التاريخ: تموز ١٠, ٢٠١٩
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
الحريري يسعى لتجنيب الحكومة اللبنانية اشتباكاً يهدد الاستقرار و«حزب الله» لا يدعم إسقاط الحكومة
عون فشل في إقناع أرسلان بعدم إحالة حادثة الجبل إلى المجلس العدلي
بيروت: محمد شقير
قالت مصادر وزارية لبنانية إن إصرار البعض على ربط انعقاد مجلس الوزراء بإحالة حادثة الجبل إلى المجلس العدلي لا يلقى تجاوباً من رئيس الحكومة سعد الحريري، وأكدت لـ«الشرق الأوسط» أن موقفه هذا ليس دفاعاً عن رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، وإنما عن الاستقرار الذي يمكن أن يقترب من حافة الانهيار ما لم يتم الالتفات فوراً إلى الوضعين الاقتصادي والمالي، بدلاً من التمادي في هدر الوقت وإضاعة الفرص بدلاً من السير على طريق الإنقاذ.

ولفتت المصادر الوزارية إلى أن الحريري مع انعقاد مجلس الوزراء في أقرب وقت على أن يُدرج على جدول أعماله الوضع الاقتصادي والمالي، خصوصاً أنه لم يعد هناك سوى أشهر قليلة للعمل لتفادي الانهيار. ورأت المصادر أن الحريري غير مرتاح للمقاربات التي ستُقحم مجلس الوزراء في اشتباك سياسي، وسألت عن الجدوى من الربط بين انعقاد مجلس الوزراء وإحالة حادثة الجبل على المجلس العدلي. واعتبرت أن من الضروري الإسراع في إنقاذ البلد مع انتهاء لجنة المال والموازنة النيابية من دراسة مشروع الموازنة لما تبقى من العام الحالي وإحالته على الهيئة العامة للتصديق عليه بعد أن يدرس مجلس الوزراء التعديلات التي أُدخلت على المشروع تمهيداً لإحالته بصيغته النهائية.

وحثت المصادر جميع الأطراف على عدم القفز فوق التحقيقات الأمنية في حادثة الجبل تمهيداً للبدء بالتحقيقات القضائية، وقالت إن هناك ضرورة لتغليب المعالجة السياسية على أي خيارات أخرى يراد منها الثأر من «التقدّمي» لاعتبارات محلية وخارجية في إشارة إلى استجابة البعض لما يخطط له النظام السوري لفرض المزيد من الحصار على جنبلاط مع أن الأخير بات في موقع يمكن أن يستعيد من خلاله زمام المبادرة.

وأثنت المصادر الوزارية على الدور الذي يتولاه رئيس المجلس النيابي نبيه بري لإخراج البلد من التأزم، وسألت عن الأسباب الكامنة وراء عدم السير في اقتراحه الذي تقدّم به فور حصول حادثة الجبل، والذي يقوم على إفساح المجال أمام القضاء المختص للتحقيق في جميع الملابسات التي أدت إلى حصولها. وقالت إن بري اقترح التريث في إحالة الحادثة على المجلس العدلي إلى حين انتهاء التحقيق القضائي للتأكد ما إذا كانت تستهدف السلم الأهلي وتنم عن محاولة لاغتيال الوزير صالح الغريب أو آخرين.

وتأكد أن الرئيس بري حمل اقتراحه هذا إلى رئيس الجمهورية ميشال عون الذي استمهل إعطاء الجواب ريثما يتشاور مع رئيس الحزب «الديمقراطي اللبناني» النائب طلال أرسلان والوزير الغريب، لكن تبيّن أن الأخيرين يصران على موقفهما لجهة إحالة الحادثة إلى المجلس العدلي. لذلك تتعامل المصادر الوزارية مع رفض أرسلان على أنه يأتي في سياق التزامه بأمر عمليات يتجاوز من وجهة نظرها الداخل اللبناني إلى النظام السوري، وتؤكد أن هناك «غرفة عمليات» تدعم أرسلان للثبات على موقفه.

وتعتبر المصادر الوزارية أن إصرار أرسلان على موقفه بعد اجتماعه في حضور الغريب مع الرئيس عون، يعني أن الأخير لم يتمكن من إقناعه، وهذا ما يفتح الباب أمام مزيد من التأزم السياسي في ظل تأييد رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل لأرسلان، وهو يلتقي في دعمه له مع «حزب الله» في مقابل ثبات زعيم تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية على موقفه وتفضيله الوقوف على الحياد في حال تعذّر التفاهم على مخرج. وعلمت «الشرق الأوسط» أن فرنجية أبلغ موقفه هذا إلى حليفه «حزب الله» وأطراف أخرى من بينها «التقدمي» الذي يستعد وفد عنه للقاء زعيم «المردة» غداً الخميس. ويلتقي فرنجية بموقفه هذا مع الحريري الذي يسعى لتفكيك المحاولات الجارية لتعطيل الحكومة فيما البلد في حاجة إلى رفع منسوب إنتاجها.

