التاريخ: تشرين الثاني ١٧, ٢٠١٩
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
إنقاذ اقتصاد لبنان يبدأ بسد الثقوب السود
شل طرح الصفدي يعيد أزمة الحكومة إلى نقطة الصفر
بيروت: علي زين الدين
تحول تاريخ 17 أكتوبر (تشرين الأول) إلى محطة فاصلة في تاريخ لبنان الحديث. ويتطلع اللبنانيون لأن تؤسس الدينامية الجديدة غير المسبوقة، في حجمها وتمددها وعبورها للمحظورات الطائفية والفئوية السائدة، لقيام شراكة مجتمعية حقيقية متكاملة في صناعة القرار وإدارة الدولة، وأن تتشارك في صياغة خطط إنقاذية متدرجة، بعدما دخلت البلاد في سلسلة انهيارات جدية، يقودها الوضع المالي المترهل، وتتمدد إلى الاقتصاد والنقد وهيكليات المؤسسات العامة المتخمة العابقة بالتسيب والمحسوبية والفساد، التي ترمي بأثقالها على القطاع الخاص الذي يستنفد آخر مقومات الصمود بعد نحو عقد كامل من الانكماش المكلف والاستنزاف المتواصل للاحتياطات.

وقد يبدو الإصلاح البنيوي سياسياً واقتصادياً مهمة شبه مستحيلة، في ظل تراكمات المشكلات وتفاقمها على مدى ثلاثة عقود بعد الحرب الأهلية المدمرة، لكن أهل الرأي والاختصاص يجمعون على أن البلاد ليست مفلسة، بل منهوبة. فهي تتعرض لخسارة نحو 10 مليارات دولار سنوياً بسبب الفساد والتهريب والتهرب الضريبي. وما دامت الاحتجاجات والتقارير الدولية قد كشفت مستوى القعر الذي بلغه الاقتصاد الوطني، والخفايا العميقة للتعثر، فلا أعذار تمنع توصيف المعالجات الصائبة والموضوعية للخروج من ظلمة نفق الإدارة المترهلة إلى ضوء بناء الثقة المتجددة.

تنطلق المرحلة الجديدة من البعد المالي، حسب المحللين والاختصاصيين الذين يعول على تفعيل مساهمتهم في الإنقاذ المنشود، ومن عدم إنكار مخاطر الثقوب السود في أرضية مهترئة وتصنيف سيادي متدنٍ عند الدرجة «سي»، جراء ضغط دخول النمو في أداء سلبي مرتقب هذا العام لا يجمله قربه من الصفر، بينما يقارب الدين العام المعلن 87 مليار دولار، مع عزل مستحقات وديون لصالح مؤسسات عامة وخاصة قد تدفع بالرقم صعوداً إلى 95 مليار دولار، أي ما يماثل 160 في المائة من الناتج المحلي، وربما أكثر.

ويقارب العجز الحقيقي في الموازنة 10 في المائة، رغم المعونات الطارئة التي يقدمها البنك المركزي في سداد استحقاق سندات بالليرة وبالدولار، وفوائد لسندات قائمة بالعملتين. أيضاً العجز قياسي في ميزان المدفوعات، ويتجاوز رقمياً 5 مليارات دولار، رغم الضم والاحتساب النظري لجزء من محفظة البنك المركزي من سندات «اليوروبوندز» لهذا العام، التي تناهز 3 مليارات دولار. ومنشأ العجز اختلال كبير في الميزان التجاري، وصل إلى 17 مليار دولار، مقابل ضمور حاد في تدفقات الرساميل والودائع الخارجية، وتقلص جزئي في تحويلات اللبنانيين العاملين في الخارج والمغتربين، من نحو 8 إلى 7 مليارات دولار سنوياً.

