التاريخ: نيسان ٢٤, ٢٠١٩
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
استمرار التظاهر وقائد الجيش يتشبث بالخيار الدستوري وسجن أغنى رجل في الجزائر
قايد صالح هاجم الحراك وأعلن تمسكه بالرئيس المؤقت... وبتنظيم الرئاسية في موعدها
الجزائر: بوعلام غمراسة
بينما طوى حزب «جبهة التحرير الوطني»، صاحب الأغلبية بالجزائر، صفحة قائده معاذ بوشارب بتنظيم اجتماع طارئ لاختيار خليفة له، هاجم رئيس أركان الجيش قايد صالح، الحراك المعارض لرموز النظام من جديد، ورفض النزول عند مطالبه، المتمثلة في رحيل الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح، ورئيس الوزراء نور الدين بدوي، وإلغاء رئاسية الرابع من يوليو (تموز) المقبل.

وخلال المظاهرات التي عرفتها العاصمة الجزائرية أمس، وقف الناشطون بالحراك على قائد الجيش الذي خاطبهم من «الناحية العسكرية الأولى» (وسط)، كخصم سياسي عنيد، تملص من تعهدات سابقة قطعها، تتعلق بـ«التماهي مع كل مطالب الشعب». وقد ترقب قطاع واسع من الجزائريين منذ الجمعة الماضي رد فعل الضابط العسكري الكبير، على تمسك المتظاهرين بمطلب رحيل «بقايا النظام البوتفليقي»، لكن الجواب جاءهم أمس مخيبا للآمال.

وقال قايد صالح في كلمة نشرتها وزارة الدفاع، وتابعها عدد كبير من الضباط والجنود: «سجلنا ظهور بعض الأصوات التي لا تبغي الخير للجزائر، تدعو إلى التعنت والتمسك بالمواقف نفسها، دون الأخذ بعين الاعتبار كل ما تحقق، ورفض كل المبادرات ومقاطعة كل الخطوات، بما في ذلك مبادرة الحوار، التي تعتبر من الآليات الراقية التي يجب تثمينها، لا سيما في ظل الظروف الخاصة التي تمر بها بلادنا». في إشارة إلى المقاطعة الكبيرة التي شهدها «الاجتماع التشاوري»، الذي نظمته رئاسة الدولة أول من أمس، بغرض بحث إطلاق «هيئة مستقلة لمراقبة الانتخابات»، والتحضير لرئاسية شهر يوليو.

وبدا صالح متذمرا من عدم مشاركة أحزاب المعارضة، وبعض أحزاب الموالاة في اللقاء، ودعا إلى «استغلال كل الفرص المتاحة للتوصل إلى توافق في الرؤى، وتقارب في وجهات النظر، تفضي لإيجاد حلول للأزمة، في أقرب وقت ممكن، لأن استمرار هذا الوضع ستكون له آثار وخيمة على الاقتصاد الوطني، وعلى القدرة الشرائية للمواطنين، لا سيما ونحن على أبواب شهر رمضان الفضيل، وكل هذا يؤكد أن هذه الأصوات والمواقف المتعنتة تعمل على الدفع بالبلاد إلى فخ الفراغ الدستوري، والدخول في دوامة العنف والفوضى، وهو ما يرفضه أي مواطن مخلص لوطنه، ويرفضه الجيش الوطني الشعبي قطعا».

ويوجد إجماع لدى الطبقة السياسية، بمختلف انتماءاتها، على أن الحل الدستوري، الذي يدعمه الجيش، يبقي على رموز النظام الذين يرفضهم الحراك الثائر عليهم منذ شهرين كاملين. لكن قيادة الجيش متمسكة به وترفض الخروج عنه، ويتمثل في استمرار بن صالح رئيسا للدولة، خلفا للرئيس المستقيل، وفي تنظيم انتخابات في غضون ثلاثة أشهر من تاريخ استقالة بوتفليقة (2 أبريل «نيسان» الحالي). ويطالب الحراك بإطلاق «هيئة رئاسية» تتكون من شخصيات لا علاقة لهم بالنظام السابق.

وبحسب صالح، فإن الجزائر «طالما كانت عُرضة للمؤامرات الدنيئة لزعزعة استقرارها وتهديد أمنها، جراء مواقفها الثابتة وقرارها السيد الرافض لكل الإملاءات، وقد توصلنا إلى معلومات مؤكدة حول التخطيط الخبيث للوصول بالبلاد إلى حالة الانسداد، الذي تعود بوادره إلى سنة 2015».