وعليه، فإن زمام المبادرة يبقى في يد الرئيس الحريري الذي يتمتع بصلاحية دعوة مجلس الوزراء للانعقاد وإعداد جدول أعماله من دون إسقاط حق رئيس الجمهورية بدعوة المجلس للانعقاد استثنائياً كلما رأى ذلك ضرورياً بالاتفاق مع رئيس الحكومة.

ويبقى الخيار المتاح لتفعيل مجلس الوزراء في تفاهم رئيسي الجمهورية والحكومة وإلا سيدفع البلد الثمن، كي لا يصل البلد إلى حائط مسدود.

جنبلاط يتخوف من استهدافه سياسياً كما حصل مع جعجع
بيروت: نذير رضا
يتخوّف «الحزب التقدمي الاشتراكي» من استهدافه سياسياً، ومحاصرة رئيسه النائب السابق وليد جنبلاط، جراء المطالبة بإحالة ملف حادثة الجبل إلى المجلس العدلي، محذراً من تكرار ما حصل مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في عام 1994، بعد تفجير كنيسة «سيدة النجاة»، واتهام جعجع بها، قبل أن يُبرأ من مسؤوليته عنها، ويسجن بتهم أخرى، ليخرج بعفو عام بعد 11 عاماً من سجنه.

والمجلس العدلي هو إحدى السلطات القضائية في لبنان، الذي تحيل إليه الحكومة الملفات التي تهدد أمن الدولة، ولا يمكن الطعن في قراراته أو استئنافها. ويقول حزب «القوات» إن القرار الذي صدر عن المجلس بحق جعجع في ذلك الوقت كان قراراً سياسياً، وهو سبب مخاوف «الاشتراكي»، حسبما تقول مصادر سياسية ترى أن هناك محاولة ثأرية من جنبلاط، واقتصاصاً سياسياً من دوره، واستهدافاً لوزير التربية أكرم شهيب، وهو أحد ممثلي الحزب في الحكومة، لاستهداف الحزب عبره.

وفي ظل إصرار رئيس الحزب «الديمقراطي اللبناني» النائب طلال أرسلان، على إحالة الملف إلى المجلس العدلي، رغم الوساطات التي يقودها رئيسا الجمهورية ميشال عون ومجلس النواب نبيه بري، عبر مسؤولون في «الاشتراكي»، خلال اليومين الماضيين، عن مخاوفهم من تكرار ما حصل لجعجع سنة 1994، إذ قال وزير الصناعة وائل أبو فاعور إنه «يبدو أن منطق (سيدة النجاة) ما زال يتحكم بعقول البعض»، فيما قال النائب مروان حمادة إن «قضية المجلس العدلي لا نرى فيها أي بحث عن القضاء والعدالة، وإنما محاولة لتسجيل نقاط سياسية تشبه قضية (سيدة النجاة) التي رُكّبت ضد الدكتور سمير جعجع آنذاك».

وأوضحت مصادر «الحزب التقدمي الاشتراكي»، أن الموضوع «أبعد من مجرد حادثة قبرشمون، لأن كل الظروف والمراحل التي سبقت الوصول إليها أثبتت أن هناك نية لمحاولة إضعاف دور وليد جنبلاط في الحياة السياسية»، وشددت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، على أن «هذا ما تصدينا له بدءاً من قانون الانتخاب عبر صناديق الاقتراع واستعادة كتلة انتخابية واسعة، ولاحقاً من خلال التصدي المتكرر لأحداث مفتعلة في الجبل، ووأد الفتنة في مهدها عند كل منعطف، والركون للقانون والقضاء والأجهزة الرسمية».

وقالت المصادر «إن محاولة السعي لتحويل الحادثة إلى ملف مركب لاستهداف (الحزب التقدمي الاشتراكي)، هو ما لن نقبل به بطبيعة الحال، لكنه لا يلغي انفتاحنا الكامل على كل الاتصالات وحركة الحوار السياسي الحاصلة في أكثر من اتجاه».