ومن الملح، وفقاً للخبراء، امتلاك شجاعة إعادة تقييم جدوى الاستمرار في سياسة الاستقرار النقدي، ومدى نجاعتها، بتكلفتها العالية في سوق الفوائد، كمحفز للنمو، في ظل ضمور الثقة وانكماش الاقتصاد. كذلك، تضاؤل دورها في حماية الاستقرار الاجتماعي، في ظل سيطرة التسعير الموازي للدولار على التعاملات وأسعار الاستهلاك، حيث زاد الغلاء فعلياً بنسب تراوح بين 15 و30 في المائة، وتقلصت فرص العمل في كل قطاعات الإنتاج، مخلفة زيادة مزدوجة في نسبة البطالة الفعلية فوق معدل 35 في المائة، معززة باقتطاعات من الأجور والتقديمات في أغلب المؤسسات والشركات.

وربما تدنت الاحتياطات السائلة في البنك المركزي إلى نحو 30 مليار دولار، وهي مرشحة لمزيد، في ظل تحميل المركزي لجزء من مصاريف الدولة وديونها، وفي ضوء التزامه (المركزي) بتأمين التغطية بالعملات الصعبة لمستوردات السلع الأساسية، من قمح ومحروقات وأدوية وسواها من سلع ضرورية. وهي تغطية ستكلف تخصيص نحو 6 مليارات دولار سنوياً، بعدما كاد النقص فيها يحولها إلى أزمات قائمة بذاتها، بينما أصبح نحو 14 مليار دولار من المستوردات خاضعاً لتقلبات أسواق الصرف الموازية، التي زادت بين 20 و30 في المائة عن السعر المعتمد في سوق القطع.

وتبرز في السياق مشكلة التعرُّض الكبير للديون السياديّة من قِبَل القطاع المصرفي ككلّ. فحجم الاستثمار في الأدوات الماليّة الحكوميّة والتوظيفات لدى مصرف لبنان تشكِّل نحو 68.5 في المائة من إجمالي موجودات المصارف، أي ما يوازي أكثر من 8 أضعاف رأسمالها الأساسي، البالغ نحو 19 مليار دولار، بينما تزيد وتيرة تقلص قدرات الجهاز المصرفي على استقطاب رساميل وودائع خارجية جديدة، وينكمش التسليف لقطاعات الإنتاج بنسب متدرجة صعوداً، فاقت 7 في المائة، إضافة إلى شح السيولة بالعملات، مقابل تمركز نحو 75 في المائة من الودائع المصرفية بالدولار، من إجمالي يناهز 170 مليار دولار.

الخطوة الأولى الأكثر إلحاحاً، وفقاً لقناعة الخبراء وانسجاماً مع توجهات المؤسسات المالية الدولية المعول عليها في مد يد العون، هي تشكيل حكومة سريعاً تنسجم مع تطلعات جميع اللبنانيين. ومن ثم، التركيز على عوامل الاستقرار والنمو من خلال اتخاذ إجراءات محدّدة زمنياً لمعالجة أي اختلالات خارجية، وتحسين فرص النمو من خلال الاستثمارات وخلق فرص العمل، والتصدي للتفاوتات الاجتماعية، ومكافحة الفساد، وضمان حكومة شفافة خاضعة للمساءلة. وفي التجربة، يحوز القطاع المالي المحلي خبرات مشهودة اكتسبها في محطات مفصلية سابقة في إدارة التعامل، مع ظروف طارئة ومفاجئة.

شل طرح الصفدي يعيد أزمة الحكومة إلى نقطة الصفر
مصادر وزارية تشير إلى البحث مجدداً في تكليف الحريري

بيروت: كارولين عاكوم
أعادت الخلافات السياسية والمواقف المتباينة حول تكليف الوزير السابق محمد الصفدي رئاسة الحكومة، المباحثات بهذا الشأن إلى نقطة الصفر، لتعود الاتصالات وتنطلق من العمل على أن يعاد تكليف رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري لتشكيل الحكومة وهو المتمسك حتى الساعة بشرط «حكومة التكنوقراط».

وقالت مصادر وزارية مقربة من رئاسة الجمهورية لـ«الشرق الأوسط» إن طرح تكليف الصفدي لم يجد طريقه إلى التنفيذ والاتجاه اليوم عاد لأن يبقى الحريري رئيسا للحكومة حيث يتم البحث في الصيغة التي قد يعود وفقها.
وبينما تؤكد مصادر الحريري تمسكه بشرط «حكومة تكنوقراط» لقبوله التكليف، لفتت المصادر الوزارية إلى أنه يتم العمل على التباحث مع الحريري حول الصيغة التي طرحت سابقا وهي أن تكون الوزارات السيادية الأربع من السياسيين، أي الدفاع والداخلية والخارجية والمالية.

