التاريخ: نيسان ١٥, ٢٠١٩
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
سكان شرق الفرات متخوفون من استعادة النظام السوري السيطرة على مناطقهم
القلق دفعهم إلى تحويل أموالهم لعملات أجنبية خشية النزوح
القامشلي (سوريا): كمال شيخو
ربما تبدو الحياة طبيعية في معظم أنحاء مدينة القامشلي الواقعة أقصى شمال شرقي سوريا، فالمعركة مع «تنظيم داعش» انتهت نهاية الشهر الماضي، والتهديدات التركية باتت جزءاً من المشهد اليومي، غير أن التوتر موجود في كل مكان يتصاعد مع سماع تصريحات المسؤولين السوريين، باستعادة جميع المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.

وقال شفان (56 سنة) صاحب مقهى شعبي يقع وسط المدينة، لا يبعد سوى أمتار قليلة عن المربع الأمني التابع للقوات النظامية الموالية للأسد: «أسمع من الزبائن أحاديث حول مصير المنطقة والكل يتملكه الخوف والقلق، فمصير شرق الفرات على صفيح من نار». وغلب الهمس على صوته وهو يقدم خدمات للزبائن من شاي ونرجيلة، بينما كانت العربات العسكرية تمر سريعاً بجانب المقهى، وأضاف: «يجب البحث عن مخرج لدرء نيران الحرب في بلد ممزق أصلاً، فالحل العسكري من شأنه أن يحرق الأخضر واليابس».

ومثل كثيرين، أعرب سيبان (26 سنة) الذي يعمل بالمقهى، خشيته من اندلاع القتال بين قوات النظام السوري و«قوات سوريا الديمقراطية» العربية الكردية المدعومة من تحالف دولي يضم 79 دولة غربية وعربية بقيادة أميركية، إذ يقول: «نعم أنا قلق بشأن مصير المنطقة، ماذا سيكون مصيرنا لا أحد يعلم، صراحة أخاف على أهلي وعملي، يجب على الأكراد أن يتوحدوا ويرسموا مستقبلهم بأنفسهم».

وفي معظم تقاطعات الشوارع الرئيسية والفرعية، انتشرت بسطات شعبية، وكانت الصيدليات والمخابز والمتاجر التي تبيع الأجهزة الإلكترونية والأثاث تعج بالزبائن، مثلما هو الحال في مركز المدينة. وينقل سرخبون (42 سنة) الذي يمتلك شركة لتحويل وصرف العملات، أنّ الكثير من سكان المدينة وبعد ارتفاع نبرة المسؤولين السوريين تجاه مناطق شرق الفرات «قاموا بتحويل أموالهم إلى عملات أجنبية خشية نزوحهم إلى مناطق ثانية»، ولم يخف سرخبون خشية سكان المنطقة من نيران الحرب، منوهاً: «نشاهد ماذا يحدث في باقي المناطق وكيف يعيش النازحون تحت خيم النزوح واللجوء».

وما زالت الدوائر الحكومية مفتوحة بالقامشلي وكذلك المطار الوحيد العامل فيها، كما لا تزال المدارس مفتوحة تدرس المنهج الحكومي ضمن المربع الأمني، باستثناء تلك التي باتت ضمن مناطق سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية»، التي تدرس مناهج مختلفة عن الكتاب الرسمي.

ومنحَ انسحاب النظام السوري من مناطق كثيرة نهاية 2012 الأكراد الذين يشكلون 15 في المائة من نسبة السكان، فرصة تشكيل إدارات ذاتية في مناطق شمال شرقي البلاد وتعزيز موقعهم، ولعبوا دوراً كبيراً في محاربة «تنظيم داعش» بدعم من التحالف الدولي، وأعادوا إحياء لغتهم وتراثهم وتدريس منهج كردي في المدارس الخاضعة لنفوذهم.

وتباينت الآراء والمواقف بين سكان القامشلي، فالبعض لم يخف خشيته من عودة الأجهزة الأمنية للنظام، بينما يرى آخرون أنّ الحرب ستكون كارثية على الجميع وستجلب الفوضى والدمار، وتشرح المدرسة نازدار (30 سنة) التي كانت تتبضع في سوق المدينة، مستشهدة بتجربة مدينة عفرين ومناطق درع الفرات بريف حلب الشمالي وإدلب غرب سوريا، لتقول: «ماذا فعلت الحرب هناك غير فوضى السلاح والخراب والنزوح، يجب البحث عن جميع الفرص للخلاص من شبح الحرب».

