التاريخ: نيسان ٢١, ٢٠١٧
المصدر: جريدة الحياة
الحوثيون يلجأون إلى المحاكمات لضبط السخط الشعبي وعلي صالح يقاطع تظاهراتهم
صنعاء - عادل عبدالله 
بات واضحاً أن الميليشيات الحوثية بدأت تفقد توازنها بسرعة كبيرة وغير متوقعة، ما يعكس إدراكها حقيقة وضعها العسكري المتهاوي أمام قوات الجيش الوطني التابع للسلطات الشرعية، والمدعوم من دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، وتراجع فاعليتها السياسية والشعبية، بفعل الفساد الملموس بقوة في أوساط قياداتها، وعجزها الفاضح في إدارة مؤسسات الدولة، التي أضحت مشلولة القدرات والتأثير، وعدم اكتراثها لمعاناة الشعب اليمني، الذي دخل 80 في المئة منه دائرة المجاعة، بسبب توقف عجلة الاقتصاد، وعدم صرف المرتبات لأكثر من مليون وربع مليون موظف منذ سبعة أشهر.

دائرة الغضب الشعبي ضد الميليشيات اتسعت في الفترة الأخبرة، خصوصاً بعد احتدام خلافها المتفاقم مع حليفها الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وحزبه المؤتمر الشعبي العام صاحب الحضور الشعبي الكبير والمؤثر، بتحالفاته القبلية والسياسية الواسعة في المشهد اليمني، ومحاولاتها المستميتة لإحكام قبضتها على كل مفاصل وموارد الدولة، والعمل في شكل حثيث على إزاحة حليفها في الانقلاب من المشهد نهائياً، ما دفع صالح وحزبه لرفع الغطاء عن الميليشيات، ودفع إعلامه وناشطيه لمهاجمتها بشراسة وتعرية عجزها وفشلها لإسقاطها شعبياً.

الميليشيات الحوثية أدركت حجم الضرر الفادح الذي لحق بها من خلال حجم المشاركة المحدود، في المسيرة التي نظمتها الأحد الماضي في شارع المطار بالعاصمة صنعاء، لدعم توجيهات زعيم الميليشيات عبدالملك الحوثي لتفعيل قانون الطوارئ ومواجهة «الطابور الخامس»، والتي قاطعها علناً حزب المؤتمر الشعبي، ودعا قواعده وأنصاره الى عدم المشاركة فيها، بيد أن الحوثيين وهم يدركون تراجع حركتهم، وارتفاع منسوب الغضب الشعبي تجاههم، يسعون للتغلب على ذلك من خلال العديد من الإجراءات والخطوات، التي تعكس حالة التخبط التي يعيشونها، وتقودهم وفق مراقبين لارتكاب المزيد من الأخطاء، التي من شأنها تقريب نهاية انقلابهم.

ويؤكد المراقبون في أحاديث إلى «الحياة» أن تصعيد الميليشيات إجراءاتها ضد صالح وحزبه، ومحاولاتها الحثيثة إضعافه وإزاحته من المشهد السياسي، والانفراد بحكم المناطق والمحافظات التي لا تزال خاضعة لسيطرتها، «يعكس عدم إدراك الحجم الحقيقي لحليفها، وما لديه من أوراق قوية يستطيع تحريكها لمصلحته، وفي الوقت ذاته تعفيه من تبعات الإخفاقات الكارثية للمشروع الانقلابي، وما وصلت إليه البلاد من انهيار شامل على المستويات المعيشية والاقتصادية والخدمات العامة، لتتحمل الميليشيات وزر كل ذلك منفردة، وهو ما بدأ صالح وحزبه بتسويقه شعبياً منذ أشهر عدة، ليستفيد في نهاية المطاف من كل ذلك».

ويرى المراقبون أن الميليشيات الحوثية، وبدلاً من العمل الجاد «لتغيير الصورة السلبية التي تشكلت لها في الوعي الشعبي، وامتصاص حالة الاحتقان والسخط الواسعين في أوساط المجتمع، من خلال تقديم مشروع وطني واضح المعالم، للنظام والدولة التي تسعى الى التفرد بحكمها، وبما يحقق العدل والمساواة ويكفل الحقوق والحريات، ويعكس الحرص على دفع الحقوق، وفي مقدمها مرتبات الموظفين ومساعدة المعوزين، وتفعيل دور مؤسسات الدولة والخدمات المقدمة للمواطنين، فإنها تعمل بكل طاقتها لتدمير كل مقومات الدولة، والبقاء بمظهر العصابة المسلحة التي لا يحكمها قانون، ولا تلتزم بنظام، ولا تراعي حقوق المواطنين ومصالحهم».

