التاريخ: تشرين الثاني ٨, ٢٠١٨
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
القانون السوري الرقم 10 باقٍ... مصادرة الاملاك مستمرة وإثبات الملكية عقدة العقد!
موناليزا فريحة
في 18 تشرين الاول الماضي، خرج مستشار الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية يان إيغلاند من اجتماع دوري في جنيف للأزمة السورية ليعلن أن روسيا أبلغت الى المجتمعين أن نظام الرئيس السوري بشار الأسد سحب القانون الرقم 10 المثير للجدل والذي يجيز له مصادرة أراضي اللاجئين وعقاراتهم. في حينه شكك خبراء في الكلام المنسوب الى المسؤول الروسي. وحتى أن النظام السوري نفسه نفي حصول ذلك. واليوم، نشرت صحيفة "الوطن" السورية أن مجلس الشعب وافق على تعديل مواد في القانون الرقم 10 الخاص بتنظيم الوحدات الإدارية في المحافظات ليشمل تمديد المهلة المطلوبة لتقديم الوثائق الخاصة بإثبات الملكية من شهر إلى سنة واحدة، واتاحة الاعتراض على أحكام اللجنة المكلفة بتطبيق القانون أمام القضاء العادي بعد انتهاء أعمالها، الامر الذي ينسف الكلام الروسي، ويثير تساؤلات عن خلفياته.

وكان نظام الأسد أصدر القانون الرقم 10 في الثاني من نيسان الماضي، وقضى بالسماح بإنشاء مناطق تنظيمية في جميع أنحاء سوريا، مخصصة لإعادة الإعمار.

ولا يحدد القانون معايير لتصنيف المنطقة كمنطقة تنظيمية، أو جدولاً زمنياً لتعيين المناطق. بدل ذلك، تُعيَّن المناطق كمناطق تنظيمية وفق مرسوم. وخلال أسبوع من صدور المرسوم القاضي بإعادة إعمار منطقة ما، على السلطات المحلية طلب قائمة بأصحاب العقارات من الهيئات العقارية الحكومية العاملة في تلك المنطقة. وعلى الهيئات تقديم القوائم في غضون 45 يوما من تلقيها طلب السلطات المحلية.

وصدر القانون تزامناً مع فرض روسيا ونظام الأسد اتفاقات "مصالحة" في الغوطة الشرقية وأحياء جنوب دمشق، وفسره قانونيون سوريون بأنه يهدف الى مصادرة أملاك المهجَّرين والنازحين غير القادرين على العودة إلى مناطقهم الخاضعة لسيطرة النظام. وقد أثار انتقادات واسعة، وخصوصاً من الدول التي استقبلت لاجئين سوريين على اعتبار أنه يهدف إلى منع السوريين المعارضين مِن العودة إلى سوريا.

وفنّدت منظمة "هيومان رايتس ووتش" العوائق الناجمة من القانون والتي ستمنع المالكين من المطالبة بعقاراتهم، قائلة إن المتطلبات الإجرائية الواردة فيه مقترنة بالسياق السياسي، ستوفر إمكانات كبيرة لإساءة التوظيف والمعاملة التمييزية لنازحي وقاطني مناطق كانت تحت سيطرة الجماعات المناهضة للحكومة.

ودُمر العديد من سجلات الأراضي السورية خلال النزاع، علماً أن 50 في المئة فقط من الأراضي كانت مسجلة رسمياً حتى قبل الحرب.

وسيكون النازحون،  وخصوصاً الفارين من مناطق تعتبر معادية للحكومة، أكثر عرضة لمصادرة عقاراتهم بموجب القانون الرقم 10. فوفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين، نزح أكثر من 11 مليون سوري أو لجؤوا إلى دول مضيفة منذ بداية الصراع السوري. ولن يتمكن نازحون سوريون كُثر من العودة إلى عقاراتهم لتقديم لطلبات بأنفسهم.

واعتبرت في حينه  مدة 30 يوما المحددة لتوكيل قريب أو وكيل قانوني لتقديم المطالبة بالنيابة عنه فترة قصيرة لكثيرين، وخصوصاً أن 70 بالمئة من اللاجئين يفتقرون إلى وثائق التعريف الأساسية بحسب "المجلس النرويجي للاجئين". هذه الوثائق ضرورية لتقديم طلب إثبات ملكية ولتعيين وكيل معترف به قانونا.

الى ذلك، سيكون مستحيلاً على الآلاف الذين اختفوا قسرا أثناء النزاع المطالبة بممتلكاتهم. ولن يتمكن هؤلاء من تقديم طلبات إثبات الملكية بأنفسهم أو تعيين وكيل معترف به قانونا. ولن يتمكن أقاربهم، في عديد من الحالات، أن يظهروا لماذا لا يستطيع المالكون تقديم الطلب بأنفسهم. وربما لا يمتلك أقارب الأشخاص رهن الاحتجاز المستندات اللازمة لإثبات وفاة الشخص، وبما أن العقار لا يزال مملوكا للشخص المفقود، فلن يستطيعوا تقديم طلب لإثبات الملكية.

الى ذلك، يشكل شرط التصريح الأمني لوكيل محلي لمالك العقار المسافر أو الذي لا يعرف مكان وجوده عائقاً، إذ من المستبعد أن يرغب سكان المناطق التي كانت تسيطر عليها الجماعات المناهضة للحكومة بالتقدم للحصول على تصريح أمني أو التمكن من ذلك.

