التاريخ: تموز ٢٢, ٢٠١٩
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
محاولات لتذليل عقبات انعقاد جلسات الحكومة اللبنانية
«حزب الله» يسجّل سابقة بتصويته المؤيد للموازنة
بيروت: محمد شقير
بعد إقرار الموازنة اللبنانية للنصف الثاني من العام الحالي، لم يعد هناك من مبرر لترحيل جلسات مجلس الوزراء عبر وضع العراقيل وتبرير ذلك بربط مصيرها بإحالة حادثة قبر شمون إلى المجلس العدلي. ويُفترض، كما تقول مصادر وزارية واسعة الاطلاع، أن تؤدي المشاورات التي سيتولاها رئيس الجمهورية ميشال عون بالتضامن مع رئيس الحكومة سعد الحريري، بدءاً من اليوم، إلى إعادة تفعيل العمل الحكومي الذي سيبقى، من دون التئام المجلس، حبراً على ورق ولا يُصرف في استكمال التحضيرات التي تضع لبنان على سكة الإفادة من مقررات «مؤتمر سيدر».

وعلمت «الشرق الأوسط» من المصادر الوزارية أن الرئيس الحريري يميل حتماً إلى توجيه دعوة لعقد جلسة لمجلس الوزراء بالتشاور مع الرئيس عون؛ على أن تُعقد في بحر الأسبوع الحالي. وقالت المصادر إن الرئيس الحريري وإن كان يتجنّب إقحام مجلس الوزراء في اشتباك سياسي في حال تعذّر التفاهم على مخرج يدفع في اتجاه الاتفاق على تسوية سياسية لإخراج حادثة قبر شمون من التجاذبات السياسية وتبادل تسجيل المواقف في شأنها، وتحييدها عن جدول أعمال الجلسة الوزارية؛ لئلا تبقى مادة مشتعلة تهدد العودة إلى تفعيل العمل الحكومي، فإنه في المقابل يرفض إدراج مصير الجلسات على لائحة الانتظار.

وتساءلت المصادر الوزارية عما إذا كان من الجائز التمديد لتعطيل الجلسات، وكيف سيكون رد فعل المجتمع الدولي الذي قدّم كل ما يتوجب عليه لمساعدة لبنان للنهوض من أزماته الاقتصادية والمالية من خلال ما توصّل إليه مؤتمر سيدر، كما تساءلت عما إذا كان معقولاً أن تبقى الحكومة ضحية التعطيل في ظل تسارع التطورات الأمنية والسياسية في المنطقة وما يترتب عليها من تداعيات سلبية على الوضع الداخلي، وماذا سيكون رد فعل الرئيس عون، وأيضاً الرئيس الحريري؟ وهل يقرران الاستسلام للمحاولات الرامية إلى شل قدرة الحكومة وقطع الطريق على الجهود التي تتطلع مع إقرار الموازنة، إلى نقل لبنان من مرحلة الانتظار إلى مرحلة جديدة يراد منها الانطلاق باتجاه تفعيل الدخول في عملية إنقاذه اليوم قبل الغد لئلا تضيع عليه الفرصة التي أوجدها مؤتمر «سيدر»؟

وأكدت أن إقرار الموازنة مر بقطوع كاد يهدد رؤيتها النور، لكن الاتصالات التي جرت على هامش الجلسة الختامية للبرلمان التي خصّصت للتصديق عليها وتحديداً بين رئيسي البرلمان نبيه بري والحكومة سعد الحريري، أدت إلى استيعاب الخلاف ومحاصرته. وقالت إن البعض في البرلمان حاول التعاطي مع البنود الواردة في الموازنة من زاوية لجوئه إلى تسجيل موقف ولو بالنقاط على الحريري الذي انتفض على هذه المحاولات وكان له ما أراد لجهة خفض الموازنات للإدارات التي تتبعه مباشرة.

وكشفت المصادر عن أن البعض لجأ إلى مثل هذه المحاولات بحثاً عن دور، لكنه لم يتمكن من تسجيل نقطة يمكن أن ترتدّ سلباً على رئيس الحكومة، خصوصاً أن محاولاته لخفض هذه الموازنات تجاوزت عصر النفقات إلى حجب المال المخصص لها، وصولاً إلى محاصرتها تمهيداً لتجويف هذه الإدارات والمؤسسات من المهام المقررة لها.

