التاريخ: كانون الأول ٢, ٢٠١٩
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
الجملي يدرس ملفات المرشحين للحكومة في تونس
مواجهات ليلية بين محتجين وقوات الأمن في مدينة جلمة
تونس: المنجي السعيداني
شرع الحبيب الجملي رئيس الحكومة التونسية المكلف، أمس، في دراسة ملفات الشخصيات السياسية المؤهلة لتولي حقائب وزارية في التشكيلة الحكومية المقبلة، مؤكداً أنه سيكرس جهده لرسم أولويات البرنامج الاقتصادي والاجتماعي للحكومة، في ظل تنامي التململ بين الفئات المهمشة المطالبة بالتنمية وخلق فرص التشغيل.

وقال الجملي في تصريح إعلامي، على هامش لقاءاته مع الأحزاب السياسية، إنه لن يقترح شخصيات ملاحقة في قضايا فساد في تشكيلة حكومته، وهو ما يعني ضمنياً إقصاء حزب «قلب تونس» الذي يتزعمه نبيل القروي المرشح الرئاسي السابق، من المشاركة في الائتلاف الحاكم.

ومن المرجح أن يعلن رئيس الحكومة المكلف عن أعضاء حكومته، قبل الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الحالي.

في السياق ذاته، تعمل حركة «النهضة» التي تتزعم، دستورياً، المشهد السياسي، على حسم خياراتها حول الأسماء المرشحة للحقائب الوزارية في اجتماع مجلس الشورى، وأشارت إلى أنها ستقدم ثلاثة مرشحين لكل حقيبة وزارية مقترحة. وكان عبد اللطيف المكي القيادي في «النهضة» قد أكد ضرورة حصول حزبه على إحدى وزارات السيادة الأربع (الداخلية والعدل والدفاع والخارجية)، وهو ما قد يجعل الحسم صعباً نتيجة طموح أكثر من طرف سياسي لتولي الحقائب الوزارية نفسها.

ورجَّحت مصادر على اطلاع بما يدور داخل مجلس شورى حركة «النهضة»، أن يناقش المجلس ملف استقالة زياد العذاري الأمين العام من كل المناصب القيادية للحركة، علاوة على احتمال بروز خلافات حادة حول الشخصية التي ستتولى منصب الأمين العام الجديد.

في غضون ذلك، شهدت مدينة جملة من ولاية (محافظة) سيدي بوزيد (وسط) موجة من الاحتجاجات الاجتماعية الليلية، إثر إضرام شاب تونسي النار في نفسه احتجاجاً على تردي وضعه الاجتماعي، في استعادة للمشاهد نفسها التي عرفتها المنطقة ذاتها قبل نحو تسع سنوات، عندما لجأ الشاب التونسي محمد البوعزيزي إلى الوسيلة نفسها للاحتجاج على ظروفه الاجتماعية الصعبة.

وأكدت قيادات نقابية تونسية، أن هذه الأحداث قد تكون مقدمة لاحتجاجات اجتماعية أكثر حدة خلال شهر يناير (كانون الثاني) المقبل، المعروف في تونس بارتفاع منسوب الاحتجاجات المرتبطة بالخيارات الاقتصادية والاجتماعية التي تترجمها ميزانية الدولة.

وأسفرت المواجهات عن إصابة عنصر أمني بجراح واختناق عدد من المتساكنين، إثر استنشاقهم الغاز المسيل للدموع، وتم إيقاف عدد من المحتجين، غير أن أجهزة الأمن أطلقت سراحهم نظراً لصغر سنهم.

وأكد شهود عيان من مدينة جلمة، أن احتجاجات ومواجهات بين الوحدات الأمنية وعدد من المحتجين اندلعت على خلفية حادثة انتحار الشاب التونسي عبد الوهاب الحبلاني، الذي لا يزيد عمره عن 25 سنة. وأفادوا بأن عدداً من المحتجين عمدوا الليلة قبل الماضية إلى غلق الطريق الرابطة بين جلمة وقفصة باستعمال الحجارة والإطارات المطاطية المشتعلة. وتطورت المواجهات إلى حد استعمال أعوان الأمن قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين.

ودعا أكثر من طرف سياسي إلى التعجيل بتأليف الحكومة، والابتعاد عن التناحر على المناصب والحقائب الوزارية. وفي هذا السياق أشار عادل العلمي رئيس «حزب الزيتونة» (إسلامي) إلى أن الوضع الاجتماعي في تونس ينذر بالانفلات، وعلى الطبقة السياسية بأسرها أن تنتبه إلى هذا الأمر، على حد تعبيره.

في السياق ذاته، طالبت «حركة الشعب» (حزب قومي) بضرورة التعاطي الإيجابي مع الحالات الاجتماعية التي تستحق المساعدة والتأطير، للتمتع بالعيش الكريم، ومن ثم اجتناب حالات الانتحار التي ما انفكت تتنامى. ونددت قيادات الحركة المرشحة للمشاركة في الائتلاف الحكومي المقبل، بـ«أسلوب التعاطي الأمني مع الشباب الغاضب»، ودعت الجميع إلى النأي عن كل مكروه، ونبهت المحتجين إلى عدم التصعيد مع أعوان الأمن.

