التاريخ: تشرين الأول ٧, ٢٠١٩
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
أغنياء الحرب في سوريا تحت الضوء... هل جاء وقت الحساب؟
موناليزا فريحة 
لكل حرب أغنياؤها، وليست الحرب السورية استثناء. منتفعون قدامى زادوا ثراء ووجوه جديدة راكمت الثروات بالاستثمار في اقتصاد الحرب وما بقي من هياكل مترنحة للدولة. وصار هؤلاء محط الأنظار أخيراً بعدما باتت خزينة النظام السوري شبه فارغة من القطع الأجنبي، وشارف الاقتصاد الانهيار.

منذ شهر آب، توالت الشائعات عن رؤوس كبيرة تتهاوى وحجز أصول أغنياء تضخمت ثرواتهم. وفي غياب تأكيد رسمي، تفاوتت التفسيرات لهذه الشائعات بين أنها محاولات من النظام لتبييض صورته أمام الدول الداعمة له، وكونها إنذارات مسبقة. وعزز الاعتقاد الأخير اعلان رئيس الوزراء السوري عماد خميس عن حملة لمكافحة الفساد، وقوله: "ستتفاجأون خلال الأسابيع المقبلة بمحاسبة أسماء كبيرة بتهم الفساد" و"ماحدا ع راسو غيمة".

كلام خميس كان في آب الماضي. ومذذاك، تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي صوراً قالت إنها لقرار "حجز احتياطي لأموال" أصدره النظام في حق العشرات من مسؤوليه ورجال الأعمال العاملين في مناطق سيطرته.

وكانت تقارير سورية نسبت إلى خميس أيضاً مطالبته رجال أعمال وتجاراً بأن ينقلوا الى المصارف السورية أموالهم المودعة بالدولار المصارف اللبنانية. ونقل عنه في حزيران الماضي أنه لو نقل كل رجل أعمال 20 مليون دولار إلى أحد المصارف الحكومية، ستحل أكثر المشاكل الاقتصادية للنظام.

لا تعكس المؤشرات الاقتصادية لسوريا أن تلك التحذيرات المبطنة حيناً والمباشرة حيناً آخر أثمرت. وبذل جهد أخير معلن في 28 آب عندما عقد حاكم المصرف المركزي حازم قرفول اجتماعاً مغلقاً في قاعة أمية بفندق شيراتون - دمشق" مع نحو 70 رجل أعمال من اتحادي غرف الصناعة والتجارة لمناقشة "مبادرة قطاع الأعمال السوري لدعم الليرة السورية". وبموجب المبادرة ينبغي إيداع مبالغ نقدية بالدولار حساب "مبادرة قطاع الأعمال" في المصرف التجاري السوري، على أن يسحب ما أودع بالليرة السورية وفق سعر وسطي لصرف فترة الإيداع، كما صحيفة "الوطن" السورية.

ومع أن الاجتماع كان مغلقاً، نشرت صور وفيديوات للمستثمرين ورجال الأعمال الحاضرين.

ولم ينشر جدول أعمال الاجتماع ولا نتائجه، في ما عدا بعض التصريحات لبعض المشاركين، بينهم سامر فوز الذي قال إنه سيودع حساب المبادرة عشرة ملايين، ومحمد حمشو الذي قال إنه "ساهم أصلاً في دعم الليرة وأنه سيواصل القيام بذلك".

وأشارت تسريبات إلى أن فوز اقترح أن يساهم كل رجل أعمال بمبلغ يراوح بين خمسة ملايين وعشرة ملايين دولار تودع الحساب الرسمي، وتوقع أن تتراجع قيمة الدولار إلى 500 ليرة سورية من قيمته الحالية 635 ليرة سورية.

وحضر الاجتماع بعض من أقوى رجال الأعمال المحسوبين على النظام، بمن فيهم حمشو وفوز والأخوان حسام وبراء قاطرجي ووسيم القطان. وأفادت مواقع سورية أن قرفول افتتح الاجتماع بتلاوة قائمة بممتلكات بعض رجال الأعمال الحاضرين، ومقارنة بين حجم أموالهم، قبل عام 2011 وبعده.

وحظي الاجتماع باهتمام اعلامي واسع، وكان مفترضاً أن يوفر دعماً لليرة السورية، لكن موقع "سيريا ريبورت" الذي يورد معلومات وتقارير وتحاليل اقتصادية عن سوريا رصد تأثيراً عكسياً له، وقال إنه خلّف انطباعاً عن سوء إدارة المصرف المركزي للأزمة.

وأوحى التزام فوز دفع عشرة ملايين دولار، مع أنه أحد أغنى رجال الأعمال السوريين، في الاجتماع، انطباعاً بأن المبادرة، إن كانت جدية، عاجزة حتى الآن عن جمع المبالغ المطلوبة والمقدرة بمئات الملايين من الدولارات لتلبية الطلب على الورقة الخطرة في السوق.

وكان بعض التقارير شبّه ما يحصل في سوريا بحملة مكافحة الفساد في السعودية والتي اتخذت فندق "ريتز كارلتون" مكاناً لاحتجاز الموقوفين بتهم الفساد وانتهت بتسويات قدرت قيمتها بنحو 400 مليار ريال.