وفي هذا الإطار، قال النائب السابق والقيادي في تيار المستقبل مصطفى علوش في حديث تلفزيوني إن «رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري أصر خلال لقائه مع ممثلي (حزب الله) وحركة أمل يوم الخميس على حكومة تكنوقراط»،

وأضاف: «الحريري قال إن هناك جملة من الأسماء لتأليف الحكومة واذهبوا للاستشارات النيابية». وشدد علوش على أنه «حتى هذه اللحظة سعد الحريري مصر على حكومة تكنوقراط من دون سياسيين».

وكان خيار الصفدي قد اصطدم برفض رؤساء الحكومة السابقين، تمام سلام ونجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة الذي نفوا أول من أمس المعلومات التي أشارت إلى موافقتهم عليه، إضافة إلى ما رافقها من تسريبات وسجالات إعلامية بين مصادر الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل الذي أعلن عن الاتفاق على الصفدي وأنه سيتم تحديد موعد للاستشارات النيابية، وهو ما رأت فيه مصادر الحريري خرقا للدستور وتعديا على صلاحيات رئيس الجمهورية والرئيس المكلف.

وفي هذا الإطار، رأى السنيورة، في حديث تلفزيوني أنه «كان من المفترض ومنذ استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري، أن يبادر رئيس الجمهورية بالدعوة إلى استشارات نيابية ملزمة. لكن ما جرى كان التفافا على مسألة الاستشارات النيابية الملزمة وخلافا للدستور اللبناني، وذلك بإجراء مشاورات جانبية، وفي ذلك افتيات على صلاحيات الرئيس المكلف الذي يفترض أن يصار إلى تكليفه بنتيجة تلك الاستشارات الملزمة ويقوم هو بإجراء المشاورات مع النواب».

وقال إن «رؤساء الحكومات السابقين عبروا عن موقفهم الداعم لتولي الرئيس سعد الحريري المسؤولية في ظل هذه الظروف الدقيقة، وهذا ليس تقليلا من شأن أي شخص آخر يمكن ترشيحه، بل هو بالاستناد إلى الرمزية الوطنية التي يتمتع بها الرئيس الحريري».

وإذ اعتبر أنه «ليس لدينا الوقت لكي نضيعه في التشدد في المواقف التي لا تؤدي إلى نتيجة إيجابية»، قال: «يفترض بالجميع أن يأخذ في الاعتبار تطور الأمور في ضوء هذه الحركة النهضوية والإنقاذية التي يقوم بها شابات وشبان لبنان، والتي أحدثت تغييرا كبيرا في البلد».

في المقابل، أمل وزير الشباب والرياضة في حكومة تصريف الأعمال من «حزب الله» محمد فنيش أن «تأتي الساعات والأيام بحلول لتشكيل الحكومة التي عليها أن تمارس مسؤولياتها وتأخذ في الاعتبار كل ما طرح من أولويات على صعيد الوضع الاقتصادي والمالي ومعالجة الهدر ومكافحة الفساد وغير ذلك من المطالب».

ودعا من وصفهم بـ«المراهنين من أصحاب المشاريع السياسية على هذا الحراك، وكذلك أصحاب الحراك المخلصين، إضافة إلى كل المعنيين في المعادلة السياسية، إلى أن يبادروا إلى الإسراع في تشكيل حكومة من دون الخضوع لإملاءات خارجية، والالتفات إلى طبيعة عمل مؤسساتنا والآليات الدستورية، واحترام ما سمعناه من مطالبات محقة».

وقال: «كما هو مرفوض من السلطة أن تمارس القمع وتحمي حق التظاهر، المطلوب ممن هم في الشارع والحراك أو خلف الحراك، أن يحترموا حق الناس في التنقل وممارسة العمل والذهاب لتحصيل قوت يومهم، وألا يلحقوا مزيدا من الأضرار والأذى بهؤلاء الناس، إذ لا يحق لهم أن يمارسوا هذه الديكتاتورية».