التاريخ: تشرين الأول ٢١, ٢٠١١
المصدر: nowlebanon.com
تصحيح خطأ - حازم صاغية

قالت سيدة الأعمال الدمشقية المعارضة إنها لن تغادر سورية، على رغم شعورها أنها محاصرة في حياتها وفي عملها. لن تغادر سورية ليس لأن مهمات كبرى تنتظرها في الثورة، فهي معارضة لكنها غير ناشطة، ولم تشارك سوى بتظاهرتين أو ثلاث، والتزمت بعدها منزلها وعملها.

 

ما قالته السيدة مبررة فيه قرارها في البقاء، شديد البساطة والبداهة، لكنه ينم في الوقت نفسه عن اصرار غامض بالنسبة الينا نحن اللبنانيين الذين ما إن تلوح لنا فرصة مغادرة بلدنا حتى نقدم عليها من دون تردد. قالت السيدة إنها لا تريد ان تعيش في مدينة غير دمشق، وإن عالم ابنتها الوحيدة هو الشام ومدارسها وأنديتها وأزقتها، وإنها لا تستطيع العيش بعيداً عن أهلها الذين يشبهونها ولا يشبهونها، وبعيداً عن عسفهم وحبهم.

 

عشرات من السوريين الذين نعرفهم او نسمع بهم هذه حالهم، ونحن لشدة ذهولنا بصعود وطنية سورية جديدة علينا، رحنا نستعرض هذه الحال بصفتها قراراً بالصمود، علماً انها شيء جوهري أكثر، ذاك ان الصمود هو شحنة قوة راهنة وموقتة تُمكننا من مواجهة موقف او وضع عابر، في حين تستبطن الحالة السورية جوهراً قدرياً ونفسياً تراكمياً. انه ببساطة شديدة "البلد الذي لا نعرف ان نعيش في غيره".

 

سورية بلد لا نعرفه نحن اللبنانيين، لا بل إن سوريين كثراً لا يعرفون سورية. فالسنوات الاربعون المنقضية شهدت عملية تجهيل عامة بهذا البلد، أضف الى ذلك بالنسبة الينا نحن الجيران الأقربين العلاقة المريضة التي ربطتنا بنظامه، فرحنا نستجيب للصور التي أرادها هذا النظام لبلده. استجبنا من موقع الصراع مع هذا النظام وأيضاً من موقع الالتحاق به، وفي الحالين لم تكن صوراً ناصعة.

 

اليوم ثمة وطنية سورية صاعدة، وهي تتفوق على نظيراتها في الدول المجاورة بالكثير من العناصر. والقول إن هذا الصعود متصل بما تبثه الثورة في نفوس ناسها من قيم ومشاهد وطموحات، قد يكون صحيحاً، لكن ذلك لا يمنعنا من ان نغبط السوريين على ذلك. أن نغبطهم من موقع تفتت وطنيتنا وتذررها تماماً كما غَبطَنا "ربيع دمشق" عندما لاحت لحظة وطنية لبنانية في 14 آذار 2005، تم تبديدها في أقرب فرصة لاحت.

 

لسنا هنا في وارد مبارزة بين الوطنيات، كما علينا تجنب ميلنا الى جلد أنفسنا. لكن، لذهولنا بصعود الوطنية السورية أسباب علينا التوقف عندها. فيجب أولاً ان نعترف بنجاح نظام البعث في دفعنا الى اهمال التأمل في مقاومة السوريين نظامهم قبل التاريخ الرسمي للانتفاضة هناك. فيلم عمر اميرلاي "طوفان في بلاد البعث" وقبله فيلم اسامة محمد "نجوم النهار" لم يشكلا مع غيرهما من الجهود الفنية والثقافية محطات نتوقف عندها لنتأمل في الشجاعة السورية وفي الطاقة المثقفة لهذه الشجاعة. أميرلاي ومحمد أنجزا فيلميهما وهما يقيمان في دمشق، وبمقارنة بسيطة مع حالنا في لبنان، لم ترق نتاجاتنا الفنية والثقافية الى هذا المستوى من الشجاعة في تناول سلطات لدينا أقل بطشاً من سلطة البعث.

 

شاهدت فيلم اميرلاي "طوفان في بلاد البعث" قبل بدء الانتفاضة في سورية، وشاهدته مرة ثانية بعدها. في المرة الأولى أعجبني أميرلاي المخرج، وأشعرني صوته الدافئ المرافق للمشاهد والمعلق عليها بمودة غامضة. في المرة الثانية، أي بعد الانتفاضة، أذهلتني شجاعة الرجل الذي قرر التوجه بكاميرته الى قرية سورية على ضفاف نهر دجلة وتصوير حكاية "بعثنتها".

ثمة فارق بين الانفعالين اللذين خلفهما الفيلم قبل الثورة وبعدها.

الأرجح ان ثمة خطأ يجب تصحيحه.