التاريخ: أيلول ١٣, ٢٠١٨
المصدر: جريدة الحياة
"لست متفائلاً على الإطلاق" ... أين وصلت الحرب على داعش؟ - جورج عيسى
استعجل رؤساء الدول الكبرى الإعلان عن نهاية تنظيم داعش بعد تعرّضه لهزائم كبرى في سوريا و العراق وخسارته غالبيّة الأراضي التي سيطر عليها سابقاً. ففي 17 كانون الأوّل 2017 أشار الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون إلى أنّ الحرب على داعش ستنتهي بحلول شهر شباط. المفارقة أنّه كان قد سبقه إلى ذلك الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين في السادس من الشهر نفسه، حين قال إنّه تمّ تحقيق "النصر الكامل" على داعش على ضفّتي الفرات. وفي 21 تشرين الأوّل الماضي، قال الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب إنّ نهاية داعش باتت وشيكة بعد تحرير #الرقّة.

تكاد سنة تمرّ على هذه التصريحات فيما لا يزال التنظيم يحتفظ بمئات إلى بضع آلاف من المقاتلين في وادي الفرات كما كانت تشير إلى ذلك غالبيّة التقارير حتى وقت قريب. لكنّ المشكلة لا تكمن في أنّ الحرب على داعش قد طالت أكثر من المتوقّع إنّما في احتمال ألّا تكون قد تمكّنت من تحقيق حجم الانتصار الذي تدّعيه. في الواقع، ربّما لا يزال يصل تعداد مقاتليه إلى عشرات الآلاف. وإن صحّت تلك الأرقام فسيعني ذلك أنّ الحرب تواجه صعوبات على المستويين الاستخباريّ والميدانيّ.

غموض

التضارب في الأرقام كان واضحاً بين التصريحات والتقارير المختلفة. في 24 تمّوز الماضي، قال مدير العمليّات المدنيّة-العسكريّة في التحالف العميد الفرنسيّ فريدريك باريزو إنّ مقاتلي التنظيم "هم حقاً في حالة من الفوضى"، مضيفاً أنّ ما تبقّى منهم هو فقط "بضع مئات". لكن سرعان ما صدر تقرير عن الأمم المتّحدة في 27 تمّوز أشار إلى أنّ بعض دول المنظمة الدوليّة يقدّر عدد مقاتلي داعش بين 20 إلى 30 ألف مقاتل موزّعين بشكل شبه متساوٍ بين البلدين. ومن بين هؤلاء عدد بارز من المقاتلين الأجانب المنضمّين إلى هذا التنظيم.

وفي تقرير قدّمه إلى البنتاغون المفتش العام في وزارة الدفاع الأميركيّة غلين فاين حول عمليّات التحالف الدوليّ، وشمل الفترة بين نيسان وحزيران الماضي، أشارت التقديرات إلى وجود ما بين 28600 و 31600 مقاتل بين الدولتين. ووجد التقرير أنّه في سوريا، ينشط من 13100 إلى 14500 داعشيّ ومنهم بين 4 إلى 6 آلاف مقاتل في مناطق عمل القوّات الأميركيّة.

لماذا التضارب؟

المخاوف لا تنحصر في هذه الأرقام وحدها. فقد قال ناطق باسم وزارة الدفاع إلى شبكة "سي أن أن" الأميركيّة في الأوّل من الشهر الحاليّ إنّ داعش "لا يزال أقوى من تنظيم القاعدة في العراق خلال أوجه سنتي 2006 و 2007". وتابع المسؤول قائلاً إنّ داعش لا يزال في موقع جيّد لإعادة البناء والعمل على إعادة إظهار "خلافته المادّيّة" المزعومة.

