التاريخ: آب ٢٣, ٢٠١٩
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
الهجوم على إدلب... ضغط روسيّ على أنقرة لإفشال "المنطقة الآمنة"؟
جورج عيسى
في مقابل تمكّن تركيا من الوصول إلى اتّفاق مبدئيّ مع الأميركيّين على "المنطقة الآمنة" التي تفصلها عن شمال شرق سوريا، تبدو الأمور أشدّ صعوبة على حدودها مع إدلب. سعت أنقرة طويلاً إلى تأمين شريط من النفوذ يمتدّ على طول حدودها الجنوبيّة مع سوريا، خصوصاً منذ انخراطها في مسار أستانا. لكنّ تعقيدات تلك المنطقة وخضوعها لقوّتين دوليّتين مختلفتين تجعل مهمتها أصعب. وقد عجِزَ اتّفاق سوتشي في أيلول 2018 عن حماية تركيا فترة طويلة من عمليّة عسكريّة تستهدف آخر مناطق خفض التصعيد في سوريا وتطلق عشرات إن لم يكن مئات الآلاف من اللاجئين إلى أراضيها.

ولمسألة اللاجئين اليوم أولويّة أكثر إلحاحاً منها عند التوصّل إلى اتّفاق سوتشي. فالاقتصاد التركيّ المنكمش والأجواء التي رافقت الحملات الانتخابيّة المحلّيّة في اسطنبول والتي انتهت بخسارة كبيرة لحزب العدالة والتنمية الحاكم، عكست رأياً عامّاً متذمّراً من العبء الذي يفرضه اللجوء. ووسط صمت أميركيّ ودوليّ إزاء ما يجري في إدلب، تجد تركيا نفسها وحيدة في مواجهة تقدّم ميدانيّ للجيش السوريّ بدعم من سلاح الجو الروسيّ. وكان أبرز عناوين هذا التقدّم استعادة الجيش مدينة خان شيخون التي سيطرت عليها المعارضة عام 2014.

ويظهر أنّ روسيا مصمّمة على تحجيم النفوذ التركيّ في إدلب. فقد أعلنت وزارة الدفاع التركيّة أنّ ثلاثة مدنيّين قُتلوا وان 12 آخرين أصيبوا في غارة جوية على رتل عسكريّ تركيّ كان متوجّهاً إلى نقطة المراقبة التاسعة في إدلب. ونددت بالهجوم "الذي يتعارض مع الاتفاقات السارية والتعاون والحوار بيننا وبين روسيا".

خدمة تركيّة لموسكو

وتنظر موسكو إلى شمال شرق سوريا من زاوية حيويّة مواردها الطبيعيّة ومساهمتها الجزئيّة في استقرار النظام. ذلك أنّ تأخّر الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب في سحب قوّاته من المنطقة يعني أن هذه ستظلّ خاضعة للنفوذ الأميركيّ على المدى المتوسّط وأنّ سوريا ستستمرّ ساحة لممارسة فضاءات نفوذ إقليميّة ودوليّة مختلفة. وهذا ما يعرّض مبدأ وحدة الأراضي السوريّة، الذي تدعو موسكو إلى احترامه، للخطر. بناء على ذلك، إنّ اتّفاقاً أميركيّاً - تركيّاً على المنطقة الآمنة يرسّخ نفوذاً مشتركاً للجانبين في شمال شرق البلاد. ويمكن تلمّس هذه الرؤية من تحليل الباحث في المجلس الروسيّ للشؤون الدولية رُسلان ماميدوف.

رأى ماميدوف في موقع "ألمونيتور" أنّ الحساب الروسيّ يكمن في أنّه عند شنّ تركيا هجوماً على المقاتلين الأكراد، سيتوجّه هؤلاء إلى روسيا اذا تخلت واشنطن عنهم، بما يعزّز موقع الكرملين لايجاد ظروف تقارب بين الأكراد وحكومة الأسد. وذكر بأنّ الأكراد تمسّكوا بمواقف عالية السقف خلال حوارهم مع دمشق سابقاً، لذا فإن هجوماً تركياً على شمال شرق سوريا قد يدفع الأكراد الى التخلّي عن مواقفهم القصوى.

خيارات ضيّقة

أضف أنّ ضغطاً روسيّاً في إدلب سيترك تركيا أمام خيارات ضيّقة. فحرب الاستنزاف في تلك المنطقة قد لا تكون مربحة لأنقرة على المدى الطويل. فمن غير المتوقّع أن تتوقّف روسيا وسوريا عن ضرب الجهاديّين والفصائل التي تدعمها أنقرة، ولذلك ستُترك الأخيرة مع قوّة عسكريّة محلّيّة منهكة وأعجز عمليّاً عن مساعدتها في أيّ حرب مقبلة ضدّ الأكراد. وقد شرح الباحث في "مشروع أمن الشرق الأوسط" التابع لـ"مركز الأمن الأميركيّ الجديد" الذي يتّخذ من واشنطن مقرّاً له نيكولاس هيراس، لـ"النهار" تبدّل المعطيات وموازين القوى في شمال سوريا منذ كانون الأوّل الماضي، فقال: "روسيا في موقف أسوأ كي تجبر الولايات المتّحدة على الخروج من سوريا منها في وقت سابق من هذه السنة، عقب إعلان الرئيس ترامب قراره الانسحاب من سوريا. وحقيقة الأمر أنّه عندما قرّر ترامب إبطاء الانسحاب من الأميركيّ من سوريا، أعادت روسيا توجيه انتباهها إلى إدلب".

وأضاف هيراس، وهو أيضاً محلّل بارز في مؤسّسة "جيمس تاون"، أنّ سياسة روسيا الجديدة هي إجبار تركيا على تحمّل مسؤوليّة المجموعات الجهاديّة في إدلب. و"لا يمكن موسكو إعطاء تركيا ضمانات في شمال وشرق سوريا لأنّ الأميركيّين هم القوّة الموجودة هناك. وبصرف النظر عن المحادثات مع دمشق، تتّبع قوّات سوريا الديموقراطيّة السياسة الأميركيّة بالضغط الأقصى على الأسد والتي تؤذي روسيا".

وخلص هيراس الى أن "تركيا لا تملك القوّة لمهاجمة "قسد" وحدها، وتالياً، فإن الجيش الأميركيّ يقيّد الأتراك. طموحات موسكو في شمال وشرق سوريا متوقّفة في الوقت الحاضر، لكن في إدلب، ثمة فرصة حقيقيّة للروس لتحقيق أهدافهم".

وبطبيعة الحال، إنّ فشل رهان محتمل لدى موسكو لإجبار تركيا على توجيه قوّاتها صوب "قسد"، لن يكون مكلفاً في نهاية المطاف. فاستعادة إدلب كانت دوماً مطلباً روسيّاً، مع أو من دون مكاسب لموسكو في شمال شرق الفرات.