وعبّر البعض ممن قرروا البقاء ولم يغادروا المدينة، عن تأقلمهم التام مع الوضع، على الرغم من نقص الخدمات وتوقف خدمات دوائر الحكومة. يقول نيجرفان البالغ من العمر (35) عاماً الذي كان يجلس أمام بسطة شعبية يمتلكها في سوق المدينة، ممسكا بجهاز هاتف محمول يتابع الأخبار: «لست خائفاً ولا متوتراً، فالحياة مستمرة و8 سنوات كانت كافية للتأقلم مع تقلبات الوضع الميداني».

وعَقَد ممثلو «مجلس سوريا الديمقراطية» الذراع السياسية لـ«سوريا الديمقراطية» منتصف العام الماضي، محادثات رسمية مع مسؤولين أمنيين تابعين للنظام السوري، بطلب من الأخير. وجاءت المحادثات بعد تهديدات الرئيس السوري بشار الأسد لـ«سوريا الديمقراطية»: «إمَّا الجلوس إلى طاولة المفاوضات وإما الحسم العسكري»، وذلك عبر مقابلة تلفزيونية بُثَّت، بداية يونيو (حزيران) 2018.

رياض درار الرئيس المشترك لـ«مجلس سوريا الديمقراطية»، كشف لـ«الشرق الأوسط»، أنّ مسؤولي الولايات المتحدة الأميركية وبعد إجراء المحادثات مع النظام: «تساءلوا باستغراب عن جدوى هذه اللقاءات، فقلنا لهم، إننا نعيش في بلد واحد، ونسعى للمشاركة في النشاط السياسي العام، وفي حال التوصل لتسوية سياسية، يجب أن نكون شركاء فيها». وأضاف: «آنذاك، أدركوا ما قلنا لهم، وقالوا لنا إننا أحرار في اتخاذ الشكل الأنسب لعقد لقاءات مع النظام».

وفي حال أُبرم الاتفاق بين ممثلي «مجلس سوريا الديمقراطية» والحكومة السورية، فسيعني ذلك، توحيد أكبر منطقتين في بلد مزقته نيران الحرب منذ ربيع 2011. وسيترك منطقة واحدة في شمال وغرب البلاد في أيدي فصائل من المعارضة السورية، وأخرى إسلامية مناهضة للأسد ومدعومة من تركيا.

واعتبر بدران جيا كُرد عضو المجلس التنفيذي لـ«حركة المجتمع الديمقراطي»، إحدى أبرز الجهات السياسية التي تدير مناطق شرق الفرات، أنّ روسيا كانت قادرة على لعب دور الوسيط الإيجابي بين الإدارة الذاتية ودمشق، وقال: «لكن بسبب علاقاتها مع تركيا، أوقفت تلك المفاوضات».

ويعزو المسؤول الكردي توقف المفاوضات إلى وجود تفاهم تركي روسي. وقال: «موسكو أبلغت النظام بوقف المفاوضات، وإلى الآن لم نعقد أي لقاءات. يبدو أن موسكو لا تنظر إلى اجتماعاتنا مع دمشق من منظور استراتيجي، إنما من منظور مرحلي من أجل الحصول على تنازلات من تركيا».

ولفت جيا كُرد إلى أن ممثلي الإدارة الذاتية تم إقصاؤهم من لجنة إعادة صياغة الدستور السوري، مؤكداً رفض أي دستور ليسوا مشاركين في صياغته، وقال: «إقصاؤنا له مؤشران، الأول محاولة تقسيم سوريا، أما الثاني لإطالة أمد الأزمة وكسب الوقت لإقناع الأطراف بقبول الدستور القديم»، مشيراً في نهاية حديثه، إلى أن هذه المحاولات لن تفضي إلى حل الأزمة السورية، وقال: «يجب مشاركة كل الأطراف في هذه المرحلة بقرار واتفاق بين جميع السوريين، فروسيا وإيران وتركيا تسعى، مجتمعة، لوضع دستور للبلد من دون مشاركة السوريين أنفسهم في صياغته».