التاريخ: أيار ٦, ٢٠١٩
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
أكراد سوريا يبتعدون عن دمشق نحو "دولة" شرق الفرات
يرسي أكراد سوريا، في حماية من الولايات المتحدة، دعائم كيان سياسي لهم على مساحة تقارب 30 في المئة من الجغرافيا السورية. ويبتعد الأكراد أكثر فأكثر عن دمشق، التي لا تزال ترفض تقديم أي نوع من التنازلات لهم في المناطق التي يشكلون فيها الغالبية، ولا سيما في شمال شرق سوريا.

تصاعد نفوذ الأكراد مع اتساع رقعة النزاع في سوريا منذ عام 2012 بعدما ظلوا لعقود مهمشين، مقابل تقلّص سلطة النظام في المناطق ذات الغالبية الكردية، وبعد تمكنهم لاحقاً من طرد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) من مناطق واسعة في شمال سوريا وشمال شرقها. وبعد انسحاب قوات النظام تدريجاً من هذه المناطق، محتفظة بمقار حكومية وادارية وبعض القوات، خصوصاً في مدينتي القامشلي والحسكة، أعلن الاكراد اقامة إدارة ذاتية لا تعترف بها دمشق.

واستضافت مدينة عين عيسى في محافظة الرقة الجمعة "ملتقى العشائر السورية" الذي نظمه "مجلس سوريا الديموقراطية" (مسد)، الجناح السياسي لـ"قوات سوريا الديموقراطية" (قسد) التي تسيطر بدعم من الولايات المتحدة على هذه المنطقة، فضلاً عن أراض واسعة في شمال البلاد وشرقها، وتمثل الوحدات الكردية أساس هيكلها العسكري. وفي كلمة ألقاها خلال الملتقى، أعرب القائد العام لـ"قسد" مظلوم عبدي، عن رفض أسلوب "المصالحات" الذي تتبعه الحكومة السورية لتسوية الأوضاع في المناطق المحررة من قبضة المسلحين، مؤكدا الاستعداد للحوار مع دمشق. ودافع عن بقاء قوات التحالف في سوريا وكذلك القوات الروسية التي تدعم منذ عام 2015 قوات النظام في معاركها ضد الفصائل المعارضة والجهاديين على حد سواء، وساهمت في تحقيق انتصارات كبيرة لمصلحة دمشق. ورأى أن وجود القوتين "مشروع حتى تطهير الأراضي السورية كافة من رجس الإرهاب".

وخلص إلى أنه "ما دام الإرهاب موجوداً... فإن دور قوات التحالف والقوات الروسية لا يزال مطلوباً ولا يزال ضرورياً".

تنديد سوري وروسي

لكن مصدراً مسؤولاً في وزارة الخارجية السورية صرح للوكالة العربية السورية للانباء "سانا" بأن مؤتمر عين عيسى الذي انعقد في منطقة "تسيطر عليها ميليشيات مسلحة تابعة للولايات المتحدة الأميركية ودول غربية أخرى ... مني بالفشل بعد مقاطعة معظم العشائر العربية الأصيلة له". ووصف المؤتمر بانه "التقاء العمالة والخيانة والارتهان". وقال إن "مثل هذه التجمعات تجسّد بشكل لا يقبل الشك خيانة منظميها مهما حملوا من انتماءات سياسية أو إثنية أو عرقية".

إلى ذلك، قالت وزارة الخارجية الروسية، في بيان: "تتبع الولايات المتحدة بالتعاون مع حلفائها أسلوباً ممنهجاً نحو تحقيق حل للأزمة السورية، يهدف استثنائياً إلى ضمان وجود طويل الأمد لها في سوريا، ويجري من أجل ذلك إشراك جزء من التشكيلات المسلحة الكردية المتميزة بميولها الانفصالية، والتي لعبت في وقت ما دوراً معيناً في محاربة داعش والآن تسعى بدعم الولايات المتحدة إلى إقامة كيان على غرار دولة في الجانب الشرقي من نهر الفرات". وأضافت: "حاول بعض القادة الأكراد المعينين، يوم 3 مايو (أيار)، في ناحية عين عيسى، وبدعم من المشرفين الغربيين، تنظيم مؤتمر العشائر السورية، وبعد الفشل في تحقيق تمثيل عربي واسع، اضطر منظمو المؤتمر الزائف إلى خفض صفته لدرجة ملتقى".

وشددت على أن "واشنطن خصصت مبالغ مالية كبيرة لرشوة النواب، علما برفض معظم زعماء العشائر العربية شرق الفرات فكرة هذا المؤتمر"، مشيرة الى أنه "من المعروف أن المنظمين لم يترددوا في تجنيد المشاركين من مخيمات النازحين، بينها مخيم الهول المعروف بأوضاعه المحزنة، حيث يقيم فيه أسرى معذبون بالمجاعة ومستعدون لكل شيء من أجل إنقاذ حياتهم. كما تم اللجوء أيضاً إلى الابتزاز وحتى أساليب تشمل استخدام القوة".

ولاحظت أن "من الواضح أن هذه الفاعلية تهدف إلى تقسيم البلاد وتنتهك بشكل سافر المبادئ التي تؤكدها الأمم المتحدة والخاصة بالحفاظ على وحدة أراضي الجمهورية العربية السورية وسيادة دولتها، بما في ذلك تلك التي ينص عليها القرار الرقم 2254 الصادر عن مجلس الأمن".

وحذرت من أن الملتقى "يؤدي إلى دورة جديدة من توتر الأوضاع، ويدمر الأساس الهش الذي يتيح تحقيق توافق وطني في الدولة السورية متعددة القومية"، مشددة على أن "هذه العملية، وبلا شك، تهدف إلى تقويض جهود المجتمع الدولي والأمم المتحدة والدول الضامنة لمنصة أستانا والخاصة بحل الأزمة السورية في أسرع وقت ممكن".

تظاهرات ضد الأكراد

وانعقد مؤتمر عين عيسى بعد أيام تصعيد السكان العرب في محافظة دير الزور، تظاهراتهم ضد "وحدات حماية الشعب" الكردية التي تهيمن على "قسد". وروى سكان إن تظاهرات بدأت قبل خمسة أيام ضد حكم "قسد" في سلسلة بلدات من البصيرة إلى الشحيل، في حزام استراتيجي للنفط في قلب أراض تسكنها عشائر عربية شرق نهر الفرات. وأحرق المتظاهرون إطارات على امتداد طريق سريع من دير الزور إلى الحسكة تستخدمه ناقلات النفط، في تجارة مربحة سيطرت عليها "قسد" بعد هزيمة "داعش" هناك أواخر 2017.

وكتب المتظاهرون على لافتة في قرية الشنان، أرسل السكان صورها إلى "رويترز" ونشروها على وسائل التواصل الاجتماعي: "وين نفطنا؟ وارداتنا وين؟ لن نقبل بعد اليوم بنقل ثرواتنا خارج مناطقنا". وقال سكان ومحتجون وقادة عشائر إن السكان الغاضبين أجبروا شاحنات النفط من حقل العمر القريب، وهو أكبر الحقول التي تسيطر عليها "وحدات حماية الشعب" الكردية، إلى العودة لاستيائهم مما يعتبرونه سرقة للنفط من مناطقهم.