وتستبق الميليشيات الحوثية المزيد من الانهيارات في صفوف مسلحيها في جبهات القتال، والثورة الشعبية أو ما بات يصطلح على تسميته بـ «ثورة الجوع» في وجه مشروعها الانقلابي، والتي من المتوقع دعمها وتغذيتها من قبل حليفها صالح وحزبه المؤتمر الشعبي العام، بتنفيذ العديد من الإجراءات التي تعتقد أنها سترهب مناوئيها، وتزرع الخوف والرعب في نفوس اليمنيين في مناطق سيطرتها، وبما يجبر الجميع على الخضوع لسلطتها، وعدم معارضتها أو التمرد عليها.

وعلى رغم أن الميليشيات التي اقتحمت العاصمة صنعاء في شهر أيلول (سبتمبر) 2014، كانت ولا تزال تمارس الاعتقالات التي طالت وفق الحكومة اليمنية الشرعية أكثر من 15 ألف شخص وهي مخالفة للقوانين، وتعذيب المعتقلين بأساليب مروعة، ما أدى إلى وفاة العشرات منهم تحت التعذيب، واقتحام منازل الخصوم وتفجير العشرات منها، وفرض الأتاوات المالية على التجار والبنوك والشركات وحتى المستشفيات، ومن دون الحاجة الى قانون يجيز لها تلك الأعمال والممارسات، بل إنها تحرص ولا تزال على إدارة الدولة بعقلية العصابة.

وتسعى الميليشيات لإعلان قانون الطوارئ ولتحويله إلى عصا ترفعها في وجه قيادات وناشطي حزب المؤتمر الشعبي العام، وكل معارضيها ومنتقدي فسادها، وفي الوقت ذاته بث المزيد من الرعب في نفوس اليمنيين، باعتبار أن ما سيتعرضون له بعد إقرار القانون أكثر بكثير مما تعرضوا له خلال العامين الماضيين، وفي الوقت ذاته وضع يدها على الممتلكات العامة والخاصة، وبالتوازي مع ذلك شرعت الميليشيات الحوثية بإجراء سلسلة من المحاكمات للمناوئين لمشروعها الانقلابي، تحت شعارات «الخيانة الوطنية» و «دعم وتأييد العدوان» و «التخابر مع دول أجنبية».

البداية كانت في 25 آذار (مارس) الماضي، حيث دانت المحكمة الجزائية المتخصصة بالعاصمة صنعاء الرئيس الشرعي لليمن عبد ربه منصور هادي، وستة من كبار معاونيه بتهمة «الخيانة العظمى»، وقضى منطوق الحكم الصادر عن محكمة تخضع لسيطرة الميليشيات بإعدام الرئيس هادي، ووزير الخارجية السابق رياض ياسين، ومدير مكتب الرئاسة السابق أحمد عوض بن مبارك، والنائبين في البرلمان عبدالعزيز جباري وسلطان العتواني، والأمين العام لحزب التجمع اليمني للإصلاح عبدالوهاب الآنسي، والرئيس السابق لجهاز الأمن القومي علي حسن الأحمدي، كما قضت المحكمة بحجز أملاكهم وأموالهم. قد يكون مفهوماً الغرض من الحكم الصادر بحق الرئيس اليمني ومعاونيه البعيدين من قبضة الميليشيات، وفق مصادر سياسية يمنية تحدثت إلى «الحياة»، قالت إن «الهدف من هذه الأحكام إعلامي وسياسي بالدرجة الأولى، وموجه للداخل وبخاصة عناصر ومؤيدي الميليشيات، لتعزيز التفافهم حولها وعدم الانصراف عنها والانخراط في صفوف المناوئين لها، بعد أن تراجعت شعبيتها وارتفع مستوى السخط الشعبي تجاهها».

