانتخابات، ذكر العاني أنها «تعتمد على الوقت الذي تحتاجه مفوضية الانتخابات لإجرائها. أتوقع أن تتراوح بين 6 أشهر إلى سنة من تاريخ اختيار رئيس الوزراء الجديد». ويفترض أن يطرح رئيس الجمهورية برهم صالح أمام البرلمان مرشح رئاسة الوزراء الجديد في فترة أقصاها 15 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، بحسب ما ينص عليه دستور البلاد.

وذكر العاني أن رؤساء الكتل السياسية سيجتمعون اليوم لـ«مناقشة النسخة الجديدة من قانون الانتخابات التي يجب أن تتطابق مع مطالب المتظاهرين والمعايير التي حددتها الأمم المتحدة».

من جانبه، يؤكد النائب عن تحالف «سائرون» أمجد العقابي هو الآخر على أن «غالبية الكتل السياسية متفقة على حل مجلس النواب وإجراء انتخابات مبكرة». وقال العقابي في تصريحات إن «تحالف (سائرون) لم ولن يحضر اجتماع رئيس الجمهورية برهم صالح، واختيار أي مرشح لرئاسة الوزراء من الكتل السياسية يعدّ هدماً للعملية السياسية بالكامل».

ومطلع الأسبوع وقع 130 برلمانياً على الشروط والمواصفات اللازمة لاختيار رئيس الوزراء المقبل، وضمنها أن يكون مستقلاً ونزيهاً ولم يشغل أي منصب سياسي أو إداري خلال السنوات الأخيرة.

«عاصفة» مظاهرات بغداد «الموحدة» مرت بسلام
بغداد: فاضل النشمي
خلافاً للمخاوف التي سبقت موعد المظاهرات «الموحدة» في ساحة التحرير وسط بغداد، أمس، ساد الهدوء ومرت «عاصفة» المحتجين بسلام ولم تحدث أي احتكاكات، باستثناء حوادث طفيفة وقعت قرب ساحة الخلاني، بين المتظاهرين وقوات الأمن مثلما درجت العادة في غالبية المظاهرات؛ التي انطلقت مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وخلفت وراءها نحو 500 قتيل و20 ألف جريح.

وعزا ناشطون الهدوء الذي ساد المظاهرات إلى «قيام ناشطين بإنشاء حاجز بشري على جسر الجمهورية للحيلولة دون عبور المتحمسين من المتظاهرين إلى المنطقة الحكومية (الخضراء)، للحيلولة دون وقوع صدامات بينهم وبين قوات الأمن».

وكان الناشطون والمدونون انشغلوا مساء الاثنين، بالدعوات المشددة إلى عدم العبور إلى المنطقة الخضراء والالتزام بسلمية المظاهرات والبقاء في ساحة التحرير والشوارع القريبة منها. وحذروا من أن جهات سياسية وفصائل مسلحة تسعى لـ«استدراج» المتظاهرين إلى المنطقة الخضراء لإيقاع أكبر الخسائر بين صفوفهم ولتأكيد ادعاءاتهم بعدم سلمية المتظاهرين. وتوافد آلاف المتظاهرين من مختلف محافظات الوسط والجنوب إلى بغداد للمشاركة في المظاهرات الموحدة التي روج لها بكثرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام القليلة الماضية. غير أن الناشط أحمد محمد أبلغ «الشرق الأوسط» أن «المظاهرات لم تشهد الزخم المتوقع، خصوصاً بالنسبة لحضور الشباب من بقية المحافظات، نظراً لخشية الشباب من انقطاع الطرق وعدم تمكنهم من الوصول إلى بغداد». وأضاف أن «الأعداد في التحرير كبيرة وتقدر بالآلاف، لكن اللغط والتحذيرات التي ترددت في اليومين الأخيرين حول اقتحام (الخضراء)، ربما حالت دون مجيء المتظاهرين بكثافة من بقية المحافظات».

إلى ذلك، قال مصدر في شرطة العمارة، كبرى مدن محافظة ميسان، لوكالة الصحافة الفرنسية: «وقعت 4 انفجارات متزامنة؛ 3 بعبوات صوتية وأخرى ناسفة، رافقها إطلاق نار بعيد منتصف ليل الاثنين - الثلاثاء». وأضاف أن «العبوات الصوتية استهدفت مقرين وقيادياً في حركة (عصائب أهل الحق)، فيما استهدفت العبوة الناسفة قيادياً في (حركة أنصار الله)، من دون وقوع ضحايا»، فيما أشار مصدر طبي في مستشفى المدينة إلى إصابة 3 أشخاص بجروح. وينتمي الفصيلان المستهدفان إلى «قوات الحشد الشعبي» التي تضم فصائل مسلحة شيعية بعضها موالٍ لإيران.

