التاريخ: أيلول ١, ٢٠١٩
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
سوريون في فرنسا يناقشون عودتهم من «أرض اللجوء»
ليموج (فرنسا): رنا حاج إبراهيم
تلتقي معظم العائلات السورية في مدينة فرنسية واحدة بشكل شبه يومي لشرب القهوة، أو السهر والتسامر حول أوضاع السوريين في المدينة ذاتها، أو في مدن فرنسية أخرى للأغراض ذاتها.

وتدور الأحاديث حول صعوبة اللغة لمن لم يتعلمها بعد، لكن التركيز الأكبر والأوسع يتناول مشكلة ترحيل بعض اللاجئين، سواء من دول بجوار سوريا أم من دول أوروبية قد يصبح الحكم فيها يمينياً متطرفاً في المستقبل.

وبين الأحاديث المتداولة، يرى اللاجئون السوريون أن المعيشة في فرنسا مرتفعة الثمن جداً، كما في كل أوروبا، حيث تصل الفواتير الشهرية إلى حد يجعل اللاجئ يعيد حساباته وميزانيته بشكل شبه يومي.

السيدة عبير مطاوع، وهي أم لثلاثة أطفال، تقول: «الحياة في فرنسا متعبة جداً، والإنفاق في هذه البلاد مرتفع جداً، خصوصاً من لديه أطفال يشتري لهم الغذاء بشكل يومي، والألبسة وغير ذلك. فما تقدمه الجمعيات الخيرية الفرنسية من أطعمة وثياب لا يتناسب مع العائلات السورية التي اعتادت نظاماً غذائياً معيناً، وألبسة تتناسب مع عادات الشرق».

أما السيد علاء، فيرى أن «معظم السوريين مستعدون للعودة، في حال توفرت ضمانات العودة، فالبلد بلدنا، وكنا نعيش حياة اجتماعية مقبولة. أما هنا، فلا زيارات ولا مناسبات، وحتى الأعياد لا نشعر بقدومها وانتهائها. كما أن كل سوري يحسب مصاريفه بالورقة والقلم، فعليه ألا يتجاوز راتب المساعدات الشهري المقدم لعائلته، الذي يختلف حسب عدد الأفراد وأعمارهم، وهو مبلغ زهيد يغطي تكاليف الفواتير والطعام فقط».

والشاب حكيم داود يجد أن الحياة في سوريا كانت «أفضل، بأنشطتها وحميميتها، فالنشاطات هنا لا تتوافق مع أذواق السوريين. ويكفي أن يجلس فرنسي مثلاً في بحيرة خلال حر الصيف، كي يقضي يوماً كاملاً، الأمر الذي لا يمكن أن يفعله السوري بشكل أكيد. أما المصاريف الأخرى، كمخالفات عدم شراء بطاقة مترو في باريس من قبل اللاجئ، تجعله مجبراً على دفع 40 يورو كغرامة، الأمر الذي لم نعتده في بلادنا».

المساعد الاجتماعي جان فرنسوا يشير لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الثقافة الفرنسية مختلفة عن الثقافات الشرقية، فمعرض للفن الحديث في مدينة ليموج مثلاً، وهو عبارة عن إعادة تشكيل وإنتاج القمامة اليومية، لا يناسب اهتمام الشبان، ولا حتى الكهلة السوريين، خصوصاً أن هذه النشاطات تجري بعيداً عن منازل السوريين، ومعظمهم ليس لديهم سيارات بعد».

السيد أبو حمزة أوضح لـ«الشرق الأوسط» أنه ترك البلد وعمله كأستاذ جامعة «حتى أنه أعطى الأرض التي يملكها لأخوته، بعد أن أصبحت الحياة في الداخل السوري مستحيلة، فكيف أفكر أنا وعائلتي بالعودة؟ ولأي سبب؟ لا يوجد ما نندم عليه. وفي المستقبل، أفكر بمشروع خاص صغير يملأ فراغ أيامي، أنا وزوجتي».

من جهة أخرى، السيد أبو حاتم لبابيدي يقول إنه أرسل عائلته إلى درعا «كي يرى الأهل أطفاله، لكنهم سيعودون سريعاً إلى مدينة ليموج، فالحياة هناك لا تطاق، من حيث كلفة المعيشة أولاً، وعدم استقرار الأوضاع الأمنية بشكل كامل».

وفي الوقت الذي ما زالت فيه الحكومة الفرنسية تستقبل عائلات لاجئة جديدة، تؤكد المساعدة الاجتماعية نيكول التي تجري محاضرات تعليمية للاجئين بشكل مستمر أن «ما يهم الحكومة الفرنسية في الوقت الحالي هو تعليم الأطفال والشباب الذين قدموا إلى فرنسا وتأهيلهم، وهذا أولوية، حيث إن التعليم الإلزامي حالياً في فرنسا هو من سن 3 إلى 16 عاماً، حسب القانون الجديد، لكن هناك مشروع قانون قد يفرض لاحقاً بأن يصبح التعليم إلزامياً حتى 18 عاماً، الأمر الذي تدرسه الحكومة كي يعطي فرصاً أكبر للقادمين الجدد ولأولادهم، ولأطفال جميع الفرنسيين الذين أصبحوا يتركون المدارس قبل الحصول على تحصيلهم العلمي الجامعي».

ورغم وجود إشاعات بإيقاف اللجوء إلى فرنسا، تستند إلى قوانين جديدة صارمة، ما زالت عائلات سورية جديدة تصل إلى مدن فرنسية كثيرة، قادمة من الأردن ولبنان وغيرها من البلدان. ولا تزال فرنسا «أرض اللجوء» التي يقصدها السوريون وغيرهم من الجنسيات الأخرى.