لكن ناشر "سيريا ريبورت" جهاد يازجي حذر من أن التشبيه مبالغ فيه، إن لم يكن خاطئاً. ففيما تسعى الحكومة السورية إلى جمع الحجم نفسه من الأموال من مستثمرين محليين، من الواضح أنها لم تجد حتى الآن وسيلة للقيام بذلك. وفي رأيه أن الضغوط التي تمارس لإرغام رجال الأعمال على دفع أي مبالغ، ضعيفة، وإن تكن كافية لإثارة استياء هؤلاء، معتبراً أن ما يحصل محاولة أولية من النظام السوري الذي يعاني أزمة اقتصادية خانقة، لإنقاذ نفسه.

وليس واضحاً بعد إلى اي مدى سيذهب النظام في تشديد الضغوط على رجال الأعمال الجدد، خصوصاً أن لهؤلاء فضلاً كبيراً في صموده من طريق مساهمتهم في استمرار التجارة وتدفق النفط وتمويل الميليشيات الموالية له وقت تحولت البلاد خراباً حولهم.

أغنياء جدد

وبينما فشل اجتماع "الكارلتون" في حشد الدعم للعملة الوطنية، ركز الضوء على هؤلاء الأغنياء الجدد في سوريا. ففي الصورة المتداولة، كان ثلاثة من رجال الأعمال الأربعة غير معروفين قبل نحو سنتين. وحده محمد حمشو شكل حلقة الوصل مع مجتمع أعمال ما قبل عام 2011.

وفرض حمشو نفسه مستثمراً قوياً. وقد رأس مطلع السنة البعثة السورية التي زارت الامارات، وكان حاضراً في استقبال بعثة إماراتية قبل بضعة أسابيع زارت معرض دمشق الدولي، كما رافق السفير الايراني في المعرض. وفي كل مرة كان وسيم القطان الذي يرأس غرفة تجارة ريف دمشق، إلى جانبه، كأنه ظله. وحضر الاجتماع أيضاً مستثمرون تقليديون أمثال رئيس غرف التجارة السورية غسان القلعة، والعضو في غرفة تجارة دمشق رضوان الدردري، لكن هؤلاء بدوا مهمشين مقارنة بالنافذين الجدد.

واستطاع حمشو الذي يملك شركة فولاذ بناء ثروته من خلال علاقته مع النظام، استناداً إلى المسؤول في الخزانة الأميركية عام 2011 ديفيد كوهين.

وجاء في تقرير لصحيفة "الفايننشال تايمس" نشر الأسبوع الماضي أن حمشو أرخى بثقله خلف بشار وماهر الاسد والمسؤولين عن العنف ووجد فرصة لاستغلال الدمار.

ويعتبر سامر فوز الذي حضر اجتماع "الشيراتون" أبرز الأغنياء الجدد بلا منازع. وعنه قالت الصحيفة البريطانية، إنه من الطبقة الجديدة التي استغلت غياب المنافسة وزيادة الطلب بعد انهيار الإنتاج وزيادة التهريب من الخارج. وفي بداية الحرب كانت ميزة هذا الشاب الأربعيني، المتحدر من الساحل، جواز سفر تركياً وصلات مع دولة الإمارات العربية المتحدة وشركة للشحن البحري أنشأتها عائلته عام 1988 كانت متخصصة في نقل المواد الغذائية. واستطاع فوز لعب أوراقه لمصلحة النظام الذي وجد نفسه محاصراً بالعقوبات الدولية. وهو يدير مجموعة "أمان" القابضة التي تصف نفسها بأنها "أكبر شركة تبادل تجاري في البلد ولديها شبكة إمدادات استراتيجية في دول عدة"، وتشمل شركة تكرير السكر ومصنع طحين وشركة لتجميع السيارات ومصنعاً للفولاذ وشركة لصناعة الكوابل والأدوية. كما يملك شركة إعلامية في لبنان وأصولاً وممتلكات في تركيا ودول أخرى.

وقد بقي طويلة بمنأى عن العقوبات الغربية التي طاولت أقطاباً سوريين آخرين، قبل أن ينضم إليهم هذه السنة، عندما فرض عليه الاتحاد الاوروبي عقوبات لدى فوزه بعطاء "مشروع ماروتا سيتي" الفاخر حول دمشق بقيمة 312 مليون دولار، لأنه سيقام على أرض مصادرة. وفي حزيران، أعلنت الولايات المتحدة عقوبات شملته وأقاربه وتجارته.

ويبدو أن أهم العقود المعقدة التي نفذها فوز في سوريا كانت مع شريكيه المفترضين، حسام وبراء القاطرجي، من حلب اللذين برزا كرابحين في الحرب الأهلية. ولتأمين تجارتهما عبر خطوط العدو، اضطر الأخوان، وأحدهما (حسام) عضو في مجلس الشعب، إلى التعاون مع جهات خطرة، ويعتقد أنهما توليا نقل النفط الذي كان يضخه تنظيم "داعش" بين 2014 و2016 إلى التجار السوريين والعراقيين. واستناداً إلى وزارة الخزانة الاميركية، يملك براء القاطرجي شركة في لبنان تبيع النفط الإيراني لسوريا.

وكان المتمول السوري الأشهر رامي مخلوف، ابن خال الرئيس السوري، الغائب الأبرز عن اجتماع "الشيراتون".

وبعدما كثرت خلال الصيف التقارير عن اجباره على التخلي عن جزء من امبراطوريته، يروي جهاد يازجي أن الكلام المتداول بقوة في الشام مفاده أن شركة الاتصالات "سيرياتيل"، أهم الأصول التي يملكها، باتت خاضعة لادارة القصر الرئاسي. ويعلق يازجي بأنه إذا كان ذلك صحيحاً، فسوف يكون نهاية للعلاقة الخاصة بينه وبين الرئيس.