لذلك، انتهت جلسات الموازنة إلى تنفيس أجواء الاحتقان من جهة؛ وإلى قطع الطريق على إحداث شرخ في علاقة رئيس الحكومة برئيس البرلمان على أن تنصرف الحكومة إلى الالتزام بخفض النسبة المقترحة من العجز في الموازنة شرط أن تكون رقمية ومحسوبة بدلاً من تحويلها إلى عجز على الورق لا يلقى ارتياحاً لدى المجتمع الدولي.

وفي هذا السياق، قالت المصادر الوزارية إن إقرار الموازنة يشكّل خطوة على طريق تحقيق الإصلاح الإداري والمالي لخفض العجز المقترح على الموازنة، خصوصاً أن الجميع سيخضع إلى مساءلة دولية في حال لم تنطلق موازنة عام 2020 من كل ما تحقق في الموازنة الحالية لتأتي الموازنة المنتظرة بالشكل الذي يدعو من شارك في مؤتمر «سيدر» للارتياح حيال تجاوب لبنان مع كل ما تعهد به أمام المؤتمرين. ناهيك بأن الحكومة مطالبة بوضع خطة لإنقاذ قطاع الكهرباء من التكلفة المالية العالية التي تتكبّدها خزينة الدولة، وهذا يتطلب الإسراع في إنشاء المعامل لتوليد الكهرباء بديلاً لاستئجار البواخر لهذا الغرض.

كما أن الحكومة مطالبة برفع منسوب الإنفاق الاستثماري على حساب الإنفاق الجاري، لأن هذا الأمر يشكل الممر الإلزامي لخلق فرص عمل جديدة. وعليه يبقى السؤال: هل يلتئم مجلس الوزراء هذا الأسبوع، وماذا سيكون رد فعل رئيس «الحزب الديمقراطي اللبناني» النائب طلال أرسلان إذا ما أصر على الربط بين انعقاده وبين إحالة حادثة قبر شمون إلى المجلس العدلي؟ وهل يصرّ «حزب الله» الذي صوّت على الموازنة للمرة الأولى منذ دخوله إلى البرلمان في عام 1992 على دعمه، فيما يراهن الرئيس عون على أن المخرج الذي طرحه سيؤدي إلى الفصل بين انعقاد الجلسة وبين حادثة قبر شمون؟

وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر سياسية مواكبة للمهمة التي يتولاها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم بغية تسويق المخرج الذي يحظى بدعم رئيس الجمهورية، بأن الأخير يريد عودة مجلس الوزراء إلى استئناف جلساته اليوم قبل الغد. وقالت المصادر نفسها إن الرئيس عون يؤيد نقل ملف قبر شمون من القضاء المدني إلى القضاء العسكري، بوصف هذا الاقتراح ما هو إلا تسوية وسطية، لكن النائب أرسلان باقٍ على رفضه، مع أن «التيار الوطني الحر» لا يعترض على اقتراحه. ورأت أن الدعم الذي تلقّاه أرسلان من الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله في مقابلته الأخيرة تسبب بإرباك «التيار الوطني» لأنه لا يريد أن يتعامل البعض مع موقفه كأنه على تعارض مع حليفه، إضافة إلى أن أرسلان كان أبلغ حلفاءه بأن عدم الأخذ باقتراحه سيرتدّ عليه سلباً، خصوصاً في داخل «البيت الدرزي»، فيما لقي موقف جنبلاط - بحسب المصادر المواكبة - ارتياحاً لدى طائفة الموحدين الدروز لأنه أحسن التعامل مع الملف وأبدى كل تجاوب مع طلب «شعبة المعلومات» في قوى الأمن الداخلي بتسليم عدد من المطلوبين للتحقيق معهم.

وفي هذا السياق أيضاً، علمت «الشرق الأوسط» من المصادر الوزارية بأن «شعبة المعلومات» ختمت التحقيق في حادثة قبر شمون وسلّمته إلى النائب العام التمييزي بالوكالة القاضي عماد قبلان الذي كان أوكل إليها التحقيق في الحادثة.

وكان القاضي قبلان تسلّم التحقيق الخميس الماضي واقتصر على الاستماع إلى 4 موقوفين من «التقدمي»، فيما امتنع أرسلان عن تسليم أي مطلوب، علما بأن هناك مطلوبَين من «التقدمي» لم يتم تسليمهم حتى الآن، في مقابل 8 مطلوبين من محازبي أرسلان صدرت في حقهم مذكرات توقيف غيابية.