ولم يذكر صالح ما هي «المؤامرات» ولا مصدرها. أما حديثه عن «الانسداد» الذي بدأ في 2015، فهو إشارة إلى عزل مدير المخابرات محمد مدين في هذا العام، وهو يحمله كل المشاكل السياسية، التي وقعت في البلاد. وقال بهذا الخصوص: «لقد تم كشف خيوط هذه المؤامرة وخلفياتها، ونحن نعمل بكل هدوء وصبر على تفكيك الألغام، التي زرعها أولئك الفاسدون المفسدون في مختلف القطاعات والهياكل الحيوية للدولة، وسيتم تطهير هذه القطاعات بفضل تضافر جهود جميع الخيّرين، ثم بفضل وعي الشعب الجزائري الغيور على وطنه، وجاهزية أبنائه وإخوانه في الجيش الوطني الشعبي المرابطين على ثغور الوطن، والحريصين على استرجاع هيبة الدولة ومصداقية المؤسسات وسيرها الطبيعي».

في غضون ذلك، أعلن قائد الجيش، الذي يعد حاليا القائد الفعلي للبلاد، صراحة أنه يقف وراء سجن المليارديرات الخمسة بتهم الفساد (يسعد ربراب والإخوة كونيناف الأربعة)، وقال بهذا الخصوص: «دعوت جهاز العدالة بأن يسرّع من وتيرة متابعة قضايا الفساد ونهب المال العام، ومحاسبة كل من امتدت يده إلى أموال الشعب، وفي هذا الصدد خاصة، أثمن استجابة جهاز العدالة لهذا النداء، الذي جسد جانباً مهماً من المطالب المشروعة للجزائريين، وهو ما من شأنه طمأنة الشعب بأن أمواله المنهوبة ستسترجع بقوة القانون وبالصرامة اللازمة». لكن مراقبين عدوا كلام صالح تدخلا في شؤون القضاء، يمنعه الدستور.

ورفض صالح بحدة، صور ملاحقة وزراء ومسؤولين حكوميين في الشارع من طرف عدد كبير من الأشخاص بدافع رفض كل رجال النظام، وذكّر بأن «التحريض على عرقلة عمل مؤسسات الدولة، ومنع المسؤولين من أداء مهامهم، تصرفات منافية لقوانين الجمهورية، لا يقبلها الشعب ولا الجيش، الذي تعهد بمرافقة هذه المؤسسات وفقا للدستور».

في سياق ذلك، أودع رئيس ومدير عام مجموعة «سيفيتال» يسعد ربراب، الذي يعتبر أغنى رجل في الجزائر، السجن ليل أول من أمس، إثر مثوله أمام النيابة في إطار تحقيق يتصل بمكافحة الفساد، وفق ما أفادت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية أمس.

وذكر التلفزيون الرسمي أنه تم توقيف ربراب (74 عاما) «للاشتباه بتورطه في التصريح الكاذب المتعلق بحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج»، إضافة إلى «شبهة بتضخيم فواتير استيراد عتاد مستعمل، رغم استفادته من امتيازات مصرفية وجمركية وضريبية».

من جهة ثانية، عقدت «اللجنة المركزية» لـ«جبهة التحرير» اجتماعا استثنائيا بالعاصمة، لاختيار أمين عام جديد، بعد تنحية «منسق الحزب» معاذ بوشارب، وهو في الوقت نفسه رئيس «المجلس الشعبي الوطني» (الغرفة البرلمانية الأولى). وسادت بداية اللقاء حالة من الفوضى، وتوتر الأعصاب بين مجموعة من المتنافسين، أشهرهم أحمد بومهدي وعبد الحميد سي عفيف وأحمد بدعيدة. واستمر الاجتماع إلى ساعة متأخرة لكن دون التوصل إلى اختيار أمين عام جديد.

إيداع رجل الأعمال الجزائري يسعد ربراب السجن إثر تحقيقات مالية

الجزائر: «الشرق الأوسط أونلاين»
أودع يسعد ربراب الذي يعتبر أغنى رجل في الجزائر، السجن مساء أمس (الاثنين)، إثر مثوله أمام النيابة في إطار تحقيق يتصل بمكافحة الفساد، وفق ما أفادت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية أمس (الثلاثاء).

وذكر التلفزيون الرسمي مساء أمس الأول (الاثنين) أنه تم توقيف ربراب (74 عاما) «للاشتباه بتورطه في التصريح الكاذب المتعلق بحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج»، إضافة إلى «شبهة بتضخيم فواتير استيراد عتاد مستعمل رغم استفادته من امتيازات مصرفية وجمركية وضريبية».

