التاريخ: أيلول ١٢, ٢٠١٩
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
«برلمان بوتفليقة» يدعم خطة الجيش تنظيم الرئاسيات نهاية العام الحالي
الجزائر: بوعلام غمراسة
أظهرت الأغلبية البرلمانية في الجزائر، الموالية للجيش، تسرعاً كبيراً في مناقشة مشروعين قانونيين، والمصادقة عليهما لتجهيزهما قبل الأحد المقبل، وهو التاريخ الذي حدده قائد الجيش الجنرال قايد صالح لاستدعاء الهيئة الانتخابية، تحسباً للرئاسيات المقبلة.

وأثنى نواب الأغلبية أمس على «المجاهد صالح»، بشكل أعاد إلى الأذهان مشاهد «تمجيد» الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة من طرف النواب أنفسهم.

وعرض وزير العدل بلقاسم زغماتي مشروع تعديل قانون الانتخابات، ومشروع قانون استحداث «سلطة وطنية لتنظيم الانتخابات»، أمس، بـ«المجلس الشعبي الوطني» (الغرفة البرلمانية الأولى)، في غياب نواب المعارضة، لكن بحضور الأغلبية التي دعمت سياسات الرئيس السابق، وتدعم حالياً كل الخطوات التي يقوم بها الجيش على صعيد ترتيب شؤون السلطة.

وكشف وزير العدل أن مشروع قانون السلطة، الذي عرضه مجلس الوزراء على البرلمان، يستبعد المجلس الدستوري وموظفي الإدارة والولاة من تنظيم والإشراف ومراقبة الانتخابات. وقال خلال الجلسة العلنية لمناقشة مشروع القانون التمهيدي الخاص بالسّلطة المستقلة للانتخابات بالبرلمان، إن السلطة الوطنية المستقلة، التي يتم العمل على استحداثها في الجزائر، ستحل محل المجلس الدستوري، الذي كان يملك كامل الصلاحيات في تسيير الرئاسيات، إلى جانب وزارة الداخلية. مؤكداً أن قرارات السلطة الوطنية مستقلة، ويتعرّض من يعارضها لعقوبات صارمة تصل للحبس. كما أشار إلى أن «السلطات العمومية ملزمة بتقديم كل أنواع الدعم والمساندة التي تطلبها السلطة المستقلة، لتمكينها من القيام بمهامها ومسؤولياتها»، لافتاً إلى أن مشروع القانون يقترح أن يكون «إيداع التصريح بالترشح في ظرف 40 يوماً من استدعاء الهيئة الانتخابية، بدل 45 يوماً»، وأنه «تم إضافة الشّهادة الجامعية، أو ما يعادلها، للراغبين في الترشح للرئاسيات، وأن يودع التصريح بالترشح في الانتخابات الرّئاسية من قبل المعني شخصياً أمام السلطة بدل المجلس الدستوري».

وتتمثل صلاحيات «سلطة الانتخابات»، حسب النص القانوني الذي يستحدثها، في «تجسيد وتعميق الديمقراطية الدستورية، وترقية النظام الانتخابي المؤدي إلى التداول السلمي والديمقراطي على السلطة، وتولّيها تحضير الانتخابات وتنظيمها وإدارتها، والإشراف عليها ورقابتها». كما عهد إليها «ضمان شفافية ونزاهة الاقتراع خلال مراحل تحضيره وإجرائه».

واللافت أن المراجعة الدستورية التي تمت في 2016 جاءت بكيان سمي «هيئة الإشراف على الانتخابات»، وهي تتكون من 400 عضو. وقد بدأت عملها بمناسبة انتخابات البرلمان في 2017، غير أن الرئيس السابق حلّها قبيل استقالته في 2 أبريل (نيسان) الماضي.