تصاعد الخلاف بين «النهضة» و«التيار» حول وزارة الداخلية
مراقبون يرون أن الحركة تخشى إعادة فتح ملفات أمنية وسياسية تدينها

الأحد 01 ديسمبر 2019 
تونس: المنجي السعيداني

هدد حزب التيار الديمقراطي (يسار اجتماعي)، الذي يتزعمه محمد عبو، بمغادرة المشاورات التي يجريها الحبيب الجملي، رئيس الحكومة التونسية المكلف، والانضمام إلى صفوف المعارضة بسبب خلافه الحاد مع حركة النهضة، التي يتزعمها راشد الغنوشي، حول حقيبة وزارة الداخلية، وذلك قبل أسبوع واحد فقط من اختيار الجملي تركيبة الحكومة المقبلة، بعد أكثر من 40 لقاء عقدها مع قادة الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية، وشخصيات من مختلف التخصصات والمشارب.

وتمسك المكتب السياسي لحزب «التيار» بكل مطالبه، المتمثّلة بشكل أساسي في الحصول على ثلاث حقائب وزارية (وزارات العدل والداخلية والإصلاح الإداري) «سعيا منه لإنهاء حالة التسيب والفساد السياسي وخدمة مصالح الأطراف النافذة»، بحسب تعبير بعض قادته.

وفيما أوضح الحزب أن تمسكه بوزارة الداخلية «يأتي في إطار السعي لمكافحة أشكال التلاعب بالأمن والتعيينات الحزبية، وحماية أطراف فاسدة»، لم تستبعد بعض قياداته، خاصة محمد عبو ومحمد الحامدي، مغادرة الحزب للمفاوضات إذا لم تتم الاستجابة لطلباته، بحجة عدم ثقته في أطراف سياسية أخرى قادرة على مواصلة مكافحة الفساد.

في هذا السياق، اعتبر مراقبون أن حركة النهضة تخشى في حال سيطرة أحد الأحزاب اليسارية على وزارة الداخلية من إعادة فتح ملفات أمنية وسياسية شائكة، وفي مقدمتها ملف الأمن الموازي، وتسفير الشباب التونسي إلى بؤر التوتر، علاوة على ملف الاغتيالات السياسية، التي جرى اتهام النهضة بالوقوف وراءها، وهي اتهامات نفتها في أكثر من مناسبة.

وكان حزب التيار قد هدد بمغادرة المشاورات، التي يقودها الحبيب الجملي قبل نحو أسبوعين، والعمل مع أطراف سياسية اصطفت في خندق المعارضة وأبدت حماسها لمحاربة ظاهرة الفساد.

في السياق ذاته، أعلمت حركة النهضة حزب «التيار الديمقراطي» بأنها لم تقبل طلبه بخصوص تقلد وزارة الداخلية، وهو ما رفضه «التيار» بشدة، مما يعني حسب عدد من المراقبين خلط الأوراق السياسية قبل أيام من تشكيل الحكومة المقبلة، خاصة بعد استقالة زياد العذاري، الأمين العام لحركة النهضة، احتجاجا على طريقة إدارة الحوار وجلسات التفاوض حول تأليف الحكومة الجديدة.

وبخصوص الأطراف التي قد تضمن مشاركتها في الحكومة المقبلة، فإن حركة النهضة (54 مقعدا برلمانيا) ستتزعم بطبيعة الحال الائتلاف الحاكم، لكن من المنتظر أن يقدم «ائتلاف الكرامة» (21 مقعدا)، بزعامة سيف الدين مخلوف، دعمه للحكومة بغض النظر عن المشاركة من عدمها، أما حزب التيار الديمقراطي (22 مقعدا) فمن الأرجح أن يكون موجودا في التشكيلة الحكومية المقبلة، لكن بعد التدقيق في بعض التفاصيل والحسم في مطالبه، فيما حركة الشعب (15 مقعدا) لم تغلق حتى الآن باب الحوار بشكل نهائي، رغم تأكيدها عدم المشاركة في الائتلاف الحاكم. وإلى أن تتضح معالم المشهد السياسي الجديد، فإن حركة النهضة تعول على «كتلة الإصلاح الوطني»، التي يبدو من خلال تصريحات قياداتها أنها تتجه نحو المشاركة في الحكومة المقبلة. أما بالنسبة لحركة «تحيا تونس» (14 مقعدا برلمانيا) فإنها ما تزال في وضع غامض لأنها لم تحسم أمرها بعد.

لكن رغم كل هذه الضبابية، فقد أكد عبد اللطيف المكي، قيادي حركة النهضة، أن «ملامح تشكيلة الحكومة قد توضحت بنسبة 80 في المائة، ولم يتبق سوى القليل، والإعلان عنها بصفة رسمية». مبرزا أن رئيس الحكومة المكلف «مطالب أن يتفاعل مع حركة النهضة عندما تلزم نفسها بشيء، وأيضا مع الأحزاب التي تضمن له أكبر سند شعبي».

ولتجاوز هذه الخلافات، يعقد مجلس شورى حركة النهضة اليوم (الأحد) اجتماعا يخصصه لمتابعة ملف تشكيل الحكومة، ونتائج المشاورات والأسماء التي اقترحها رئيس الحركة راشد الغنوشي على رئيس الحكومة المكلف لتولي حقائب وزارية. وبهذا الخصوص أكد عبد الحميد الجلاصي، قيادي حزب النهضة أن شورى الحركة «سينظر في ثلاثة ملفات أساسية هي: متابعة سير المفاوضات المتعلقة بتشكيل الحكومة، والتوجيهات الأخيرة حول المواقع التي ترغب فيها الحركة، والأسماء المقترحة التي ساعد المكتب التنفيذي في اختيارها، أما الملف الثاني فيتعلق بالقضايا الوطنية وكيفية تجاوز المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، فيما يبحث الملف الثالث ما ورد في مشروعي قانون المالية التكميلي لسنة 2019 ومشروع قانون المالية للسنة المقبلة».