وقال محلل أمني طلب عدم كشف هويته: «ما حدث ليل أمس في العمارة، رد فعل الشارع العراقي على مذابح السنك والخلاني (وسط بغداد)، وقبلها الناصرية وكربلاء والنجف». وتعرض مرأب يسيطر عليها محتجون منذ أسابيع عند جسر السنك القريب من ساحة التحرير، مساء الجمعة إلى هجوم مسلح أسفر عن مقتل 20 متظاهراً على الأقل و4 من عناصر الشرطة، وفقاً لمصادر أمنية وطبية. كما أدى الهجوم الذي أثار سخطاً واسعاً في البلاد، إلى إصابة نحو مائة شخص بجروح، وفقاً للمصادر.

ورجح المحلل أن يكون «هذا التصعيد للرد على الأحزاب التي تمثل إيران» ويتهمها الشارع بدعم الحكومة وعمليات القمع.

وفي مدينة كربلاء جنوب العاصمة، حاصر متظاهرون مقر مديرية الشرطة، وطالبوا قوات الأمن ومن لديه أدلة حيال اغتيال الناشط المدني فاهم الطائي، ومحاولة اغتيال ناشط ثانٍ، وتفجير سيارة ثالث، بالكشف عنها خلال 24 ساعة. واغتيل الطائي برصاص مجهولين في وقت متأخر الأحد، في مدينة كربلاء المقدسة لدى الشيعة، بينما كان في طريق العودة إلى منزله من المظاهرات المناهضة للحكومة.

وحاصر آخرون مبنى محكمة كربلاء، وطالبوا بالكشف عن ملفات فساد بحق مسؤولين محليين. وفي الديوانية، أغلق متظاهرون طريقاً تؤدي إلى مصفى نفط الشنافية، مطالبين بفرص عمل، وفقاً لمصدر في الشرطة.

بدورها، دعت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، أمس، جميع الطلبة إلى العودة لمقاعد الدراسة. وجاءت الدعوة على خلفية التعطيل المتواصل للدوام في غالبية الجامعات والمدارس في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب منذ نحو شهر تضامناً مع دعوات الإضراب التي وجهتها نقابة المعلمين في وقت سابق، والمناشدات المتواصلة التي تصدر عن ناشطين بهدف دعم الحراك. وقالت المفوضية في بيان: «ندعو الطلبة للعودة إلى مقاعد الدراسة ضماناً لحقهم في التعليم»، وشددت على ضرورة أن «تلتزم وزارة التربية ونقابة المعلمين ومديرياتها وإداراتها بتوفير كل مستلزمات العملية التربوية وبما يساهم في استئناف الدراسة في جميع محافظات العراق التزاماً بالاتفاقيات والصكوك الدولية التي وقع عليها العراق ابتداءً، وبالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية».

وحثت المفوضية العليا لحقوق الإنسان «أولياء الأمور ووجهاء العشائر على تشجيع أبنائهم لمواكبه الدراسة والتعاون مع الهيئات التعليمية والتربوية وإدارة المدارس لاستئناف الدراسة وضمان حق أبنائهم في التعليم». وطالبت القوات والأجهزة الأمنية بـ«توفير وضمان الحماية للمدارس والطلبة والمعلمين والكوادر التربوية وبما يضمن ديمومة العملية التربوية والتعليمية وحق التعليم المتكافئ لجميع العراقيين».

«المنطقة الخضراء» تشق المحتجين... وتحمي نفسها
متظاهرو بغداد حالوا دون اقتحامها من قبل رفاقهم القادمين من المحافظات

بغداد: حمزة مصطفى
مرتان في غضون شهرين تتسابق الطبقة السياسية العراقية مع الأجهزة الأمنية في رفع حالة الإنذار القصوى إلى الدرجة ج. المرة الأولى بعد تأجيل المظاهرات، التي انطلقت في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بعد أسبوعين من انطلاقها، إلى ما بعد زيارة الأربعين وبالذات إلى يوم 25 من شهر أكتوبر.