تشير هذه الأرقام إلى أنّ أربع سنوات من القصف لم تقض على جزء كبير من المقاتلين أو أنّ التنظيم كان لا يزال قادراً على إعادة تجديد صفوفه عبر عمليّات تجنيد ناجحة. فحين بدأت التحالف عمليّاته ضدّ داعش في العراق، كانت التقديرات تشير إلى وجود أرقام مشابهة لتلك التي هي عليها اليوم. ففي أيلول 2014، قال راين تراباني، ناطق باسم وكالة المخابرات المركزيّة "سي آي أي"، إنّ تقديرات وكالته تتراوح ما بين 20000 و 31500 مقاتل. أمّا عن سبب غموض الأرقام، فقد أشار مسؤول بارز في البنتاغون إلى احتمال شمول التقديرات المقاتلين وعائلاتهم أو آخرين ذوي صلة قوية بداعش من دون أن يكونوا قادرين بأنفسهم على حمل السلاح أو شنّ هجمات إرهابيّة.

تقييم للأرقام ودلالاتها

البروفسور المشارك في دراسات الشرق الأوسط ضمن جامعة غرونينغن بييتر نانّينغا، أشار ل "النهار" إلى أنّه تابع التقارير التي تتحدّث عن أعداد مقاتلي التنظيم في سوريا والعراق، لكنّه أضاف: "ومع ذلك لا أعلم ما إذا كانت هذه الأرقام صحيحة. في الواقع، تبدو لي (هذه التقديرات) مرتفعة قليلاً".

من جهته، يرى الخبير في شؤون الأمن الدوليّ الدكتور تون فان دونغن أنّ "الخوف في أوروبا كان دوماً من أنّ مقاتلي داعش الأوروبيين سيعودون كإرهابيّين مدرّبين وذوي قدرات قتاليّة معزّزة، لكن إلى الآن، لم يتجسّد هذا الخوف حقّاً". فان دونغن الذي عمل كمحلل سياسي في "مركز الدراسات الاستراتيجيّة" – لاهاي، وكمحاضر في برنامج الأمن الشامل في جامعة "إينهولاند للعلوم التطبيقيّة" أوضح ل "النهار" أنّ عدم تجسّد هذا الخوف "يعود جزئيّاً إلى أنّ العديد منهم قُتلوا ولأنّ البعض انتقل للانضمام إلى فروع أخرى لداعش، على سبيل المثال في ليبيا وأفغانستان".

لكنّ ذلك لا يعني أنّ الخطر قد تبدّد. يوضح نانينغا، خبير أيضاً في الشؤون الجهاديّة: "لا يزال هنالك وجود واضح لداعش في العراق وسوريا، وبالفعل، لم يُهزم التنظيم كلّيّاً". وتابع فان دونغن: "أعتقد أيضاً أنّنا قلّلنا من التزامهم بنشاطات داعش في سوريا والعراق. إنّ واقع أنّ داعش لا يزال يملك هذا العدد الكبير من الأعضاء يبدو أنّه يشير إلى أنّ مقاتلي داعش متشبّثون بتنظيمهم، حتى وهو في حال تراجع. 20000 إلى 30000 مقاتل رقم كبير، وهو كافٍ بالتأكيد كي يشنّ هجمات إرهابيّة وعلى نمط حرب العصابات، وهو ما يفعله داعش حاليّاً".

تحوّل في التكتيك ... عود على بدء؟

إنّ خسائر التنظيم ستدفعه إلى إعادة تغيير تكتيكاته من أجل التعويض عن تراجع أعداد مقاتليه وتضاؤل قدرته في التخطيط الهرميّ لشنّ الهجمات. ويمكن القول إنّه قد بدأ فعلاً بذلك. يضيف نانينغ ل "النهار": "سأقول إنّنا نشهد حاليّاً تحوّلاً للمجموعة من دولة أوّليّة إلى مجموعة متمرّدة تعتمد على تكتيكات حرب العصابات مثل هجمات الكرّ والفرّ والتفجيرات وما إلى ذلك". بالنسبة إلى نانينغا، إنّ المجموعة "تعود إلى جذورها: فترة ما قبل 2012".

في السياق نفسه، يعبّر فان دونغن عن نظرة مشابهة: "في الأساس، إنّهم يعودون إلى ما فعلوه قبل أن ينشئوا الخلافة (المزعومة)، فعوضاً عن أن يتصرّفوا كدولة، هم يشنّون مجدّداً تمرّداً مسلّحاً. مع 20000 إلى 30000 مقاتل، تستطيع الاستمرار بذلك لوقت طويل".

