التاريخ: تموز ١٣, ٢٠١٧
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
"داعش" ينتقل إلى المرحلة الثانية... الزوايا القاتمة للخلافة 2.0
جورج عيسى
تتوالى الأخبار الواردة من غير دولة عن ترجيحات "متفاوتة" بشأن مقتل زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي. لكن بغضّ النظر عن صحّة خبر مقتله من عدمها، دخل البحث في مصير التنظيم مراحل متقدّمة. فبعد تحرير #الموصل التي ألقى فيها البغدادي خطبته الأولى، وبعد اقتراب تحرير الرقّة، العاصمة المفترضة للخلافة المزعومة، بات داعش بحكم المنتهي تنظيميّاً. لكن من المهمّ الإشارة إلى أنّ استشراف مصير داعش ليس مطروحاً فقط على مستوى القتال الميداني. فهنالك جانب آخر ربّما يفوقه أهمّية "يرسمل" داعش استمراريّته على أساسه.

الباحثان في مركز "راند" الأميركيّ للأبحاث كولن كلارك وتشاد سيرينا شدّدا على أنّ لدى هذه المجموعة الإرهابيّة "تاريخاً من الاستخدام الموسّع للتكنولوجيا والفضاء السيبيري بطرق مبتكرة". وكتبا في مؤسسة الرأي "ذا ناشونال إنترست" الأميركيّة أنّ داعش "يطوّر هندسة وسائل التواصل الاجتماعي الخاصّة به" لكي يحض المتطرّفين على شنّ هجمات خارجيّة بحسب تحليلات وكالة الشرطة الأوروبيّة "يوروبول". 

"الزوايا القاتمة"  

لكنّ الأخطر من ذلك، كان ترجيح الباحثين عدم هزيمة التنظيم "في الأشهر أو السنوات المقبلة". فهو "ينتقل إلى مرحلته الثانية من دورة حياته" المتمثّلة ب "مضاعفة" طاقته لاستغلال العالم الإلكتروني. فهروب داعش إلى "الزوايا القاتمة من العالم السيبيري" أمر لا مفرّ منه بحسب الباحثين.

نقْل "الخلافة" إلى العالم الافتراضي ليس فرضيّة وجد داعش نفسه أمامها فجأة بعد خساراته العسكريّة المتكرّرة. بل يمكن القول إنّ التنظيم أنشأ "خلافته الافتراضيّة" بموازاة "خلافته المزعومة" على الأرض بين سوريا والعراق. والأرجح أن تكون الأولى أكثر ديمومة من الثانية، مع ما يعنيه ذلك من استمرار للمخاطر في المستقبل المنظور.

علامة تجاريّة مقاتلة 

ويلفت أوز سلطان هو خبير في الصناعة التسويقيّة والتكنولوجيّة مع عشرين سنة من العمل في تطوير حلول مبتكرة للعلامات والرموز التجاريّة، نظر قرّائه في شركة "تيكونومي" الأميركيّة للإعلام والمحاضرات والأبحاث إلى أنّهم سمعوا مؤخّراً ب "أيزيس" (مختصر داعش في اللغة الإنكليزية) أكثر من "جي أم" (جنرال موتورز). وهذا لا يعود فقط إلى التهديد الذي يشكّله التنظيم بل إلى كونه أيضاً "علامة تجاريّة مقاتلة" تملك "وكالتها التسويقيّة القويّة". ويضيف سلطان، وهو ناشط أيضاً في مجال الحوار بين الأديان، فكرة أخرى عن التنظيم: "فكّروا به كوكالة تسويق تبيع الإرهاب أيضاً".

مستوى بحث جديد 

وتطرّق العديد من خبراء مكافحة الإرهاب إلى الميادين المختلفة التي ترتكز الى معطياتها آليّة عمل داعش. حاول هؤلاء وضع خطط متنوّعة لمكافحة التنظيم، أكان على الصعيد الأمني أو الفكري أو الإعلاميّ. ولاحظ مراقبو داعش كيف استطاع الأخير أن يعرقل أو يبطّئ جهود مؤسّسات مكافحة التطرّف الغربيّة والإسلاميّة على حدّ سواء. كما لم يخفِ كثر تعجّبهم من قدرة التنظيم على استغلال الإعلام من أجل نشر دعايته على وسائل التواصل الاجتماعي. لكنّ سلطان كان ربّما من بين القلّة التي تحدّثت عن تخطّي داعش لمستوى الدعاية الإعلاميّة ليصل إلى مستوى تسويق نفسه ك "علامة تجاريّة".