ويقول خبراء في القانون إن إطلاق كيان إداري جديد لتسيير العملية الانتخابية، غير جائز قانوناً ما لم يتم تعديل الدستور لإلغاء «الهيئة». وفي هذا السياق، كتب أستاذ العلوم السياسية محمد هناد: «إن السلطة المستقلة للانتخابات ستجمع 3 هيئات في واحدة؛ الإشراف على العملية الانتخابية؛ والقيام مقام الإدارة في هذه العملية؛ والعمل كمجلس دستوري، ما دامت هي التي تستقبل ملفات المترشحين وتدرسها. ألا يتعدى ذلك طاقتها؟ ثم إنه من المفروض ألا يتم تقديم أي مشروع قانون أمام البرلمان أثناء الرئاسة بالنيابة (الرئيس الانتقالي). فكيف يمكن، إذاً، مواصلة التذرع بالدستور؟!». في إشارة إلى الحرص الذي تبديه قيادة الجيش على عدم البحث عن أي حل لأزمة الحكم خارج الدستور، بينما نصوص القوانين الجديدة تتعارض، حسبه، مع الدستور وتعد خروجاً عنه.

ويتضمن تعديل قانون الانتخابات عناصر بسيطة، لا تمس بجوهره، أهمها تخفيض سن الراغب في الترشح للرئاسة من 40 إلى 30 عاماً، وتخفيض عدد التواقيع الخاصة بالترشح من 60 ألف إلى 50 ألف توقيع.

وبات واضحاً أن الحكومة، صاحبة مشروع القانونين، تسعى للمصادقة عليهما دون مناقشتهما، ولا إعطاء فرصة لـ«اللجنة القانونية» البرلمانية لإبداء أي رأي فيهما، بعكس ما جرى مع كل مشروعات القوانين، التي عرضت على البرلمان في وقت سابق. وما يؤكد هذا التوجه، حسب مراقبين، أن البرلمان، الخاضع كلياً للجيش حالياً، سينظم جلسة لغرفته الثانية «مجلس الأمة»، غداً (الجمعة)، وهو يوم عطلة، للمصادقة على المشروعين.

والثابت أن «السلطة الفعلية»، كما تسميها الصحافة ويقصد بها الجيش، تضغط من أجل أن تجهز كل الترتيبات الخاصة بموعد تم تحديده مسبقاً، وهو تنظيم رئاسية قبل نهاية العام. وقد أعلن رئيس أركان الجيش في الثاني من الشهر الحالي، ومن ثكنة عسكرية جنوب البلاد، أنه «من الأجدر أن يتم استدعاء الهيئة الناخبة بتاريخ 15 سبتمبر (أيلول) الحالي، على أن يجرى الاستحقاق الرئاسي في الآجال المحددة قانوناً، وهي آجال معقولة ومقبولة تعكس مطلباً شعبياً ملحاً». علماً بأن «الآجال المحددة» هي 3 أشهر، تبدأ من تاريخ استدعاء الهيئة الناخبة، وبذلك ستكون الرئاسية يوم 12 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، إذا تمكن الجيش من تنظيمها.

وكان «المجلس الدستوري» قد ألغى رئاسية 4 يوليو (تموز) الماضي لعدم توفر مترشحين، وقد أسقط الحراك الشعبي رئاسية 18 أبريل الماضي، التي ترشح لها بوتفليقة للمرة الخامسة.

وأعلن نواب «جبهة التحرير الوطني» و«التجمع الوطني الديمقراطي»، أمس، ولاء شديداً عند عرض مشروعي القانونين. وأسدت البرلمانية فايزة حامة الشكر لـ«المجاهد قايد صالح الذي يحارب المرتشين، ويحمي المتظاهرين». فيما هاجم نواب السلطة المعارضة، ومشروعها إطلاق «مرحلة انتقالية» تسبق الرئاسية. ولاحظ صحافيون غطوا الحدث أن البرلمانيين، الذين أشادوا بصالح، هم أنفسهم الذين روّجوا لترشح بوتفليقة لولاية خامسة.