التاريخ: تشرين الأول ٨, ٢٠١٨
المصدر: جريدة الحياة
تناقض معايير باسيل لا يعكس التسهيل الحكومي وبري و «حزب الله» تبلغا اعتراض دول على «الصحة»
بيروت - وليد شقير
رد الفعل الأولي على المواقف التي أعلنها رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل عن معايير تشكيل الحكومة وحصص الفرقاء، والسجال الذي عاد وتصاعد بينه وبين حزب «القوات اللبنانية»، كانت أنه أعاد الأمور إلى نقطة الصفر، كما قال رئيس البرلمان نبيه بري، ما ترك انطباعاً بأن أجواء التفاؤل التي أشاعها الرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري بإمكان تحقيق اختراق في جدار الأزمة، تبددت.

إلا أن مصدراً سياسياً متابعاً لآخر المعطيات حول حلحلة عقد تأليف الحكومة، اعتبر أن كلام باسيل تضمن لغتين متناقضتين حول العقد التي تعترض التأليف. لغة يبدي فيها إيجابية «تجاه رئيسي الجمهورية والحكومة» كما قال. وأخرى ينتقد فيها الرئيس الحريري معتبراً أنه «لم نعامله مثلما عاملنا» وطالبه بأن يتنازل «فعلياً»، وبأن يفرض على من يدعمهم التنازل، متهماً إياه بالانحياز و «عدم العدالة»، قاصداً بذلك أنه منحاز لـ «القوات اللبنانية» والحزب «التقدمي الاشتراكي».

ويرى المصدر أن رئيس «التيار الحر» ربما انزلق إلى لغة استفزت الآخرين نتيجة الأسئلة التي وجهت إليه في مؤتمره الصحافي الجمعة الماضي، والتي أثارته، لكن في كل الأحوال فإن رفعه السقف لا يحول دون تسجيل قوله إنه «يمكن لرئيسي الجمهورية والحكومة من موقعيهما الدستوري التوافق على تأليف الحكومة»، وعندها يقرر تكتله النيابي ما يفعل. لكنه أوحى بإمكان عدم منح الثقة للحكومة ليعاد تكليف الحريري على أن يؤلف حكومة على أسس مختلفة عن التي سبقتها.

التنقل بين المعايير

وفيما يعتبر المصدر نفسه أن معيار التوزير الذي طرحه باسيل لا يلقى قبولاً من أي فريق، يقول مصدر في «القوات» إنه يتنقل منذ بداية أزمة التأليف بين معيار وآخر. بدأنا بمعيار اتفاق معراب مع «القوات» الذي يقول بـ6 وزراء لـ «التيار الحر» و6 لـ «القوات» و6 لرئيس الجمهورية. ثم انتقل إلى معيار وزير لكل 4 نواب، ثم تحدث عن ترجمة التصويت الشعبي في التوزير فقال إن تياره حصل على 55 في المئة من أصوات الناخبين و «القوات» على 31 في المئة... والآن يتحدث عن وزير لكل 5 نواب. أضاف المصدر «القواتي»: «انتبه باسيل إلى أن الكتلة المركبة للنائب طلال أرسلان بعدما أعاره 3 من نواب تكتل «لبنان القوي»، تضم 4 نواب، فابتدع معياراً آخر هو حصول تحالفه مع أرسلان على 40 في المئة من الأصوات مقابل 60 في المئة لجنبلاط، من أجل تبرير إصراره على توزير أرسلان. وهذه المفارقة هي التي استدعت من جنبلاط تغريدته أول من أمس على طريقته الإيحائية، بأن عرض باسيل «يستحق الدراسة الموضوعية». ويتابع المصدر: «نفى باسيل معارضته حصول حزب «القوات» على حقيبة سيادية مشيراً إلى وجود «فيتو وطني» على إسنادها إليه، موحياً بذلك بأن مصدره «حزب الله» ثم عاد فقال «ماذا أفعل إذا رئيس البلد مش قابل؟».

إلا أن المصدر المتابع لاتصالات التأليف، يشير إلى تناقضات أخرى في كلام باسيل منها أنه زعم بأنه لا يتدخل في التأليف، لكنه في الوقت ذاته عدد ما يستحق كل فريق أن يحصل عليه من الوزراء، وفقاً لمعياره وقال رداً على سؤال: «من قال إني لن أكون شريكاً في صناعة الحكومة؟.

الآلة الحاسبة والتوافق

ورأى المصدر أن سبب عدم الأخذ بمعيار باسيل أن الرئيس المكلف لا يحمل آلة حاسبة لتشكيل الحكومة التي هي حكومة سياسية توافقية، وليست حكومة أعداد بأعراف جديدة. وسبق لـ «التيار الحر» أن حصل لوحده على 10 وزراء في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، فماذا فعـــلوا في ظل غــياب التوافق؟ لم ينجزوا شيئاً.