منذ إصدار القانون، تحرّكت الأمم المتحدة وعدد مِن الدول الأوروبية، وفي مقدمها ألمانيا مِن أجل الضغط على روسيا، الداعم السياسي والعسكري الأبرز لنظام الأسد لإجبار النظام على وقف العمل بهذا القانون. واعتبر تصريح إيغلاند نجاحاً لتلك الضغوط على روسيا.

ولكن ما نشرته صحيفة "الوطن" السورية يؤكد أن القانون لم يسحب، وإنما عدل، وأن التعديل بسيط ولا يغير شيئاً في التبعات السلبية للنظام والهدف من ورائه.

وينص التعديل الذي أقره مجلس الشعب الثلثاء أن الفقرة 2 من المادة 6 من القانون تصبح: تدعو الوحدة الإدارية خلال شهر من صدور مرسوم إحداث المنطقة المالكين وأصحاب الحقوق العينية فيها غير المثبتة في السجل العقاري أو في الجهات الأخرى المخولة قانوناً مسك سجلات الملكية بإعلان ينشر في صحيفة محلية وفي إحدى وسائل الإعلام المرئية والمسموعة وفي الموقع الإلكتروني لها وفي لوحة إعلانات المنطقة للتصريح بحقوقهم. وعلى هؤلاء وكل من له علاقة بعقارات المنطقة التنظيمية أصالة أو وكالة أن يتقدم إلى الوحدة الإدارية خلال سنة من تاريخ الإعلان بطلب يعين فيه إقامته المختار ضمن الوحدة الإدارية مرفقاً بالوثائق والمستندات المؤيدة لحقوقه أو صور عنها إن وجدت وفي حال عدم وجودها عليه أن يذكر في طلبه المواقع والحدود والحصص والنوع الشرعي والقانوني للعقار أو الحقوق التي يدعي بها وجميع الدعاوى المرفوعة له وعليه.

بين سوريا وروسيا

ويفسر الديبلوماسي السوري السابق بسام بربندي التناقض بين التصريح الروسي والفعل السوري، بأن النظام يحاول دائما اظهار استقلالية بقراراته و ان كانت تتناقض مع الروسي . ومع ذلك، يرى أن هذا التناقض يفيد الروسي والنظام، إذ يمكّن موسكو من القول للأميركيين أن قدرتهم على الضغط على النظام محدودة، وأنه ليس لعبة في ايديهم، وبالتالي يمكنهم رفع سقف مطالبهم مع الاميركيين او الاوروبيين

ولن يغير التعديل كثيراً، وخصوصاً مع إضافة فقرة في المادة السادسة ذاتها، تنص على أنه تعد الحقوق المدونة في قيود الدوائر العقارية أساساً لعمل اللجان القضائية المنصوص عليها في هذا القانون وتراعى تلك الحقوق خلال أعمال اللجان في التقدير وحل الخلافات والتوزيع.

فتلك الحقوق تحديداً هي عقدة العقد في سوريا حالياً. وقد أظهرت دراسة المجلس النروجي للاجئين العدد الكبير من مطالبات الملكية التي تفتقر الى التوثيق لعدد من الاسباب، بما فيها فقدانها بسبب التهجير والتقاليد التاريخية التي تحكم نقل  الاملاك داخل العائلات.

ففي عام 2016، أجرى المجلس لقاءات مع 580 لاجئاً سورياً في الاردن ولبنان والعراق لتقويم حقوقم في هوية قانونية، إضافة الى وضع ممتلكاتهم ومساكنهم داخل سوريا، فوجد أنه نتيجة طبيعة التهجير والاطار القانوني المعقد في كل من سوريا والدول المضيفة، يفتقر 70 من المئة من اللاجئين الى وثائق لتحديد الهوية والممتلكات الأساسية، وهو ما سيؤثر على قدرتهم على المطالبة بحقوقهم وووسائل الحماية، في كل من الدول المضيفة وسوريا عندما يعودون اليها.

ولعل ما يحصل حالياً يمثل نموذجاً لما ينتظر السوريون عند عودتهم الى بلادهم. فعلى رغم الحديث عن المصالحات، ينسب الباحث في معهد "تشاتهام هاوس" حايد حايد الى مصادر حكومية أن وزارة المال صادرت عام 2017 أملاك نحو 40 الف مقاتل من المعارض بذريعة انخراطهم في "نشاطات ارهابية". وتوقع أن يكون العدد أكبر عام 2018.

وأورد موقع "نداء سوريا" أن المخابرات الجوية طالبت قبل أيام قاطني مساكن الباردة قرب مدينة الكسوة بريف دمشق الغربي بتوثيق إقامتهم في المنازل والحصول على موافقة أمنية، وهددت المتخلفين بإجبارهم على الإخلاء، وأقامت دوريات تابعة لشعبة الأمن العسكري وفرع المخابرات الجوية غرف مبيت وسط المنطقة لإجراء إحصاء دقيق للمقيمين؛ بالإضافة إلى توثيق السكان و منحهم الموافقات على الإقامة التي من المقرر أن تبدأ خلال الأيام القليلة القادمة . ومن المتوقع أن تشمل هذه الحملة قريباً مناطق أخرى من ريف دمشق كالتل ومعربا وبرزة.