التاريخ: نيسان ٣٠, ٢٠١٧
المصدر: جريدة الحياة
فرنسيس ... أول بابا «يعانق» الأزهر منذ ألف عام
البابا فرنسيس يدعو إلى وقف الحروب ونبذ الكراهية
القاهرة - طوني فرنسيس 
أكبر من مؤتمر وأبعد من لقاء روحي ديني إسلامي مسيحي. تلك هي الفكرة الأساسية التي يخرج بها المتابع لمؤتمر الأزهر من أجل السلام الذي نظمه الأزهر الشريف في القاهرة يومي الخميس والجمعة وتوج بوصول البابا فرنسيس إلى الأزهر ليلقي كلمة الختام إلى جانب كلمة الإمام الأكبر، شيخ الأزهر ورئيس مجلس الحكماء المسلمين الدكتور أحمد الطيب.

لقد جعلت المناسبة ونوعية الحضور في المؤتمر منه حدثاً فريداً بل وتاريخياً. ولم تأتِ صفة تاريخية المناسبة عرضاً، فتجمّعت عوامل عدة سمحت بالقول إن نجاح القمة المسيحية– الإسلامية في العاصمة المصرية القاهرة يمثل رداً مناسباً ليس فقط على محاولات استغلال الدين الإسلامي ووصمه بالإرهاب، وإنما أيضاً على تصاعد الأشكال الغوغائية للشعبوية في الغرب واستغلالها «الإسلاموفوبيا»، وعلى تجار السلاح والدول التي تدعم الإرهاب، كما على المباعدين بين الأديان، خصوصاً المسيحية والإسلام.

نجح البابا فرنسيس والشيخ أحمد الطيب في خطابيهما وعناقهما تحت قبة الصرح الإسلامي المصري العالمي العريق، في استعادة الدفء إلى علاقات الأزهر والفاتيكان. كانت تلك العلاقات انقطعت تماماً في زمن البابا السابق بينيديكتوس بسبب تصريحاته في جامعة فرايبورغ عام 2006 ثم إثر الاعتداء على كنيسة الإسكندرية في 2011، إلا أنه بعد انتخاب البابا فرنسيس والمواقف الإنسانية التي أعلنها وعمل بها، بدءاً من رفض تحميل الدين الإسلامي أو أي دين مسؤولية الأعمال الإرهابية، وصولاً إلى احتضانه المهجرين والمظلومين، خصوصاً من البلدان العربية والشرق أوسطية، بادر شيخ الأزهر إلى معاودة التواصل مع الفاتيكان وزار البابا فرنسيس في 2015 واتفقا على وصل ما انقطع وبادر الطيب البابا بفكرة عقد مؤتمر من أجل السلام والحوار يعقد في القاهرة، فوافق على الفور وبدأت الاستعدادات.

العلاقات بين الفاتيكان والدولة المصرية لم تنقطع، فهي قائمة على المستوى الديبلوماسي منذ عام 1947، أي أن زيارة البابا صادفت مرور سبعين عاماً على هذه العلاقة، غير أن احتدام الصراعات وتصاعد موجات الإرهاب في السنوات الأخيرة وتعرض مصر نفسها لهجمات إرهابية مميتة جعل تطوير العلاقة بين القيادتين الدينيتين المسيحية والمسلمة في الأزهر والفاتيكان أمراً ملحاً... وإلى دعوة الطيب للبابا لزيارة مصر جاءت دعوة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والكاثوليكية وتوجت هذه الدعوات بدعوة رسمية من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

وفيما كان الفاتيكان يراكم مواقفه الصريحة، كان الأزهر يعمل على خط مماثل في التقريب بين الأديان وتكريس لغة الحوار. وفي شباط (فبراير) الماضي عقد مؤتمراً مهماً مسيحياً إسلامياً خرج بإعلان يتبنى المواطنة ودولتها بديلاً ورداً على الدعوات المتطرفة في شأن قيام الدولة الدينية والمذهبية التي تشتت مواطنيها وتدفعهم إلى التناحر والصدام وتعمم منطق التكفير وبالتالي الإرهاب، والإضافة التي قدمها مؤتمر الأزهر الراهن تمثلت بجملة وقائع يمكن إجمالها كالتالي:

