التاريخ: تموز ١٠, ٢٠١٨
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
لبنان: جمود التأليف و"تفاهم معراب" إلى غرفة العناية
وسط تفاقم المخاوف من احتمال تمدد الجمود في تأليف الحكومة الجديدة والتداعيات الاقتصادية والمالية والاجتماعية لهذا الجمود، من اليوم المحاولات الهادفة الى ازالة التعقيدات التي تعترض عملية التأليف من دون آمال كبيرة في سهولة تحقيق هذا الهدف. ذلك ان المفارقة اللافتة التي برزت في الساعات الاخيرة تمثلت في اكتمال نصاب المسؤولين بعد عودة كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس المكلف سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل من اجازاتهم الخاصة في الخارج، غير أن أي حركة يعتد بها لاطلاق جولة جديدة من المشاورات والاتصالات المتصلة بحلحلة عقد تأليف الحكومة لم تسجل بعد. كما يمكن تسجيل مفارقة أخرى تتمثل في ان "تفاهم معراب" بين "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية " الذي تعالى الضجيج السياسي والاعلامي في اليومين الاخيرين منذراً بانه على وشك الانهيار والسقوط بدت بعض مفاعيله كأنها لا تزال قائمة بل تشكل ممراً الزامياً لتجاوز التعقيدات المتصلة بما سمي العقدة المسيحية في عملية تأليف الحكومة.

وفي ظل هاتين المفارقتين علمت "النهار" ان معالجات ومحاولات احتواء عاجلة ستبدأ من اليوم على مساري تأليف الحكومة الجديدة من جهة واستدراك التداعيات السلبية لانفجار الخلاف بين "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية " من جهة أخرى. وفي سياق تحريك الاتصالات المواكبة لتأليف الحكومة يلتقي الرئيس بري والرئيس الحريري اليوم للتشاور في ما وصلت اليه الاتصالات الجارية والتعقيدات التي تعترضها. وكان الرئيس الحريري قال في تعليق مقتضب على الاجواء عقب عودته الى لبنان: "متفائل دائما ولكن لا تعليق". وقال ردا على سؤال عن تداعيات نشر "تفاهم معراب": "يتشاجر الاخوة دائماً ثم يتصالحون".

كذلك لم يشأ بري أمس التعليق أمام زواره على الملف الحكومي في انتظار الجديد الذي سيسمعه اليوم من الرئيس الحريري. ولكن لوحظ انه حافظ على حذره وتخوفه من الصعوبات التي تهدد الوضع الاقتصادي. وأوضح رئيس المجلس لـ"النهار" ان الكلام الذي يطلقه عن الاقتصاد "لا يدخل في باب التهويل "انما ثمة معطيات عدة دفعته الى هذا الموقف ليقرع جرس الانذار. ومن جهة اخرى شدد بري أمام تكتل نواب بعلبك – الهرمل الذي زار عين التينة أمس على الاستمرار في تطبيق الخطة الامنية في المنطقة، كما شدد على الاسراع في تخصيص مجلسين لانماء منطقتي بعلبك وعكار على غرار مجلس الجنوب. وأجرى بري اتصالين بقائد الجيش العماد جوزف عون وطلب منه الاسراع في انجاز احصاء الاضرار التي ضربت مناطق عدة من البقاع الشمالي. وفي المناسبة أثار بري موضوع انشاء ريجي لتتولى الاشراف على زراعة الحشيشة لأغراض طبية وابلغ العماد عون ضرورة انهاء الخلاف العقاري بين اليمونة والعاقورة بالطرق القانونية.