وكان رئيس ومدير عام مجموعة «سيفيتال» التي تعمل في مجال الإلكترونيات والفولاذ والأغذية قد نفى توقيفه في تغريدة موضحا أنه حضر فقط إلى مركز الشرطة على خلفية احتجاز السلطات معدات صناعية لشركته في ميناء الجزائر العاصمة، معتبرا أن هذا الاحتجاز غير قانوني.

ولم تعلق «سيفيتال» حتى الآن على توقيف مؤسسها.

وفي سياق متصل، بدأ آلاف الطلاب مظاهرة جديدة في وسط العاصمة الجزائرية اليوم الثلاثاء كما للمطالبة برحيل «النظام» ومحاسبة «العصابة»، غداة حبس رجال أعمال مهمين ومسؤولين سابقين في نظام الرئيس السابق بوتفليقة.

وردد الطلاب هتافات رافضة للانتخابات القادمة خلال مسيرتهم التي بدأت بالتجمع في ساحة البريد المركزي ثم احتلوا كل الشوارع المحيطة بها وخصوصا شارع ديدوش مراد حيث تقع جامعة الجزائر 1.

وابتعدت شاحنات الشرطة عن مكان المظاهرة وتمركزت خصوصا على الطريق المؤدية إلى مقر البرلمان على بعد 500 متر، بدون أن تتدخل.

اعتقال أشهر رجال الأعمال المرتبطين بحكم بوتفليقة بتهم فساد
غالبية الأحزاب قاطعت مشاورات الرئاسة تمهيداً للانتخابات المقبلة

الثلاثاء  23 أبريل 2019
الجزائر: «الشرق الأوسط»

بينما قال قضاة جزائريون لـ«الشرق الأوسط» إن المحاكم المدنية والعسكرية «مقبلة على معالجة أكبر فضائح فساد في الـ20 سنة الماضية»، تورط فيها رجال أعمال وجنرالات، كان لهم نفوذ كبير، حسبهم، خلال فترة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، جرى أمس اعتقال: «الإخوة كونيناف»، ملاك أكبر مجموعة للمقاولات، ويسعد ربراب أشهر مليارديرات الجزائر، في قضايا فساد أيضا.

وبث التلفزيون الحكومي أمس في نشرة أخبار منتصف النهار، أن «فصيلة التحريات التابعة للدرك الوطني بالجزائر العاصمة اعتقلت الرئيس المدير العام لمجمع سيفيتال (للصناعات الغذائية) أسعد ربراب، ورجال الأعمال الأشقاء كونيناف، وذلك للاشتباه في تورطهم في قضايا فساد».

وأفاد التلفزيون الحكومي بأن ربراب «محل شبهة تصريح كاذب، يتعلق بحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج، وتضخيم فواتير مرتبطة باستيراد تجهيزات، واستيراد عتاد مستعمل، رغم الاستفادة من الامتيازات الجمركية الجبائية والمصرفية. وسيتم تقديم المشتبه به أمام وكيل الجمهورية (ممثل النيابة) لدى محكمة سيدي امحمد بالعاصمة، فور الانتهاء من التحقيق».

وعرف ربراب بمعارضته لبوتفليقة. لكن ثروته زادت بشكل لافت خلال فترة حكمه، وذلك بفضل قروض حصل عليها من مصارف حكومية.

وأضاف التلفزيون الرسمي، الذي لا «يغامر» أبدأ بنشر مثل هذه الأخبار، من دون «أوامر فوقية» حسب مراقبين، أن قسم التحقيقات بالدرك اعتقل أيضا أربعة من الإخوة كونيناف، وعلى رأسهم رضا مسير المجموعة الاقتصادية التي تملكها العائلة، وذلك بشبهة «إبرام صفقات عمومية مع الدولة، دون الوفاء بالتزاماتهم التعاقدية، وكذا استغلال نفوذ الموظفين العموميين، للحصول على مزايا غير مستحقة». وأوضح التلفزيون أنه «سيتم تقديمهم أمام وكيل الجمهورية لدى محكمة سيدي امحمد فور الانتهاء من التحقيق». مؤكدا في ذات السياق أن «فصيلة التحريات للدرك الوطني تواصل تحقيقاتها الابتدائية ضد الكثير من رجال الأعمال، منهم من اتخذ القضاء بحقهم إجراءات المنع من مغادرة التراب الوطني». كما «سلمت استدعاءات إلى رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى، ووزير المالية محمد لوكال للمثول أمام وكيل الجمهورية لدى محكمة سيدي امحمد في قضية تتعلق بشبهة تبديد المال العام، وتقديم امتيازات غير مشروعة».

