التاريخ: كانون ثاني ١٢, ٢٠١٩
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
إعادة تموضع أميركية «تستنفر» روسيا وتركيا
بيروت - واشنطن - لندن: «الشرق الأوسط»

بدأ الجيش الأميركي إعادة تموضع قواته شرق سوريا وسحب بعض المعدات إلى شمال العراق، الأمر الذي قوبل بـ«استنفار» كل من روسيا وتركيا.

وقال مسؤولان في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) الجمعة إن الولايات المتحدة بدأت سحب بعض المعدات وليس القوات من سوريا، في إطار قرار الرئيس دونالد ترمب الانسحاب التدريجي. وأشارا إلى أن عدد القوات الأميركية قد يزيد فعليا بشكل طفيف في سوريا من أجل المساهمة في تأمين العملية النهائية للانسحاب.

من جهتها، قالت الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إن تنفيذ نيات واشنطن الانسحاب من سوريا سيكون خطوة صحيحة، لكنها شككت في خطط واشنطن.

وأضافت أنه يتعين نقل السيطرة على الأراضي التي تنتشر فيها القوات الأميركية إلى دمشق. وقالت زاخاروفا «في هذا الشأن يكون لبدء حوار بين الأكراد ودمشق أهمية خاصة».

وأفادت وكالة «الأناضول» أن الجيش التركي أرسل قافلة وحدات القوات الخاصة ومركبات مدرعة إلى الحدود مع سوريا.

في السياق نفسه، أثارت تصريحات نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، وإمكانية «الحوار» مع الأكراد، انقساماً بين الجماعات الكردية.

وإذ رحّبت حركة المجتمع الديمقراطي، أبرز الكيانات السياسية التي تدير الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا، بالخطوة، شدد المجلس الوطني الكردي المعارض، أن المحادثات أحادية الجانب، وليسوا معنيين بنتائجها.

«إعادة تموضع»

قال المتحدث باسم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم «داعش» إن التحالف بدأ عملية انسحاب من سوريا، في إشارة إلى بدء انسحاب القوات الأميركية الذي شابته رسائل متضاربة من مسؤولين أميركيين، في وقت أوضحت فيه وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) حصول إعادة تموضع لقواتها شرق الفرات.

وأعلن الرئيس دونالد ترمب، الشهر الماضي، عزمه سحب القوات الأميركية من سوريا البالغ قوامها 2000 فرد، وهو ما فاجأ الحلفاء الذين انضموا إلى واشنطن في قتال تنظيم «داعش» بسوريا.

وأحدث القرار المفاجئ صدمة أيضاً بين كبار المسؤولين الأميركيين، ومنهم وزير الدفاع جيم ماتيس الذي استقال من منصبه احتجاجاً على ذلك.

وقال الكولونيل شون رايان إن التحالف «بدأ عملية انسحابنا المدروس من سوريا، حرصاً على أمن العمليات، لن نعلن جداول زمنية أو مواقع أو تحرّكات محددة للقوات».

وذكرت وكالة الإعلام الروسية أن روسيا، قالت، أمس (الجمعة)، إن لديها انطباعاً بأن الولايات المتحدة تريد البقاء في سوريا رغم الإعلان عن سحب القوات.

وقال سكان قرب معابر حدودية مع العراق عادةً ما تستخدمها القوات الأميركية في الدخول والخروج من سوريا إنهم لم يروا تحركات واضحة أو كبيرة للقوات البرية الأميركية، أمس (الجمعة).

وأضاف هذا القرار المزيد من الغموض على الحرب السورية المستمرة، منذ نحو ثمانية أعوام، وسلسلة من الاتصالات بشأن كيفية ملء الفراغ الأمني في أعقاب انسحاب القوات الأميركية من المناطق التي تتمركز بها في شمال وشرق سوريا.

فمن ناحية، تهدف تركيا إلى شنّ حملة ضد القوات الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة، ومن ناحية أخرى يرى الجيش السوري المدعوم من روسيا وإيران فرصة لاستعادة مساحة ضخمة من الأراضي.

وأشار مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، الثلاثاء، إلى أن حماية الأكراد حلفاء واشنطن ستكون شرطاً مسبقاً للانسحاب الأميركي، وهو ما دفع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لتوبيخه ووصف تعليقاته بأنها «خطأ فادح».

وقال بولتون، أمس (الجمعة)، إن المحادثات بين مسؤولين عسكريين أميركيين ونظرائهم الأتراك حول الأكراد وسوريا ستتواصل، الأسبوع المقبل، على أمل التوصل إلى نتائج مقبولة من البلدين.