احتواء الانهيار ؟  

اما على مسار احتواء تداعيات الانفجار الذي حصل بين طرفي "تفاهم معراب"، فبرزت بعد كلام رئيس حزب "القوات اللبنانية " سمير جعجع أمس لـ"النهار" عن عدم سقوط التفاهم، مؤشرات عدة تصب في هذا الاتجاه بما يستدل منه ان التفاهم أدخل مجدداً غرفة العناية الكثيفة بدءا بالتهدئة بين الفريقين. وعلمت "النهار" ان بشائر التهدئة انطلقت مع تعميم قيادتي الفريقين على المحازبين وقف الحملات المتبادلة حتى على مواقع التواصل الاجتماعي. وفي معلومات "النهار" أيضا ان البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي دخل على خط وقف الانهيار، ودعا كلاً من النائب ابرهيم كنعان والوزير ملحم الرياشي الى لقاء يعقد في الساعات الـ٧٢ المقبلة في المقر البطريركي الصيفي في الديمان. وأفادت معلومات أخرى ان البطريرك الراعي ربما قام اليوم بزيارة لقصر بعبدا للقاء رئيس الجمهورية العماد ميشال عون واطلاعه على اجواء اللقاء الذي عقده بطاركة الشرق مع البابا فرنسيس السبت الماضي في ايطاليا ومن ثم البحث معه في احتواء تداعيات الخلاف بين "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية". وتقول أوساط بعبدا في هذا السياق إن ما جرى قد تكون له فائدة بوضع كل الأوراق على الطاولة، بما يعيد صياغة التفاهم على أسس واضحة ومتينة، من شأنها ان تساهم في تسهيل اخراج التشكيلة الحكومية. وشددت على ان رئيس الجمهورية حريص على المصالحة المسيحية، ويرى أن ورقة "اعلان النيات" التي ولدت في الرابية جوهرها المصالحة المسيحية التي لا يمكن أحداً العودة فيها الى الوراء أو التنكّر لها. أما "التفاهم السياسي" الذي تمّ في معراب فهو تفاهم سياسي، ومن الطبيعي ان يكون عرضة لطلعات ونزلات وتباين حيناً واتفاق حيناً آخر.

واكد الوزير الرياشي لـ"النهار"، "التمسّك بالمصالحة المسيحية التي أصبحت في وجدان المسيحيين، وبالاتفاق رغم كل ما تعرضا له". واعتبر "أن رأب الصدع ما زال ممكناً، خصوصاً أننا في اعلان النيات الذي هو اساس المصالحة اتفقنا على عدم تحويل الاختلاف الى خلاف، وعلى أهمية الشراكة في السلطة، وهو يمثّل ملحقاً ملزماً للاتفاق المبدئي والاساسي، وهو حق للقوات اللبنانية وحلفائها".

أما كنعان فطمأن عبر "النهار" الى "أن المصالحة المسيحية نهائية ولا عودة فيها الى الوراء، لا من التيار ولا من القوات، خصوصا أننا شهدنا الالتفاف الشعبي المسيحي حولها منذ الإعلان عن الاتفاق، ورأينا كم كان التأييد كبيراً لإعلان النيات وللتفاهم، حتى ان الانتخابات النيابية أظهرت كم كان التمثيل لهذين الحزبيْن الكبيريْن وكيف فاق الثمانين في المئة، من غير ان يتحول إلغائياً كما روّج البعض، إذ بعكس تبشير هؤلاء، كان الدافع الاساسي لإنتاج قانون الانتخاب النسبي الذي أمّن للأقلية المسيحية أن تتمثل. لذلك، شعبياً وسياسباً وحزبياً، المصالحة لا عودة عنها، ونعتبرها من المقدسات وخطاً أحمر لا تمسّ".

جنبلاط  

وسط هذه الاجواء سجل موقف جديد لافت لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط أمس دعا فيه الى "الكف عن الاستهتار بعقول الناس (بالقول) بان الاقتصاد اللبناني قد ينهار نتيجة وجود المتشردين السوريين". وقال عبر صفحته على "تويتر": "اوقفوا تلك المتاجرة العنصرية الرخيصة وكأن الانهيار مطلوب لاضعاف لبنان وافقاره وجعله لقمة سائغة بلا أي مناعة بعد تسليم درعا الى النظام (السوري). أوقفوا البوارج التركية السبب المركزي في عجز الموازنة ". وبدا موقف جنبلاط بمثابة رد ضمني على تصريح للوزير جبران باسيل اعتبر فيه ان الاقتصاد في لبنان على وشك التدهور والانهيار بسبب ازمة النازحين السوريين.