- تمكن الأزهر ومعه الكنيسة المصرية من عقد اجتماع للقيادات الدينية الإسلامية والمسيحية على المستوى العالمي قد يكون فريداً من نوعه خصوصاً على المستوى المسيحي. إسلامياً جمع المؤتمر سنّة وشيعة ودروزاً ورابطة العالم الإسلامي وعلماء من السعودية وإندونيسيا ولبنان والمغرب العربي ودول عربية وإسلامية أخرى. ومسيحياً جمع قادة الطوائف المسيحية في مصر والدول العربية إلى جانب ممثلي الكنائس في أميركا وأوروبا، وحضر البطريرك برتلماوس بطريرك القسطنطينية (روما الشرق كما هو لقبها الكنسي) وممثلو الكنيسة الإنجيلية ومجلس الكنائس العالمي، إلى جانب مسؤولي جامعات مسيحية أوروبية وسانت إيجيديو الإيطالية مركز الحوار والتلاقي.

- هذا الجانب المسيحي من الحضور كان لافتاً، إذ إن صعوبات كثيرة أعاقت في الماضي اجتماعات بين أقطاب الكاثوليكية والأرثوذكسية، لكن الصعوبات ذُلّلت في مصر وجاء البابا فرنسيس ليختم بـ «السلام عليكم» فألهب جمهور الختام مشايخ وأساقفة ومواطنين.

- حاول كثيرون أن يقنعوا البابا فرنسيس بإرجاء زيارته، خصوصاً بعد تفجير كنيستي طنطا والإسكندرية. إلا انه أصر على الزيارة في موعدها ووجّه رسالة محبة وسلام إلى المصريين قبل وصوله ورفض في القاهرة استعمال سيارة مصفحة. كانت مصر منشغلة بأمن الزيارة وكان همه تعزية المسيحيين والمصريين جميعاً باعتبارهم ضحية إرهاب يطول الجميع.

- بهذا المعنى اعتبرت القيادة السياسية المصرية الحضور القيادي الديني الكثيف وزيارة البابا فرنسيس إشارة ثقة بمصر، بأمنها واستقرارها وبمستقبلها، خصوصاً أنها تعاني بسبب التهديدات الإرهابية وانحسار قطاع السياحة من مصاعب جمة...

كان القادم من روما، بما يمثله كرأس لكنيسة تضم أكثر من بليون ومئتي مليون مؤمن، البابا الكاثوليكي الأول الذي يزور الأزهر وفيه يعانق شيخه ويحادث طلبته. لم يحصل ذلك منذ قيام الأزهر قبل ألف عام. وفي الأزهر نفسه تحدث البابا مختتماً المؤتمر من أجل السلام في العالم وسبقه إلى الكلام الإمام الطيب... وعندما انتهيا شعرا كأنهما يلقيان الخطاب نفسه بالهموم والعناوين التي يهجسان بها: الدين محبة وخير وتقارب بين الناس، وليس أداة تحريض واستغلال.

البابا فرنسيس يدعو إلى وقف الحروب ونبذ الكراهية

آخر تحديث: الأحد، ٣٠ أبريل/ نيسان ٢٠١٧ (٠١:٠٠ - بتوقيت غرينتش) القاهرة – أحمد مصطفى 
ترأس البابا فرنسيس، في اختتام زيارته الأولى إلى القاهرة أمس، قداساً أقيم في ملعب الدفاع الجوي، في ضاحية التجمع الخامس (شمال شرقي القاهرة)، احتشد للمشاركة فيه الآلاف من اتباع الطائفة الكاثوليكية، ووجه خلاله الدعوة إلى «نشر السلام في العالم ونبذ العنف والكراهية، ووقف الحروب».

وبدا واضحاً التنظيم الجيد مع دخول البابا الملعب، على متن عربة صغيرة مكشوفة، وجاب أرجاء المكان موجهاً التحية إلى الحضور، على أصوات تراتيل الجوقة والأوركسترا، وتوقف عند مجموعة من الأطفال يرتدون زياً فرعونياً واستقبلهم مبتسماً، فاتحاً ذراعيه، قبل أن يصعد إلى المنصة التي أقيمت خصيصاً للمناسبة، وبارك زواج عروسين تواجدا ضمن الحضور، كما حظي البابا باحتفاء لافت، إذ بالتزامن مع ترؤسه القداس، أطلقت البالونات التي كانت تحمل صورة مكتوباً عليها شعار زيارته لمصر وهو «بابا السلام في مصر السلام»، في سماء المعالم الرئيسية للقاهرة، وبدا إقامة القداس في ملعب كرة، على غير المعتاد، رسالة كون مصر تنعم بالأمن والاستقرار، وكان البابا محاطاً برجال أمن في زي مدني، فيما حلقت المروحية في سماء الملعب، وانتشرت فرق القوات الخاصة على البوابات الرئيسية. وحذر البابا من التطرف الديني، داعياً في كلمته التي استهل فيها بـ «السلام عليكم»، إلى «الوحدة في مواجهة العنف»، كما دعا إلى «نشر السلام في العالم ونبذ العنف والكراهية، ووقف الحروب واحترام كرامة الإنسان واحترام الآخر»، وبارك البابا مصر باعتبارها واحدة من أقدم الدول التي اعتنقت المسيحية وكرر دعوته للتسامح.