ويستغرب المصدر المتابع لاتصالات التأليف حديث «التيار الحر» عن إسقاط العهد وإفشاله، في وقت لا أحد يريد ذلك، ومهما كان عدد الوزراء في الحكومة إذا لا توافق، ولن تقلع الحكومة ولا العهد إلا بالتوافق، وعون وقادة «التيار» يعددون إنجازات الحكومة الحالية بدءاً من قانون الانتخاب، مروراً بقانون استخراج الغاز والنفط والتعيينات والموازنة، انتهاء بإجراء الانتخابات... وكلها تم التوصل إليها بالتوافق وليس بأعداد الوزراء، وآخرها ما حصل في البرلمان من اتفاق على قانون إدارة النفايات وغيره.

ويؤكد أن الأمور الأساسية تمت بحكم التوافق وبعضها تم بالأكثرية من دون أن يمس ذلك السياسات العامة للدولة. فما نفع الحصول على 10 وزراء إذا لا تعاون وتوافق؟ والعكس يؤدي لإفشال العهد».

ويرى المصدر أن هناك فارقاً بين تسيير عمل الحكومة وبين ترجيح تسيير وجهة نظر معينة داخلها. ويلفت في هذا المجال إلى قول باسيل إن «إنقاص العدالة في الحكومة، وفقاً لوجهة نظره، هي وسيلة كي لا تكون منتجة»، ما يعني أنه إذا لم يوافقه التمثيل الوزاري فيها لا تنفذ المشاريع المطروحة عليها، أو أن مقياس الإنتاج فيها يكون وفقاً لما يطرحه هو وفريقه فقط.

ويشير المصدر المتابع لاتصالات التأليف لـ «الحياة» إلى أن كل المشكلة قائمة على وزير واحد، تارة عبر عدم القبول بأن تحصل عليه «القوات» وأخرى عبر الوزير الدرزي أو بديله، وأخرى عبر غيره، فهل يعقل أن يبقى البلد معلقاً على وزير بالزائد أو بالناقص لا يقدم ولا يؤخر، في وقت يدعي الجميع الحرص على البلد ويتخوف على أوضاعه الاقتصادية ويتحدثون عن التحديات الإقليمية المحيطة به والتهديدات الإسرائيلية؟ وماذا يفيد وزير إضافي أو وزير أقل في مواجهتها؟ أليس التوافق الوطني هو الذي يساعد على ذلك؟ ومن الذي يتحدث إلى المجتمع الدولي لحماية لبنان في مواجهة الأخطار؟».

ويعتبر المصدر أن ما يشهده الملف الحكومي «هو تكرار لتجارب سبق لنا أن شهدناها في محطات سابقة عام 1989 وعامي 2008 و2014، على رغم نفي باسيل فتح معركة رئاسة الجمهورية، وإنكاره سعيه لحصول فريقه على الثلث المعطل. فالسعي إلى الحصول على 11 وزيراً هو للتعطيل وليس لحسن التمثيل ولا لتسهيل عمل الحكومة كي تكون منتجة».

ويعتبر أنه لا يمكن معالجة القضايا المصيرية مثل التهديدات الإسرائيلية وادعاءات إسرائيل بوجود صواريخ، عبر تقديم شهادات حسن سلوك لأطراف خارجية لأسباب تتعلق بمعركة رئاسة الجمهورية. ولا تمكن معالجة قضية وقف التمويل الأميركي عن وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) عبر لوم المجتمع الدولي والحديث الشعبوي عن التوطين وما شابه. ومعالجة قضية النازحين السوريين لا تحصل بأسلوب الاستعراضات التي لا تقدم ولا تؤخر في قضية مصيرية وكبرى من هذا النوع.

الصحة و»حزب الله»

وفي المقابل، يشير المصدر رداً على سؤال «الحياة» عما ما قاله الحريري عن محاذير تسلم «حزب الله» حقيبة وزارة الصحة في الحكومة، إن الأرجح أن الرئيس المكلف أراد أن ينبه الحزب إلى أنه إذا كان هو لا يمانع في تسلم أحد وزرائه هذه الحقيبة فعليه ألا يتسلم حقيبة يمكن أن يفشل فيها لأن هناك جهات دولية ستحجب عنها المساعدات.

ويعتبر إن في ظل الوضع المالي الحالي للدولة فإن الفريق الذي يتولى هذه الحقيبة راهناً يسعى إلى التخلي عنها، فإذا تولاها الحزب وحرمت من مساعدة أميركية تقدر بـ150 مليون دولار سنوياً، ومن مبالغ أخرى غربية أيضاً، هذا يقود إلى إفشال من ستسند إليه، إذا من قرار سياسي بتوليها.

وفي معلومات المصدر المتابع لاتصالات التأليف أن الملاحظات في هذا الصدد لا تتوقف على الجانب الأميركي بل تشمل دولاً أوروبية، وأنها نقلت إلى الرئيس بري و «حزب الله». ويعتبر أن القول بأن ما يحصل يأتي في سياق الضغوط على الحزب ليس جديداً، لأن الضغوط الغربية والأميركية عليه علنية ومتواصلة وتتناول تفاصيل لا تحصى.