كان ذلك اليوم يلي يوم زيارة الأربعين في مدينة كربلاء والتي يحييها سنويا ملايين الشيعة من العراق والعالم الإسلامي. كانت المخاوف على أشدها من أن يتسبب حضور هذه الملايين بانفجار الأوضاع إما باستغلالها من قبل «تنظيم داعش» لأهداف تخريبية وإما من قبل أطراف في المظاهرات بهدف تفجير الأوضاع الهشة في البلاد. مر يوم الزيارة بانسيابية عالية وتنفس رئيس الوزراء عادل عبد المهدي (استقال فيما بعد) وباقي أبناء الطبقة السياسية من رئاسات ونواب وزعامات الصعداء بانتظار اليوم التالي. وحين حل 25 أكتوبر بدا أن الأمور لم تخرج عن السيطرة برغم الزيادة الملحوظة في أعداد المتظاهرين واتساع نطاق المظاهرات وتحولها إلى احتجاجات مفتوحة بل إلى انتفاضة جماهيرية وهناك من بدأ يصنفها على أنها ثورة. وفيما كان الارتباك سيد الموقف خلال الموجة الأولى من الاحتجاجات مثل منع التجوال وقطع الإنترنت، فإن الموجة الثانية من الاحتجاجات وإن كانت أكبر بكثير فإنها كانت أقل عنفا ولم يمنع فيها التجوال في بغداد حصرا مع حظره أحيانا في بعض المحافظات أو الأقضية في منطقتي الوسط والجنوب من البلاد. الإنترنت شهد ساعات قطع مبرمجة لأيام ومن ثم عاد إلى ما كان عليه. استقرت الأوضاع تماما في ساحة التحرير التي تعد أيقونة احتجاجات العراق. تحولت الحياة فيها إلى أشبه بإدارة ذاتية لا سيما بعد قيام المتظاهرين بتأهيل بناية «المطعم التركي» التي أطلقوا عليها «جبل أحد». وبعد أيام استولى المتظاهرون على ساحتي الخلاني والسنك في معارك كر وفر على جسري السنك والأحرار المحاذيين لجسر الجمهورية الذي شهد هو الآخر معارك كر وفر بين المتظاهرين وقوات مكافحة الشغب. هدف الجميع سواء في التحرير حيث جسر الجمهورية أو الخلاني حيث جسري السنك والأحرار هو «المنطقة الخضراء» التي عادت إلى التحصين ثانية بعد أن أمر عبد المهدي بفتحها عادا ذلك من بين أبرز إنجازات حكومته في عامها الأول الذي لم يستمر.

المرة الثانية التي تسابقت فيها الطبقة السياسية العراقية مع الأجهزة الأمنية في رفع درجة الإنذار إلى الدرجة (ج) كانت أمس الذي صادف ذكرى الانتصار العسكري على «تنظيم داعش». فقبل نحو أسبوعين بدأت جهات تروج لما أطلقت عليه «ركضة طويريج» وهي طقس شيعي في يوم الأربعين ينطلق من مدينة طويريج من أقضية كربلاء إلى قلب المدينة حيث تجري هناك ذكرى طقوس واقعة الطف الشهيرة التي انتهت بمقتل الإمام الحسين وأهل بيته. المقصود بـ«ركضة طويريج» الجديدة هي تنظيم حملة كبرى لمتظاهرين من مختلف محافظات الوسط والجنوب باتجاه ساحة التحرير وسط بغداد لتكوين زخم بشري هائل يهدف إلى العبور إلى المنطقة الخضراء حيث مقرات الحكومة والبرلمان وكبار المسؤولين وعدد من كبريات السفارات الأجنبية في المقدمة منها السفارة الأميركية. اقتحام الخضراء أو حتى العبور إلى جانب الكرخ من بغداد حيث السفارة الإيرانية كان من أولويات المظاهرات خلال الموجات الأولى من انطلاقتها قبل أن تنجح القوات الأمنية في توفير أسيجة حماية لها بالإضافة إلى استخدام قوة مفرطة أدت إلى قتل المئات وجرح عشرات الآلاف. القضية هنا لم تسجل ضد مجهول بل ضد تسميات مواربة مثل «المندس» أو «الجوكر» أو «الطرف الثالث». آخر بروفة لوقيعة عرف من خلالها المتظاهرون أن هناك نية مبيتة لإنهاء المظاهرات بالقوة هي «موقعة السنك» التي اختلفت الروايات بشأن من نفذها أو أعداد ضحاياها. الأهم بالنسبة للمظاهرات في ساحة التحرير أنها بدأت، من وجهة نظر منظميها الذين لم يتمكنوا حتى الآن من الكشف عن أسمائهم أو هوياتهم، تحقق الكثير من أهدافها لكن تريد المزيد. فالحكومة استقالت والبرلمان شرع قانون مفوضية الانتخابات على وفق مقاييس جديدة تماما وسوف يشرع غدا أو مطلع الأسبوع المقبل قانونا جديدا للانتخابات. السلطة القضائية وهيئة النزاهة اتخذت إجراءات مهمة لمحاربة الفساد وهو ما لم يمكن حصوله طوال الستة عشر عاما الماضية.

نجحت «الخضراء» في توفير سياج حماية لها أمس لكن ليس من قوات الأمن أو مكافحة الشغب أو الجيش المنتشر عند مداخلها الأربعة بل من قبل المتظاهرين أنفسهم ضد زملائهم من المتظاهرين القادمين من المحافظات. ولم يعد الخلاف على «الخضراء» بل على الهدف النهائي للاحتجاجات وهو محاسبة الطبقة السياسية عن طريق ما هو سلمي بالنسبة لمتظاهري ساحة التحرير ومحاسبة جهات وأطراف سياسية أو حزبية من قبل المتظاهرين الوافدين من محافظات أخرى وضعوا لمسيرتهم نحو بغداد هدفا ذا رمزية دينية وهو نصرة الإمام الحسين عبر «ركضة طويريج» لكن مسيرتهم لم تنجح في تحقيق الهدف الذي ينبغي أن يكون مشتركا لكل المنتفضين في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب.

«الخضراء» هي التي نجحت في تسييج نفسها بسياج جديد أقامه متظاهرون ضد متظاهرين.