التاريخ: نيسان ٢, ٢٠١٨
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
هل يكرر السيسي تجربة الحزب الوطني؟
القاهرة- ياسر خليل
كشفت انتخابات الرئاسة المصرية مدى ضعف الأحزاب السياسية في مصر، وهو ما تجلى في عجز أكثر من 100 حزب عن تقديم مرشح رئاسي قادر على منافسة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي فاز بولاية ثانية، بنسبة تتجاوز 90%، في الانتخابات التي تعلن نتائجها الرسمية غدا الاثنين. وحالة الضعف هذه طرحت تساؤلات ملحة حول مستقبل الأحزاب، ومدى إمكانية اندماجها معا في كيانات أكثر فعالية. وفتحت هذه الحالة المجال واسعاً أمام بعض السياسيين للترويج لفكرة وجود حزب غالبية يتزعمه الرئيس، ويكون ظهيرا حزبيا له. 

ويأتي حديث السياسيين الذين ينتمي معظمهم "لائتلاف دعم مصر" الذي يضم غالبية أعضاء البرلمان، وسط مخاوف من تكرار تجربة "الحزب الوطني" الذي طغى على الحياة السياسية إبان حكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، وحله بعد ثورة 25 كانون الثاني 2011. ويصر هؤلاء الساسة على طرحهم المثير للجدل، على رغم أن السيسي أكد مرارا أن ظهيره شعبي، وأنه ليس مديونا لأحد. ويرى محللون أن الرئيس المصري الحالي ليس بحاجة لهذا الحزب، كي يسيطر على مقاليد السلطة، فبالإضافة إلى ظهيره الشعبي، والإعلامي، يحظى باحترام كبير داخل مؤسسات الدولة وأجهزتها الأكثر تأثيراً، وفي مقدمتها الجيش.  

وأكدت مصادر برلمانية لـ"النهار" أن فكرة دمج الأحزاب التي كانت مطروحة بقوة في وقت سابق، ليست حاضرة حالياً داخل البرلمان المصري، لكن ما يأخذ اتجاهاً أكثر جدية هو تحويل "ائتلاف دعم مصر"، إلى حزب غالبية يقوده الرئيس الحالي. وتأسس الإئتلاف الذي يضم نواباً مستقلين وحزبيين، مع انعقاد البرلمان الحالي الذي تشكل في أعقاب الانتخابات النيابية في 2015، ولعب دورا مهما في تمرير العديد من القوانين والاتفاقيات التي قال مراقبون ووسائل إعلام إنها تحظى بدعم رئاسي.

الثقافة السياسية المصرية

يقول سعيد شحاتة، الباحث في "مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية" إن "ثقافة الجمهور المصري ليست داعمة للمشاركة السياسية، لدينا 102 حزبان أكثرها على الورق فقط، لا وجود لها في الشارع، ولا في الانتخابات. الثقافة المصرية نفسها تعاني مشكلة في التعاطي مع العمل السياسي بشكل عام".

ويضيف شحاتة: "من ناحية ثانية، رؤية النخبة، الضيقة جداً، هي أن الدولة معادية لفكرة المشاركة السياسية، ولديهم العديد من الحجج التي يستخدمونها لتبرير عدم النشاط سياسياً. يضاف إلى ذلك، أنه خلال السنوات ال25 الاخيرة، وتحديداً في عهد مبارك، هرب العديد من الكوادر التي كانت يمكن أن تكون مؤثرة في الحياة السياسية، إلى العمل بمجال حقوق الإنسان، خاصة أنه قدم فوائد كبيرة، من خلال الحماية الدولية للعاملين به، أو عبر التمويل الأجنبي الذي يحصلون عليه".

ويرى الباحث أنه "بعد أن حدث تضييق على تمويل منظمات المجتمع المدني، مؤخرا، فإن هناك فرصة لعودة بعض الكوادر الحقوقية للعمل السياسي، لكن تبقى المشكلة الأخير، وهي رؤيتهم لما يمكنهم فعله في الحياة السياسية، وغياب رغبتهم في تمضية وقت طويل في بناء قاعدة شعبية، هذا يحتاج إلى عمل متعدد الأنشطة، تنموياً، واقتصادياً، وثقافياً، وهم تعودوا على دور المراقب للمشهد، يقولون نحن نريد هذا ولا نريد ذاك، ولذا باتوا عنصراً مشاغباً أكثر منه مشاركاً".

وبينما يستبعد الباحث السياسي نجاح فكرة دمج الأحزاب لأن لديها "مشاكل بنيوية" كما أنها تعاني من الأمراض المجتمعية، يرى أن فكرة تكوين حزب الأغلبية محكوم عليها بالفشل أيضاً، ويقول: "لا اعتقد أن السيسي يرغب في استعادة تجربة (الحزب الوطني) مرة أخرى، صحيح أن البعض رأى أنها استطاعت الصمود لمدة 30 عاما (مدة حكم مبارك)، ولكن حاليا ًفي عصر السوشيال ميديا، لا اعتقد أن حزباً بهذا الشكل يمكن أن ينجح".

