التاريخ: آذار ١١, ٢٠١٩
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
استئناف آخر المعارك في الباغوز بعد انتهاء «مهلة استسلام داعش»
{قوات سوريا الديمقراطية}: لم يخرج أي مدني منذ السبت
حقل العمر النفطي (سوريا): «الشرق الأوسط»
استُأنفت المعارك على الجيب الأخير لتنظيم «داعش» في بلدة الباغوز، شرق سوريا، بعيد إعلان «قوات سوريا الديمقراطية» أن مهلة «استسلام» مقاتلي التنظيم قد انتهت، وفق ما أعلنه متحدثان باسمها.

وقال مدير المركز الإعلامي لـ«قوات سوريا الديمقراطية»، مصطفى بالي، إن ضربات جوية استهدفت مخازن ذخيرة لتنظيم «داعش»، في الوقت الذي بدأت فيه القوات هجوماً على آخر جيب للمتشددين في الباغوز، قرب الحدود العراقية. وأضاف بالي، في سلسلة تغريدات مساء أمس على «تويتر»، أن الهجوم بدأ الساعة السادسة (بتوقيت سوريا)، وأضاف أن «الاشتباكات المباشرة عنيفة».

وكانت «قوات سوريا الديمقراطية» قد أعلنت، في وقت سابق (الأحد)، أن مهلة «استسلام» مقاتلي التنظيم في شرق سوريا قد انتهت، مؤكدة أن الهجوم ضد الجيب المحاصر سيبدأ «في أي لحظة»، بعد إجلاء آلاف الأشخاص منذ مطلع الأسبوع.

وصرح مصطفى بالي، لـ«رويترز»، بأنه «لم يخرج أي مدني من الجيب منذ أمس (أول من أمس السبت)، وقواتنا لم تلاحظ وجود أي مدنيين». وقال بالي، في تغريدة: «مهلة استسلام (داعش) قد انتهت، وقواتنا تلقت الأوامر بالتحرك العسكري للقضاء على ما تبقى من إرهابيين في الباغوز». وأشار المتحدث باسم «قوات سوريا الديمقراطية»، على «تويتر»، إلى أن الآلاف من أعضاء تنظيم «داعش» استسلموا الشهر الماضي.

وعلى بعد عشرات الأمتار من آخر نقطة لـ«قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز، تتصدّر راية تنظيم «داعش» السوداء والبيضاء مبنى اخترق الرصاص جدرانه. وفي محيطه، يتجول بضعة رجال يُرجح أنهم مقاتلون ونساء منتقبات بين خيم عشوائية. ومن نقطة متقدمة لـ«قوات سوريا الديمقراطية» في البلدة، تمكن فريق من «وكالة الصحافة الفرنسية» من معاينة الجيب الأخير للتنظيم المتطرف الواقع إلى جانب نهر الفرات.

ويقول المقاتل أحمد سيان (24 عاماً) في المكان لفريق الوكالة: «نحن الآن في مخيم الباغوز، نبعد عشرات الأمتار عن (داعش)، هذه أقرب نقطة نصل إليها»، بينما يشير بيده إلى رجال بلباس رملي اللون، مرجحاً أن يكونوا من مقاتلي التنظيم.

ويضيف المقاتل الأسمر البشرة ذو اللحية الكثة: «مع شروق الشمس، يحاول المدنيون التقدم، إنما هناك قناص (من التنظيم) يحاول استهدافهم، فيعودون إلى الخلف»، ملمحاً إلى أن مقاتلي التنظيم يريدون منع المدنيين من الخروج كلهم من البقعة المحاصرة.

وتمكنت «قوات سوريا الديمقراطية»، نهاية الأسبوع الماضي، من التقدم والسيطرة على جزء صغير من المخيم المحاط بأراضٍ زراعية، قبل أن توقف عملياتها، بهدف خروج مزيد من المدنيين المحاصرين مع مقاتلي التنظيم. ويضيف سيان: «تمكنّا من سحب بعض المدنيين من المخيم ورحلناهم (...)، وأمسكنا (مقاتلاً) إماراتياً حاول اليوم (السبت) التسلل إلينا، لكننا قمنا بالالتفاف حوله».

وتوقف القتال على خطوط الجبهة منذ أسبوع، بعدما أبطأت «قوات سوريا الديمقراطية» وتيرة عملياتها.