وقال: «الإيمان الحقيقي هو ذاك الإيمان الذي يجعلنا أكثر محبة وأكثر رحمة وأكثر صدقاً وأكثر إنسانية... هذا ما يقودنا إلى أن نرى في القريب (منا) لا عدواً علينا أن نهزمه... بل أخاً علينا أن نحبه ونخدمه ونساعده... إن الإيمان الحقيقي هو ذاك الذي يحثنا على أن ننشر ثقافة اللقاء والحوار والاحترام والإخوة».

وأضاف: الإيمان الحقيقي «يحملنا على حماية حقوق الآخرين بنفس القوة والحماسة اللذين ندافع بهما عن حقوقنا»، منبهاً إلى أن «الله لا يرضى إلا عن إيمان يعُبرَّ عنه بالحياة... لأن التطرف الوحيد الذي يجوز للمؤمنين إنما هو تطرف المحبة، وأي تطرف آخر لا يأتي من الله ولا يرضيه»، وتحدث البابا عن عظمة المسيح ومواجهته بشجاعة للشرور والآلام، قبل أن ينهي كلمته بـ «لا تخافوا من أن تحبوا جميع الأصدقاء والأعداء، وفي المحبة التي نعيشها تكمن القوة، وفيها كنز للمؤمن».

وكان فرنسيس بدأ زيارته القاهرة، بيوم مكثف من الاجتماعات، وعقد مساء أول من أمس، على هامش زيارته للكاتدرائية المرقسية في العباسية، اجتماعاً مع بطريرك الأقباط الأرثوذكس البابا تواضروس الثاني وقعا خلاله على وثيقة لإنهاء الخلاف بين الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية حول إعادة سر المعمودية، كما اجتمع بعدد من كبار أساقفة الكنيسة، وقام البابا فرنسيس يرافقه البابا تواضروس بوضع إكليل من الزهور على نصب تذكاري لشهداء الحادث الإرهابي الذي وقع في الكنيسة البطرسية نهاية العام الماضي، وترأس قداساً بحضور أعضاء مجلس كنائس مصر على أرواح الضحايا.

وأصدر فرنسيس وتواضروس بياناً مشتركاً حمل عنوان «بابا المحبة يلتقي بابا السلام» أكدا فيه «أواصر الأخوة والصداقة»، واعتبرا أن اللقاء في مصر «علامة لصلابة علاقتنا التي سنة بعد سنة تنمو في التقارب والإيمان»، لكنهما أكدا «أننا نعي أن طريق سعينا ما زال طويلاً، غير أننا نستحضر الكم الكبير مما تم إنجازه حتى الآن. ونحن عازمون على استكمال الخطوات وبالاقتناع التام بأن الوحدة تنمو فيما نحن نسير معاً... ويمكننا منذ الآن أن نتعاون في مجالات كثيرة وأن نظهر، في شكل ملموس، عمق الغنى الذي يجمعنا بالفعل. فباستطاعتنا معاً أن نقدم شهادة مشتركة عن القيم الأساسية».

وأضاف البيان: «أننا نتشاطر الحرص على رخاء مصر ومستقبلها. لكل أعضاء المجتمع الحق والواجب بالمشاركة الكاملة في حياة الأمة، متمتعين بالمواطنة والتعاون الكاملين والمتساويين في بناء وطنهم. في الحرية الدينية التي تتضمن حرية الضمير، هي حجر الأساس لبقية الحريات. إنها حق مقدّس وغير قابل للمساومة». وتابع: «لنكثف صلاتنا المتواصلة من أجل جميع مسيحيي مصر والعالم، خصوصاً في الشرق الأوسط».