وذكر قاض برتبة مستشار، يشغل منصبا قياديا بـ«نادي قضاة الجزائر» (تنظيم نقابي حديث النشأة)، أن المحاكم «تلقت تعليمات صارمة من قيادة المؤسسة العسكرية لمتابعة أي شخص، مهما علا شأنه في الدولة، في حال وجود شبهة فساد ضده. وبلغني أن عائلة الرئيس السابق، وخاصة شقيقه (سعيد بوتفليقة) محل تحقيق في قضايا فساد واستغلال النفوذ، وأرجح اتهامه عن قريب».

لكن البرلماني محسن بلعباس، ورئيس حزب «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية»، ألقى شكوكا حول مصداقية التحقيقات بخصوص هؤلاء الأشخاص، وقال إن التحري حول الفساد المتفشي منذ عشرين سنة «يتطلب أن يستدعي القضاة كل المسؤولين، بداية من عبد العزيز بوتفليقة ومحمد مدين (مدير المخابرات سابقا) المدعو توفيق، وإلا ففي الأمر إن».

في ظل هذه الأجواء، باتت أوساط سياسية وإعلامية تبدي مخاوف من احتمال إطلاق حملة قضائية ضد كل من تقرب من بوتفليقة، وذلك «لإعطاء الانطباع بأن السلطة الحالية، مجسدة في قيادة الجيش، تسعى إلى تحقيق مطالب الشعب، المتمثلة في طي صفحة النظام السابق نهائيا».

في سياق متصل، ذكرت محكمة الاستئناف العسكرية بالبليدة (50 كلم جنوب العاصمة)، أمس، أن قاضي التحقيق العسكري أصدر أوامر بحبس اللواء باي سعيد، القائد السابق للناحية العسكرية الثانية (غرب)، واعتقال اللواء شنتوف حبيب، القائد السابق للناحية العسكرية الأولى (وسط)، بناء على تهمة «التلاعب بأسلحة وذخيرة حربية، ومنحها لأشخاص غير مؤهلين، ومخالفة التعليمات العامة العسكرية».

وقال مصدر قضائي لـ«الشرق الأوسط» إن رجل الأعمال المسجون علي حداد، المعروف بقربه من «جماعة الرئيس السابق»، حصل على سلاح كلاشنيكوف من أحد اللواءين. وقد ضبط السلاح بحوزته عندما اعتقل قبل 20 يوما بالحدود الجزائرية التونسية. وقد تعرض شنتوف وباي في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي للسجن. لكن أفرج عنهما مع ضباط كبار في قضية غامضة، وهم اللواء مناد نوبة، القائد السابق للدرك الوطني، واللواء عبد الرزاق شريف قائد الناحية العسكرية الرابعة (جنوب)، والمدير السابق للمصالح المالية بوزارة الدفاع اللواء بوجمعة بودواور. زيادة على ضابط في جهاز الشرطة بولاية وهران بغرب البلاد. وأشيع أن رئيس أركان الجيش الفريق قايد صالح، هو من أمر بسجنهم.

وقالت تقارير صحافية إن هؤلاء المسؤولين العسكريين، وضابط الشرطة، توبعوا بشبهة «استغلال الوظيفة والمنصب لتسهيل عمليات عقارية ضخمة»، لفائدة مستورد لحوم حمراء محبوس بتهم المتاجرة بالمخدرات الصلبة، يسمى كمال شيخي.

في غضون ذلك، قاطعت غالبية الأحزاب السياسية، أمس، جلسة مشاورات دعا إليها الرئيس الانتقالي عبد القادر بن صالح لتأسيس هيئة تنظيم الانتخابات الرئاسية المقررة في الرابع من يوليو (تموز) المقبل لاختيار خليفة عبد العزيز بوتفليقة. لكن لم يحضر رئيس الدولة افتتاح الجلسة كما كان مقررا، واكتفى بإرسال الأمين العام للرئاسة حبة العقبي، الذي قلل من أثر غياب المدعوين، بما أن «التشاور سيستمر مع الفاعلين السياسيين وخبراء القانون الدستوري ليس ليوم واحد فقط. هذه إرادة الدولة»

ورفض المتظاهرون تنظيم الانتخابات في الموعد، الذي حدده رئيس الدولة، وطالبوا برحيل كل رموز «النظام»، وأولهم بن صالح نفسه ورئيس الوزراء نور الدين بدوي. وبالنسبة للعقبي، فإن الانتخابات ستجري في «الموعد الذي أعلنه رئيس الدولة، وهو أمر فرضه الدستور»، الذي يحدد مهلة تنظيم الانتخابات بتسعين يوما من تاريخ تولي الرئيس الانتقالي السلطة، بعد استقالة بوتفليقة في الثاني من أبريل (نيسان) الجاري تحت ضغوط الشارع والجيش.