ولاحظت المصادر نفسها أن جميع المطلوبين؛ بمن فيهم الأشخاص الأربعة الموقوفون لدى «المعلومات»، كانوا شاركوا في إطلاق النار ومن بين هؤلاء مرافقَي الوزير صالح الغريب اللذين قُتلا في الحادثة.

إلا إن هناك «مخالفة» قانونية، كما تقول المصادر، في استمرار توقيف 4 أشخاص من «التقدمي» لأكثر من 4 أيام من دون أن تصدر في حقهم مذكرات توقيف صادرة عن محكمة، يعود للقاضي قبلان تحديد طبيعتها، في ضوء ما تردد بأن الملف أُحيل إلى المحكمة العسكرية وهو الآن في عهدة أحد قضاة التحقيق.

«حزب الله» يسجّل سابقة بتصويته المؤيد للموازنة
خبير: يدخل إلى الدولة اللبنانية تحت عنوان «الاندماج في سبيل الاحتماء»

بيروت: «الشرق الأوسط»
صوّت نواب كتلة «حزب الله» النيابية؛ المعروفة باسم «كتلة الوفاء للمقاومة»، تأييداً لموازنة المالية العامة لعام 2019 للمرة الأولى في تاريخ الحزب الذي دخل المجلس النيابي للمرة الأولى في عام 1992، وهو بذلك يسجّل سابقة في تاريخ الموازنات، تلي قراره الدخول إلى إدارات الدولة، من شعار رفعه في العام الماضي مع الانتخابات النيابية هو «محاربة الفساد».

في موقفه المعلن وعلى لسان مسؤوليه، يعدّ «حزب الله» أن تصويته على الموازنة جاء بعد مشاركته الفعلية بها عبر إدخال تعديلات يصفها بالجذرية ويعدّها نجاحاً، وهو ما عبّر عنه أمس النائب في الكتلة علي فياض.

ولطالما أحجم الحزب عن تأييد الموازنات والتصويت لصالحها، وفرض نفسه في البرلمان معارضاً لسياسات الحكومات التي ترأسها رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري بشكل خاص، وبعده، والرئيس الحالي سعد الحريري. وعندما كان الحزب جزءاً من حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي قاطعها «تيار المستقبل» و«حزب القوات اللبنانية»، لم تكن هناك موازنات؛ علماً بأنها انقطعت منذ عام 2005 وحتى 2017.

ويتعمق الحزب في الملفات السياسية المحلية أكثر، بعد استدارته من الملف السوري باتجاه الداخل اللبناني، وظهر ذلك خلال التحضيرات للانتخابات النيابية الماضية، وما تلاها من جهود لتشكيل الحكومة، والمشاركة في جلسات إعداد الموازنة الأخيرة التي تختلف عن الموازنات السابقة بأنها أكثر تقشفاً، وتتضمن الضرائب مضمرة، رغم أن نسبتها قليلة، وتطال جميع السكان من جميع الطبقات، وهو ما يهدد بأن يكون الحزب أمام تحديات جمهوره.

ويرى مدير «مركز أمم للتوثيق والأبحاث» لقمان سليم أن تداعيات تأييد الحزب للموازنة على جمهوره تدخل ضمن القراءة العامة وتضع جميع الأحزاب أمام تحديات جمهورها، بالنظر إلى أن الاقتطاعات الضريبة والزيادات ستطال جميع اللبنانيين، لكنه يؤكد في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن تصويت الحزب على الموازنة سابقة في تاريخه وتاريخ علاقته بلبنان، ويدخل إليها تحت عنوان «الاندماج في سبيل الاحتماء»، من خلال تأييده الموازنة وتصويته عليها بيسر، ولعب دور المسهّل لإقرارها.

ويقول سليم إن الحزب بتسجيل هذه السابقة «يقول بكل بساطة (أنا لبنان ولبنان أنا)، وهو ما نفسره من خارج السياسة اللبنانية بأنه حاجة الحزب للاحتماء بالدولة ومؤسساتها وهياكلها ودورة الحياة اليومية فيها رغم بؤسها». ويضيف: «قد يفسر البعض هذا التصويت على أنه تكريس لدخول الحزب إلى الدولة، لكنه في الواقع يحاول فرض هيمنته الكاملة على جانب من الدولة كان قد تركه منذ تأسيس الشراكة بعد (اتفاق الطائف) مع الرئيس رفيق الحريري»، حيث بات الآن «الحرب والسلم والاقتصاد والنقد والمال والسياسات الضريبية كلها يُسأل عنها (حزب الله)».

