 | | التاريخ: حزيران ٤, ٢٠١٢ | المصدر: جريدة الحياة |  | ... عن الإصلاح الذي لا يهبط من السماء - إبراهيم غرايبة |
الأردنيون غاضبون، يتظاهرون ويعتصمون، يتطلعون إلى إصلاح يدركون نهاياته الجميلة، ولكنهم كأفراد ومجتمعات لا يلاحظون دورهم ومسؤولياتهم في هذا الإصلاح ولا يريـدون أن يقرروا مستوى مشاركتهم وحدودها مع السلطة والشركات، وينظرون إلى الإصلاح باعتباره فقط منحة أو قرار لدى السلطة التنفيذية، أو يدركون جزءاً منه، وهو الجزء المتعلق بالإصلاح السياسي والانتخابات النيابية، ولكنها انتخابات ندرك تماماً أنها لن تحقق الإصلاح الذي نتطلع إليه حتى لو أجريت بنزاهة وكفاءة ووفق قانون عادل، لأن الانتخابات تجري منذ عقود طويلة، وقد تحولت إلى جزء من آلة الفساد والفشل، لسبب بسيط وواضح وهو أن المجتمعات لا تقدر على تحقيق مشاركة سياسية واقتصادية تعبر عن مصالحها وتطلعاتها وفق الفرص الديموقراطية المتاحة، ولن تنجح هذه المشاركة وربما لن تتحقق حتى مع زيادة مساحات الحرية والديموقراطية، فالديموقراطية في أزهى حالاتها تعمل لصالح الأكثر وعياً وتنظيماً، وهو الجزء الغائب عن المجتمعات حتى اليوم، والذي لا يستطيع غير المجتمعات نفسها تحقيقه، فلن تمنحها السلطة والنخب الوعي والتنظيم والفاعلية الاجتماعية التي تؤهلها للمشاركة السياسية والاقتصادية والاستقلال عن السلطات والشركات في مواردها وادارة احتياجاتها وأولوياتها ومرافقها. وحتى في الجزء المتعلق بالسلطة، فإنها بغير الوعـــي الكافـــي لإدراك هذه المطالب وأهميتها لن تعود قادرة على مواجهة السلطة ولا التمييز بين المطالب وما هو متحقق بالفعل وبين الممكن وغير الممكن، وسوف يسهل استدراجها وتشتيتها وإشغالها بأهـــداف ومكتسبات جانبية، وربما كان الفساد الحقيقي والأكبر للسلطــة، أنها همشت المجتمعات وأضعفتها عبر سلسلة من الخدمات والأعمال التي قامت بها السلطة نيابــة عن المجتمع وعبر اقتصاد ريعي جعل المجتمعات مرتبطة بالدولة أكثر من الإنتاج والموارد الحقيقية، ولكن المجتمعات -للأسف الشديد- تطالب وتتظاهر لأجل مزيد من الوظائف والأعمال الوهمية والخدمات الحكومية، أو بحقِّ أن تكون عالة على السلطة وتابعة لها، وصار هذا هو الإصلاح الذي تسعى إليه المجتمعات والمعارضات والتظاهرات والاعتصامات! وفي الوقت الذي تشكل الطاقة الجزء الأكبر من الواردات، لم تبادر المجتمعات والمدن والبلدات إلى تنظيم وتأسيس شركات للطاقة الشمسية تخفف من هذا العبء المالي الكبير عليها وعلى الدولة، وربما توفر لها فائضاً مالياً يمكن استخدامه في أوجه أخرى للتنمية وتحسين حياتها. وفي المقابل، فإنها تتظاهر لأجل تخفيض أسعار الطاقة والبترول! وبرغم أزمة الماء الكبرى، حيث يعد الأردن البلدَ الأفقرَ مائياً في العالم، لم تتشكل مبادرات لتدوير المياه المستخدمة وإعادة استخدامها، أو لجمع المياه الفائضة في الشتاء وتنظيم استخدامها وتفعيله ووقف الهدر فيها، وتواصَلَ سلوكها وكأنها مدن وبلدات تعيش على ضفاف الأنهار! المسألة ببساطة، كيف تستطيع البلدات والمدن توفير فائض من مواردها وموارد أهلها تمول به وتدير منظومة اقتصادية اجتماعية ثقافية؟ وكيف يستطيع الناس في المدن والبلدات أن ينشئوا مواردهم المرتبطة بالمكان الذي يعيشون فيه على النحو الذي يحقق لهم حياة كريمة ويمكنهم من امتلاك الحاجات والخدمات والسلع الأساسية وإدارتها وتوفيرها، ويمكّنهم ايضاً من تنظيم وادارة برامج ومؤسسات اجتماعية وثقافية يستطيعون تمويلها وتطويرها على النحو الذي يرقى بحياتهم ومستوى مشاركتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية. * كاتب أردني.
| |
|