وفي المكان الذي تفقده فريق الوكالة الفرنسية، يمكن رؤية آثار مما تركه عناصر التنظيم وعائلاتهم على الأرجح في الخيم التي أخلوها، على وقع تقدم خصومهم.

وداخل إحدى الخيم، لا تزال قدور ومدفئة وحقائب موجودة على الأرض، وقربها رماد من بقايا نيران استخدمت للطبخ، بالإضافة إلى حفر لا يتخطى عمقها المتر، تحيط بها أغطية من كل جانب، كان يتخذها المحاصرون ملجأً لهم. ويحوم الذباب في المكان: منشار مرمي هنا، وكنزة طفل زرقاء اللون هناك، وغسالة معطلة، وموقد على الحطب، فضلاً عن أشرطة كهربائية ودواليب وقدور طبخ. ويتخذ مقاتلو «قوات سوريا الديمقراطية» من مبنى صغير في المخيم مقراً لهم، يبدو أنه كان عبارة عن مستشفى ميداني استخدمه التنظيم، إذ يحوي كثيراً من الأدوية والمعدات الطبية.

وبين الخيم المهجورة أيضاً خنادق وثياب مرمية على الأرض أو معلقة على الشجر المحترق، وذخيرة وبقايا رصاص وقذائف وأحزمة ناسفة، فضلاً عن عربات أطفال وحاسوب. وخرج عشرات الآلاف من النساء والأطفال والرجال منذ ديسمبر (كانون الأول) من جيب التنظيم في شرق سوريا، حيث فرّ بعضهم من المعارك والحصار، وتمّ إجلاء البعض الآخر في حافلات وشاحنات. وفي كل مرة كانت تخرج دفعة جديدة من آلاف الأشخاص، كانت «قوات سوريا الديمقراطية» تظن أن إطلاق هجومها الأخير بات قريباً، وأن انتهاء «داعش» أصبح وشيكاً، ليتضح بعدها أن آلاف المدنيين والمقاتلين لا يزالون في الداخل.

ويعلو الدخان الأسود من منطقة سيطرة التنظيم في المخيم، ويرجح أحد المقاتلين أن يكون ناجماً عن إقدام التنظيم على حرق الإطارات. وبعد وقت قصير، يتردد دوي انفجار لا يتضح ما إذا كان ناجماً عن تفجير لغم أرضي أو سقوط قذيفة. ورغم توقف المعارك، تدور اشتباكات متقطعة بين الحين والآخر، مع استهداف «قوات سوريا الديمقراطية»، والتحالف الدولي بقيادة واشنطن، بالغارات والمدفعية، تحركات عناصر التنظيم.

وقرب آخر نقطة تتمركز فيها «قوات سوريا الديمقراطية»، شاهد صحافيون من وكالة الصحافة الفرنسية هياكل آليات محترقة، يعود أحدها لشاحنة ضخمة، ويقول مقاتلون إنها كانت عبارة عن مستودع ذخيرة تمّ تفجيره قبل 10 أيام، وتسبب باندلاع نيران استمرت يومين كاملين. ويقول شيفان الحسكة، وهو مقاتل في «قوات سوريا الديمقراطية» في العشرينات من عمره: «في كل مكان نتقدم إليه، نجد حزاماً ناسفاً أو اثنين، لكنني في هذا المكان عثرت وحدي على 10 إلى 15 حزاماً ناسفاً بأحجام مختلفة».

ويحذر مقاتلو «قوات سوريا الديمقراطية» من الألغام المزروعة في كل مكان. ويروي مقاتلون أنهم حين دخلوا إلى هذا الجزء من المخيم، وجدوا «أسلحة وذخيرة وجثث دواعش». ويشير أحدهم إلى حفرة وُضع داخلها خزان مياه، وتحيط بها سجادة محترقة، قائلاً: «كانوا يخبّئون أسلحتهم هنا».

وبات مقاتلو «قوات سوريا الديمقراطية» اليوم مرتاحين لانتصارهم القريب، آملين في أن تنتهي المعركة بسرعة بعد انتهاء خروج المدنيين، سواء عبر استسلام مقاتلي التنظيم أو هجوم عسكري.

وبينما يسود الهدوء، يبدأ أحد مقاتلي «قوات سوريا الديمقراطية» بغناء موال شعبي، يردد فيه «إذا ذاب القلب، وين أضمك؟».

ويقول مقاتل آخر اسمه شيفان: «لم يعد لديهم إلا المخيم، لقد خسروا (...) المعركة محسومة، وباتوا خاضعين للأمر الواقع».