بيد أن الحكم الصادر في 12 نيسان (أبريل) الجاري بحق الصحافي والكاتب اليمني يحيى عبدالرقيب الجبيحي، مثل مفاجأة غير متوقعة لمختلف الأوساط السياسية والإعلامية والحقوقية، بما فيها المنخرطون ضمن المشروع الانقلابي للحوثيين وصالح، ذلك أن المحكمة ذاتها دانت في جلسة سرية واحدة الصحافي والأكاديمي الجبيحي المعتقل مع نجله لدى الميليشيات منذ قرابة العام بتهمة «التخابر مع دولة أجنبية»، وقضى الحكم «بإعدام الجبيحي تعزيراً»، ما أثار موجة واسعة من الرفض لهذا الحكم على المستويات المحلية والعربية والدولية، بخاصة والمحكمة فصلت في هذه القضية خلال جلسة واحدة، ومن دون أن يتاح للجبيحي فرصة للدفاع عن نفسه أو تكليف محامٍ للدفاع والترافع عنه.

وطالبت المنظمات الدولية ميليشيات الحوثي بإلغاء الحكم الصادر بحق الجبيحي، وحملتها مسؤولية الحفاظ على حياته، كما تقود الوكالة الدولية للصحافة والدراسات الإستراتيجية (ايجيس) في باريس بالتعاون مع عدد من المنظمات الحقوقية الغربية واليمنية حملة دولية واسعة لوقف حكم الإعدام الصادر بحق الصحافي الجبيحي، وحقه في محاكمة عادلة، وقال رئيس المنظمة العربية لحماية ومساندة الصحافيين وسجناء الرأي المحامي عمر زين، في تصريح صحافي أن «الإجراءات التي طبقت في محاكمة الصحافي الجبيحي حرمته ومحاميه من حق الدفاع عن نفسه، ولا بد من حصوله على محاكمة عادلة».

كما أحالت ميليشيات الحوثي مؤخراً 36 ناشطاً من المناوئين لانقلابها على السلطات الشرعية للمحاكمة أمام المحكمة ذاتها بتهم «العمالة ومساندة العدوان»، ومن دون أن تتيح للمحامين المترافعين عن المتهمين فرصة الدفاع عنهم، بل وتعرضهم للاعتداء من قبل الحاضرين جلسات المحاكمة، وتوجه لهم تهم العمالة والارتزاق لاعتراضهم على الإجراءات غير القانونية المتبعة في سير المحاكمة، ما دفعهم للانسحاب من آخر جلسة، بخاصة أن الاعتداء الذي تعرضوا له «تم بإيعاز من عضو النيابة» وفق بلاغ صحافي لهيئة الدفاع عن المتهمين.

مصادر قانونية يمنية توقعت إصدار أحكام قاسية بحق الـ36 ناشطاً، بهدف إرهاب الناس، كما اعتبرت الحكم الصادر بحق الصحافي الجبيحي رسالة واضحة لعموم الصحافيين وما ينتظرهم من مصير مجهول، في حال انتقدوا ممارسات الميليشيات وكشفوا فسادها وانتهاكاتها المستمرة منذ أكثر من عامين، وقالت المصادر التي تحدثت إلى «الحياة» أن حكم الصحافي الجبيحي «يمثل إيذاناً ببدء محاكمات وأحكام مماثلة تنفيذاً لتوجيهات زعيم الحوثيين الذي يعتبر الصحافيين والناشطين السياسيين طابوراً خامساً».

وهو ما أكدته رسالة وجهها رئيس المجلس السياسي للانقلابيين بصنعاء مطلع شهر نيسان (أبريل) الجاري، لرئيس الحكومة بإعداد كشوف تتضمن أسماء القيادات السياسية والإدارية والعسكرية والأمنية المشاركين في ما سماه بـ «العدوان» لاتخاذ الإجراءات اللازمة بحقهم، ما يعد في نظر المصادر القانونية توجهاً واضحاً للميليشيات، للزج بأعداد كبيرة من خصومهم، ومن يعارضون أو يقفون في وجه مشروعهم الانقلابي، في محاكمات هزلية وفرض عقوبات غير قانونية بحقهم، حتى يتمكنوا من تمرير مشروعهم الانقلابي التدميري.