لكن مع اعتقاد عكاشة أن الأحزاب السياسية في مصر لن تقوم لها قائمة بوضعها الحالي، يرى بارقة أمل بعد فوز بهاء أبو شقة برئاسة "حزب الوفد"، ويشير تحديدا ًإلى تصريحاته حول عزم الحزب على تقديم مرشح رئاسي في انتخابات عام 2022، ويرى في ذلك "تطوراً إيجابياً يمكن البناء عليه"، لافتا إلى أهمية أن يخلق الحزب أولاً كوادر قادرة على المنافسة في انتخابات "المحليات ومجلس النواب".

وحول الاتهامات الموجهة للسلطة بالتضييق على المعارضة، يقول إن "فرضية التضييق تحتاج لاختبار عملي. هؤلاء الذين يتحدثون عن التضييق لا يفهمون العمل السياسي إلا في نطاق ضيق جدا، فهم لا يعرفون غير التظاهرات في الشارع، وهذا ليس عملاً سياسياً، بل حركة احتجاجية، ولكن حين نتحدث عن حزب سياسي يجب أن تبني قواعد مجتمعية، وأن تتحرك في المساحة المتاحة، حتى ولو كانت ضيقة، والدولة تضيق في مجال واحد فقط، وهو استغلال الشارع في خلق فوضى. الدولة لا تضيق على أحد إلا إذا سعى لخلق الفوضى".

الفساد بموجب فواتير

ويرى شريف يونس، المؤرخ وأستاذ التاريخ بجامعة حلوان أن ثورة 25 كانون الثاني 2011 وضعت التجربة الحزبية بمصر في اختبار حقيقي، أثبت ضعفها، كما أن الساسة المطالبين بتأسيس حزب أغلبية -حسب وجهة نظره- يسعون لبناء هيكل مؤسسي لممارسة الفساد على شاكلة ما فعله "الحزب الوطني".

ويقول يونس لـ"النهار": "في أعقاب ثورة 25 كانون الثاني، ثبت أن فكرة بناء أحزاب قوية في مصر غير ممكنة، فقد تميزت هذه الفترة باختفاء القيود تماماً، وقد ظهرت أحزاب جديدة عدة، كما أن الأحزاب القديمة ظلت قائمة، ولم ينتج عن هذا ظهور أحزاب قوية، بل ظهرت مجموعة من الأحزاب المتماسكة نسبيا، مثل (المصريين الأحرار)، و(التحالف الشعبي) قبل أن تحدث انشقاقات بداخلها لاحقا"، مشيرا إلى أن "بناء حياة سياسية قوية، سوف يحتاج إلى تغيرات اجتماعية أولا".

ويؤكد مؤرخ تاريخ مصر المعاصر أن "فكرة تأسيس حزب أغلبية يقوده الرئيس، تروج له مجموعات المصالح التي تبحث عن كيان تمارس من خلاله فسادها، الفكرة (المباركية) هي فكرة متجزرة في الأوساط الأكثر سوءاً في بنية السياسة المصرية، وهذا محاولة لإحياء نظام مبارك، وإعادة بناء فشل للدولة المصرية، لأن (الحزب الوطني) عاش 30 سنة ثم سقط، وفي الواقع كان قد سقط قبل أن يظهر ذلك رسمياً في 25 كانون الثاني. قبل الثورة تحول المجتمع إلى (سيرك روماني)، كان يشبه الغابة، وكانت الناس تدهس بالأقدام دهساً، ويستطيع ثري عربي أن يدهس 5 مواطنين بسيارته ويغادر القاهرة بسلام".

ويؤكد يونس أن "وجود مثل هذا الكيان الحزبي، أخطر على مصر من أي مؤامرة خارجية، لقد حاولوا إظهار وجودهم من خلال ملء الشوارع باللافتات الانتخابية المؤيدة للرئيس. السيسي جاء وقال إنه ليس عليه فواتير لأحد، وما يفعلونه يريدون به أن يظهروا أنهم قدموا شيئا للرئيس، ويقدموا فاتورتهم له، ويقولون نريد الحصول على نظير خدماتنا، اصنع لنا حزبا سياسيا مرتبط بك. وكان الرئيس واضحا أنه يعمل بمعزل عنهم، فقد عقد عددا من الفعاليات والمؤتمرات بمعزل عنهم، وصنع الفيلم الذي التقى خلاله المخرجة ساندرا نشأت، ثم قدم لهم الفيلم وطلب منهم إذاعته فقاموا بإذاعته، دون علم بمحتواه. ما يفعلونه محاولة قذرة لتحميل الرئيس فاتورة يطلبون سدادها من خلال إنشاء كيان حزبي يمارسون عبره فسادهم".