وأضاف بولتون في مقابلة إذاعية أن الرئيس دونالد ترمب، ووزير الخارجية مايك بومبيو يدركون أن تركيا ملتزمة بـ«عدم الإضرار بالأكراد الذين قاتلوا معنا ضد تنظيم (داعش)».

وكان بومبيو، الذي يقوم بجولة في الشرق الأوسط لطمأنة الحلفاء بشأن التزام واشنطن بأمن المنطقة، قال، أول من أمس (الخميس)، إن الانسحاب لن يتوقف رغم التهديدات التركية.

واتجهت الجماعات الكردية التي تسيطر على شمال سوريا إلى موسكو ودمشق، على أمل إبرام اتفاق سياسي يردع تركيا ويحمي حكمهم الذاتي في الشمال.

وتعتبر تركيا وحدات حماية الشعب الكردية التي تدعمها واشنطن امتداداً لحزب العمال الكردستاني، الذي يشنّ تمرداً منذ 34 عاماً في تركيا لانتزاع حقوق سياسية وثقافية للأكراد في المناطق الجنوبية الشرقية قرب سوريا.

وقال مسؤول كردي كبير لـ«رويترز»، الأسبوع الماضي، إن الأكراد عرضوا على موسكو خريطة طريق لاتفاق مع دمشق. وقال نائب وزير الخارجية السوري، الأربعاء، إنه متفائل بشأن استئناف الحوار مع الأكراد.

ورحب جان إيف لو دريان وزير خارجية فرنسا، المشاركة في التحالف بقيادة الولايات المتحدة، بما يعتقد أنه إبطاء للانسحاب الأميركي بعد ضغوط من حلفاء واشنطن.

وقال في مقابلة تلفزيونية الخميس: «قالوا إن الانسحاب سيتم بطريقة أبطأ... وذلك على الأرجح نتيجة الضغوط المتنوعة التي ربما حدثت، بما في ذلك من فرنسا. تحدث الرئيس ماكرون معه (ترمب) عدة مرات ويبدو أن هناك تغييراً أعتقد أنه إيجابي».

وفي اعتراف نادر بأن القوات الفرنسية موجودة أيضاً في سوريا، قال وزير الخارجية الفرنسي إنها ستغادر عندما يتم التوصل إلى حل سياسي في البلاد.

وأضاف دون خوض في تفاصيل: «من الواضح أننا سننسحب عندما يكون هناك حل سياسي».

من جهته، أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بأن القوات التي انسحبت من ريف الحسكة الشمالي الشرقي، نحو الجانب العراقي «هي قوات أميركية مؤلفة من 10 آليات، مع فرق لهندسة الألغام، برفقة 150 عنصراً، انسحبت من قاعدة رميلان العسكرية التي تضم مهبطاً للطائرات المروحية، والتي كانت من أوائل القواعد العسكرية التي أُنشِئت للتحالف الدولي على الأراضي السورية، بعد تدخلها العسكري في سوريا في 23 سبتمبر (أيلول) 2014».

وأكدت مصادر أن «عمليات انسحاب مماثلة، من المرتقب أن تجري خلال الأيام والأسابيع المقبلة، على شكل مجموعات صغيرة، ستنسحب بشكل متتالٍ من عدة قواعد ومواقع للقوات الأمريكية في شرق نهر الفرات». كذلك علم «المرصد» أن الأراضي التي بُنِيت عليها القواعد الأميركية، جرى شراؤها من أصحابها المدنيين سابقاً، بمبالغ مضاعفة دُفِعت لهم، وجرى تحصين القواعد بشكل كبير، سواء من ناحية البناء أو من الناحية اللوجيستية والأمنية وغيرها من الجوانب العسكرية.

ورصد قيام التحالف الدولي بإقامة 21 قاعدة مختلفة على الأقل، في مناطق بشرق الفرات ومنطقة منبج في القطاع الشمالي الشرقي من ريف حلب، عند الضفة الغربية للنهر، ومن ضمن هذه القواعد 6 قواعد كبرى، وتوزعت هذه القواعد في منطقة عين العرب (كوباني)، خراب عشك، منبج في محافظة حلب، وعين عيسى، الرقة، الطبقة وتل ركبة والجيب بمحافظة الرقة، والشدادي والهول وتل تمر وتل بيدر ورميلان في محافظة الحسكة، وحقل العمر النفطي والبحرة في ريف دير الزور.