إرهاب 2.0 

"داعش تطوّر بشكل مختلف لأنّه يدار بشكل مختلف"، يتابع سلطان الذي يكتب أنّ نشوء تنظيم "القاعدة في العراق" بعد اطاحة الرئيس العراقي السابق صدّام حسين كان المرحلة الوسطى بين القاعدة وداعش على المستوى الرقمي. "مع حلول سنة 2007 كنّا نشاهد ما كان بالفعل صعود إرهاب 2.0"، مستخدماً لغة التصنيف الإلكتروني للأجيال الرقميّة. بينما شكّل داعش "إرهاب 3.0". وانضمّ الكاتب إلى الباحثين كلارك وسيرينا في الإعراب عن اعتقاده بأنّ هزيمة التنظيم ستتطلّب بضع سنوات.

30 ألف موقع

وحذّر منسّق المشروع الأوروبي لمكافحة الإرهاب، جيل دو كيرشوف، من إعداد داعش ل "خلافته الافتراضيّة". ففي حديث إلى صحيفة "لو سوار" البلجيكيّة قال إنّ داعش يملك إلى الآن 30 ألف موقع إلكتروني، داعياً إلى "استثمار أكبر" في مجال الوقاية وتقليص حملته الدعائيّة على الشبكة العنكبوتيّة ولخلق خطاب مناهض لخطاب الكراهية الخاصّ به.

ولا يبالغ الباحثون في طريقة تنبّئهم بنهاية داعش "البطيئة". فحتى مع إعلان رئيس الوزراء العبادي عن تحرير الموصل بالكامل، أعلن التنظيم أنّه قتل 10 جنود عراقيّين من خلال القنص في تلك المدينة. هذا في العراق، أمّا في الغرب، فقد شهدت بريطانيا وحدها ثلاث عمليّات إرهابيّة في الأشهر الأخيرة، على الرغم من خسائره الميدانيّة الكبيرة. وهذا يلقي الضوء على المفعول الكبير لاستمراريّة داعش في استغلال وسائل التواصل الاجتماعي لشنّ الاعتداءات.

آلاف الأهداف للخلافة السيبيريّة المتّحدة

يتمتّع داعش بذراع إلكتروني يُدعى "الخلافة السيبيريّة المتّحدة". وقد أطلق الذراع في نيسان الماضي لائحة قتل تستهدف 8786 هدفاً بين الولايات المتحدة وبريطانيا. ولم تقتصر اللائحة على الأسماء بل تضمّنت أيضاً عناوين سكن قسم من هذه الأهداف. وفي شريط الفيديو الذي نشرته تلك الوحدة قالت الرسالة: "اقتلوهم حيث تجدونهم"، داعياً إلى شنّ هجمات "الذئب المنفرد" ضدّها.

داعش وأنونيموس 

وعلى الرغم من سيطرة التنظيم الكبيرة على منصّات التواصل الاجتماعي والفضاء السيبيري، تبدو تلك السيطرة غير مطلقة، على الأقلّ في بعض الميادين. كايل ويلهويت، وهو باحث أمنيّ بارز في شركة "دوماين تولز"، يقول لموقع "دارك ريدينغ" إنّ الذراع السيبيري لداعش كان يعمل لمدّة ثلاث سنوات متتالية لكنّ خبرته التقنية بشكل عام صغيرة. فهو يقارب مستوى احترافيّة مجموعة "أنونيموس" في حين أنّه غير قادر على قرصنة منشآت أو بنى تحتيّة غربيّة. القدرة الضعيفة لدى التنظيم في شنّ الهجمات السيبيريّة "تدهش" ويلهوت إلى حدّ بعيد.

ضوء في نهاية النفق؟

وبرزت أخبار جيّدة أخرى العام الماضي تمثّلت في قدرة وحدة الإمرة السيبيريّة في #الولايات_المتّحدة من الحصول على رمز المرور لقادة داعشيّين ومحوها لدعايتهم الإرهابيّة وحرمانهم من الدخول إلى مواقعهم الافتراضيّة كما ذكّر بذلك كلارك وسيرينا. وحديث سلطان عن "أنّنا بدأنا نفهم اليوم كيفيّة استخدام أدوات التسويق من أجل تقويض داعش"، يمكن أن يضاف إلى القدرات الغربيّة المستحدثة في مواجهة داعش داخل العالم الافتراضي. لكن مع ذلك، لن يكون بإمكان أحد أن يغفل طول المعركة المقبلة مع "الخلافة 2.0".