ويأتي تصويت الحزب على الموازنة في ظل حملة أطلقها العام الماضي لمحاربة الفساد، ويقول إنها متواصلة. لكن سليم، يرى أن طرحه هذا الملف «هو للاستهلاك المحلي»، قائلاً: «إذا كان الحزب يريد حقاً محاربة الفساد، فليبدأ بالفساد ضمن التنظيم والطائفة قبل أن يتحدث عن أي فساد آخر». وأضاف: «الناس أحسنت الظن وظنوه جاداً في حملة مكافحة الفساد حين رفع شعارها، لكنه في الواقع، يرفع الشعار ضد خصومه وليس محاربة الفساد عموماً. استغل الشعار وسيستغله للاستئثار بمزيد من الهيمنة». ويؤكد أن الحزب «لا يدخل المنظومة كعضو فيها، بل يثبّت بأنه حامي المنظومة بقدر ما يحتمي بها».

وفي تعليقه على الموازنة، قال النائب في «حزب الله» علي فياض، أمس: «الأزمة المالية الاقتصادية تحتاج لأعلى درجات التضامن الوطني الذي نحن حريصون عليه». وأضاف: «(كتلة الوفاء للمقاومة) تمكنت من أن تدخل تعديلات جذرية على هذه الموازنة، فخففنا إلى أبعد مدى من البعد الضرائبي فيها، وأبعدنا كل ضريبة عن الطبقات المستضعفة والمتوسطة... ونحن لا ندّعي أن هذه الخطوة كافية لمعالجة مشاكلنا الاقتصادية والاجتماعية، ولكنها خطوة أساسية في هذا الاتجاه».

وشدّد على «ضرورة أن تستكمل موازنة عام 2020 تخفيض العجز وضبط الهدر والتقشف وزيادة إيرادات الدولة وحماية الجامعة اللبنانية ورفع معدلات الإعفاءات التي يستفيد منها المواطنون»، مضيفاً: «نعلن، بكل مسؤولية وجدية، أننا نجحنا في موازنة عام 2019، ولكن هذا الشوط طويل».

الراعي: العدالة في لبنان ضحية للتدخل السياسي
بيروت: «الشرق الأوسط»
قال البطريرك الماروني بشارة الراعي إن العدالة في لبنان هي ضحية التدخل السياسي الذي يعطّل أيضا عمل المحاكم والحكومة كما هي الحال اليوم على أثر حادثة الجبل التي وقعت قبل ثلاثة أسابيع.

وجاء كلام الراعي على هامش الزيارة التي قام بها إلى البقاع الغربي، بعد ترؤسه القداس بمناسبة عيد القديس شربل في دير مار مارون في عنايا، شمال بيروت، في حضور رئيس الجمهورية ميشال عون الذي توجّه له بالقول: «نصلي من أجل وطننا ومن أجلكم كي تقودوا سفينة البلاد بحكمة وحزم، لإخراج البلد من أزماته السياسية والاقتصادية والاجتماعية لينعم بالاستقرار».

ومن البقاع الغربي قال الراعي: «إذا ألقينا نظرة على ممارسة العدالة عندنا ودور المحاكم والمجالس الدستورية التي تحمي حقوق المواطنين والدولة، فسوف نرى بكل أسف، أن العدالة ضحية التدخل السياسي، والنافذين السياسيين، في كثير من الحالات، حتى أن تدخلات بعضهم تعطل عمل المحاكم، والبعض الآخر عمل الحكومة، كما هي الحال اليوم على أثر حادثة قبرشمون (الجبل) المؤسفة».

وأضاف: «يتكلمون في المجلس النيابي والحكومة عن الفساد، وكأنه فكرة بالمطلق، (لكنهم) غافلون عن أن الفساد يأتي من الإنسان الفاسد في أخلاقه، وأن من خلاله يدخل الفساد إلى المؤسسات الدستورية والوزارات والإدارات العامة»، مضيفا: «لا بد من إصلاح الإنسان من الداخل، وعندما يصطلح يزول الفساد... وإلا بتنا نشهد هيكلية فساد، كما هي اليوم».