بعد غياب قارب السنة ... البغدادي يطلّ

وفي حين كانت التقارير تتحدّث عن الأعداد الكبيرة للإرهابيين الذين لا يزالون ينشطون بين سوريا والعراق، أطلّ زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي في 22 آب عبر تسجيل صوتيّ له تزامن مع عيد الأضحى ودعا فيه مقاتليه إلى عدم التخلّي عن "جهاد عدوّهم"، كما حثّهم على شنّ هجمات في الغرب. ردّ المتحدّث باسم قوّات التحالف شون راين على كلام البغدادي قائلاً إنّ الأخير "بات الآن عديم الجدوى وغير فعّال" وإنّ التحالف "غير معنيّ" بأي تعليقات تصدر عن قيادة التنظيم، شارحاً أنّ "قيادته غير مؤثّرة". وأضاف: "إن كان موجوداً أم لا فهذا لا يعني شيئاً".

لكنّ الخبير في الشؤون الجهاديّة حسن حسن علّق على ما قاله البغدادي مؤخّراً مقارناً بينه وبين التسجيل ما قبل الأخير له في أيلول 2017، كاتباً في مجلّة "ذي اطلانتيك" أنّ نبرة البغدادي الأخيرة مختلفة عن نبرة التسجيل السابق الذي صبّ فيه غضبه على خلل داخليّ أصاب التنظيم. ورأى حسن أنّ البغدادي بدا هذه المرّة أكثر ثقة بقدرة تنظيمه على الصمود في وجه الضربات.

ماذا عن المستقبل القريب؟

بين من يرى أنّ البغدادي بات "عديم الجدوى" ومن يرى أنّ تنظيمه لا يزال في موقع يخوّله إعادة إطلاق خلافته بشكل "مادّيّ"، يبقى أنّ الفترة الزمنيّة التي يحتاجها التحالف للقضاء على آخر فلوله قد لا تكون قصيرة ربّما. غير أنّ أحدث التوقّعات صدرت عن قائد الجيش الفرنسيّ فرانسوا لوكوانتر يوم الخميس الماضي إذ أعلن أنّه يتوقّع القضاء على داعش "قبل نهاية العام، على الأرجح قبل نهاية فصل الخريف".

لكن ما يعزّز الصعوبات في هذا المجال، استمرار العديد من الظواهر التي أدّت سابقاً إلى ظهور داعش بحسب الباحثين. يجد نانينغ أنّه "طالما (بقيت) المشاكل البنيويّة في سوريا والعراق بعيدة عن الحل، ستبقى هنالك فرص (تستغلّها) المجموعة في السنوات المقبلة".

يتعمّق فان دونغن في تفصيل هذه المشاكل فيضيف:"ما أجده مقلقاً بشكل محدّد، هو أنّ القليل تغيّر في ما يخصّ الإطار السياسيّ الذي أدّى إلى بروز داعش في المقام الأوّل. التوتّرات السنّيّة-الشيعيّة لا تزال موجودة، ولا يزال يُنظر إلى الغرب على أنّه عدوّ بسبب جميع عمليّات القصف والأضرار الجانبيّة التي ترافقت معه، ولا تزال سيطرة الدولة ضعيفة في أجزاء من الخلافة السابقة. هذا يعني أنّه لا يزال هنالك أرض خصبة لتغذية داعش أو لوحدات من داعش أعادت تسمية نفسها".

بالنسبة إلى فان دونغن، قد يكون أصعب اليوم على التنظيم بيع أفكاره ورسالته بسبب جميع الأعمال الوحشيّة التي ارتكبها، لكنّهم يواصلون تقديم أنفسهم على أنّهم "الوحيدون القادرون على حماية المسلمين السنّة من غياب الاستقرار أو من الاعتداء الخارجيّ وكان ذلك جزءاً كبيراً من جاذبيّتهم في المرّة الأولى". وبعدما أعرب عن إمكانيّة أن يكون داعش قادراً على كسب التعاطف من خلال هذه السرديّة أضاف خاتماً تعليقه ل "النهار":

"بصراحة لست متفائلاً على الإطلاق بهذا الوضع".