وعما إذا كانت محاولة لحصار جنبلاط، قالت المصادر: «واضح أن هناك بعض الأطراف والقوى السياسية تنطلق من قناعة خاطئة بأنه آن الأوان لتحجيم دور جنبلاط وإضعافه»، لكنها شددت على أن «كل التجارب التاريخية أثبتت أن هناك توازنات تاريخية في هذا البلد، وليس من السهل التلاعب بها»، لافتة إلى أن الوزير شهيب هو رمز أساسي في الحزب، و«يأتي استهدافه كجزء من استهداف الحزب».

ويقول أستاذ القانون والخبير الدستوري الدكتور شفيق المصري، إن إحالة حادثة الجبل إلى المجلس العدلي هو تكرار لما حصل بعد إحالة ملف تفجير كنيسة «سيدة النجاة» في عام 1994 إلى المجلس نفسه، الذي «لا يقبل أي طريق من طرق المراجعة، وأحكامه ثابتة، وتُحال إليه الجرائم التي تهدد أمن الدولة». ورأى المصري، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن المخاوف اليوم «سياسية بما يتخطى كونها قضائية»، بالنظر إلى أنها «قد تصل إلى تحويل توصيف الجريمة بشكل يجرد المتهمين من حق الدفاع أو المراجعة»، معتبراً أن ذلك «أمر سلبي، وهو ما يتوجس منه (الاشتراكي) خوفاً من محاصرته».

«حزب الله» لا يدعم إسقاط حكومة الحريري
بيروت: كارولين عاكوم
باستثناء موقف وزير الدولة لشؤون مجلس النواب محمود قماطي، المؤيد للنائب طلال أرسلان، لم يصدر أي موقف رسمي من «حزب الله» حيال حادثة الجبل، التي أسفرت عن مقتل شخصين من أنصار أرسلان نهاية الشهر الماضي، وتداعياتها المتمثلة في الخلاف بين أطراف الحكومة على تحويلها إلى المجلس العدلي وما يرافق ذلك من تعطيل لجلسات مجلس الوزراء وكلام عن توجّه البعض إلى إسقاط الحكومة ما لم يتحقق هذا المطلب. وبينما كان قد نُقل عن «حزب الله» عدم تبنيه ما قاله قماطي يوم الحادثة بعد لقائه رئيس «الحزب الديمقراطي» النائب طلال أرسلان، يقف الحزب اليوم مواكباً للوساطة والمساعي التي يبذلها بري وإبراهيم من دون أن يكون جزءاً منها مع تأكيده عدم دعمه أي خيار قد يؤدي إلى إسقاط الحكومة، كما نقلت مصادر مقربة منه. وأوضحت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن «البلد بحاجة إلى حكومة وليس من مصلحة أحد إسقاطها». ومع تشديده على أن وزراء «حزب الله» الثلاثة سيدعمون خيار إحالة القضية إلى المجلس العدلي في حال وصلت إلى مجلس الوزراء وطرحت للتصويت، فإن جهوده وعبر مَن يتولون الوساطة تنصبّ على عدم الوصول إلى هذه المرحلة، تفادياً لهذا الموقف.

في المقابل، ومع حرص الرئيس سعد الحريري على استمرار الحكومة، وهو ما عبّر عنه مرات عدّة، نقلت «وكالة الأنباء المركزية» عن مصادر سياسية قولها إن «إعدام» الاشتراكي بحبل «المجلس العدلي»، لن يبقى دون ردّ من قِبله، وقد تكون أولى بوادره انسحاب «الاشتراكي» من الحكومة، وربما انضم إليه في موقفه هذا حلفاؤه، ما يعني حكماً سقوطها. وبينما لا بديل للرئيس سعد الحريري اليوم، فإن مغامرة من هذا القبيل ستعني رمي البلاد في المجهول، حسب المصادر.

وفي قراءة لمواقف الأفرقاء من «المجلس العدلي» فإن اللجوء إلى التصويت عليه في الحكومة سيضع أطراف «8 آذار» أمام الاصطفاف السياسي السابق وهو ما لا يحبّذونه على غرار «حزب الله» انطلاقاً من واقع التحالفات السياسية الأخيرة، وأهمّها الخلاف بين حليفي «حزب الله» («تيار المردة» و«التيار الوطني الحر»)، وعدم صفاء العلاقة بين الأخير و«حركة أمل». من هنا من المرجح أن ينقسم مجلس الوزراء بين 15 وزيراً ضد الإحالة و14 معها في ضوء عدم وضوح موقف «المردة» حتى الآن، خصوصاً أن هناك اتصالات تجري بينه وبين «التقدمي الاشتراكي»، ما قد يجعل ممثله في الحكومة الوزير يوسف فنيانوس، يصوّت ضد الإحالة.