التاريخ: نيسان ١٤, ٢٠١٥
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
ردّ خليجي من بيروت على الحملات وملامح انفراج في ملف المخطوفين
اذا كانت الدعوات الى الاتعاظ من تجارب الحروب والفتن طبعت امس احياء الذكرى الـ40 لـ13 نيسان 1975، تاريخ نشوب حرب الأعوام الـ15 في لبنان، فان ايحاءات الذكرى لا يبدو انها غائبة عن الواقع الحالي، إذ لم يعد لبنان بمنأى عن تداعيات توريطه تكرارا في "حروب الآخرين" وهذه المرة ليس على أرض لبنان فحسب، وانما على ساحات عربية عدة أخرى.

ذلك ان هذه الايحاءات لم تعد تتصل بالوقائع المباشرة لمسلسل"التوريطات" والتي يشكل إقحام لبنان في الازمة اليمنية آخر حلقاتها من خلال الحملات المنهجية التصاعدية التي يشنها "حزب الله" على المملكة العربية السعودية مستثيرا مخاوف وتداعيات وردود فعل متنوعة، بل ان تطورا برز في هذا المنحى امس واتخذ دلالات رمزية من حيث الامعان في ربط لبنان بهذه الازمة. وتمثل الامر في دفن من يوصف بالزعيم الروحي للحوثيين في اليمن الشيخ عبد الملك الشامي في روضة الشهيدين بالضاحية الجنوبية لبيروت قرب ضريح القائد العسكري البارز الراحل في "حزب الله" عماد مغنية. وإذ برر الامر بوصية للشامي بأن يدفن قرب ضريح مغنية، لوحظ ان دفنه جرى وسط تعتيم اعلامي من جانب الحزب، علما ان الشامي كان نقل من اليمن الى أحد المستشفيات في طهران بعد اصابته في انفجار وتوفي هناك ونقل الى لبنان حيث دفن امس في الضاحية.

وفي حين جدد نائب الامين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم حملات الحزب الحادة على المملكة العربية السعودية واتهاماته لها "بارتكاب جريمة في اليمن"، أعربت أوساط وزارية عن تزايد الخوف من ان تتسبب هذه الحملات وما ينجم عنها من تفاقم التوتر الاعلامي والسياسي بإعادة حشر الحكومة نفسها في موقع شديد الحرج وعدم اقتصار الانعكاسات على مصير الحوار وجدواه بين "تيار المستقبل" و"حزب الله". ولفتت الى انه على رغم ان أي اشارة أو اجراء لم يصدرا عن المملكة كانعكاس سلبي يحمل الحكومة او قوى سياسية لبنانية اخرى تبعة عدم توقف هذه الحملات، فان ذلك لا يحجب الدلالات البارزة بل "الرسالة الديبلوماسية" الحازمة التي أطلقها الاجتماع الذي استضافه امس السفير السعودي في بيروت علي عواض عسيري في دارته وضم رؤساء بعثات دول التحالف المعتمدين في لبنان وعددا من الشخصيات السياسية وقدم خلاله عسيري شرحا للاسباب التي أملت على المملكة اتخاذ قرار اطلاق "عاصفة الحزم" والاهداف التي ترمي اليها. ولعل الدلالة الابرز في هذا اللقاء تمثلت في ان السفير السعودي عاود ابداء "أسفه للطريقة الانفعالية التي يتعاطى فيها فريق لبناني مع موضوع اليمن" متسائلا: "أين مصلحة لبنان في المواقف التي يتخذها هذا الفريق؟". كما ان السفراء الحاضرين استنكروا "حملات الاساءة والافتراء التي تتعرض لها المملكة وسفيرها في لبنان من بعض الجهات السياسية والاعلامية التي تعرض مصالح لبنان وأبنائه للخطر"، معبرين عن "تضامنهم الكامل مع السفير ووقوفهم الى جانبه".
 
عوده والرئاسة
أما في الجانب المتصل بأزمة الفراغ الرئاسي، فترددت في اليومين الاخيرين أصداء واسعة للعظة التي ألقاها متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عوده في مناسبة عيد الفصح لدى الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الشرقي والتي تضمنت مواقف حازمة من مختلف الملفات المطروحة ولا سيما منها الازمة الرئاسية. واذ حذر المطران عوده من ان "حضارات تمحى وشعوبا تواجه خطر الانقراض بسبب التعصب والعنف والارهاب وانكار الآخر المختلف "تناول الشأن الداخلي متوجها الى "ضمائر النواب مذكرا اياهم بأن التاريخ لا يرحم وان عليهم واجبا مقدسا ان ينتخبوا رئيسا للجمهورية في أسرع وقت" وقال: "ألستم أهلاً للمسؤولية واتخاذ القرار؟ احبسوا انفسكم في مجلس النواب ولا تخرجوا الا والمهمة قد أنجزت".
 
الجولة العاشرة
في ظل هذا المناخ المشدود، تعقد مساء اليوم في عين التينة الجولة العاشرة من الحوار بين "تيار المستقبل" و"حزب الله" والتي يعتقد انها ستشكل الاختبار الاصعب لهذا الحوار منذ انطلاقه وإن تكن جولات سابقة له تجاوزت تعقيدات لم تؤثر على استمراره. ويبدو واضحا ان راعي هذا الحوار ومستضيفه رئيس مجلس النواب نبيه بري بذل في الفترة الاخيرة جهوداً حثيثة لاقناع الفريقين باعتماد التهدئة الاعلامية ووقف السجالات العلنية حماية للحوار. لكن اوساطا قريبة من "المستقبل" لفتت عبر "النهار" الى ان تصريحات قادة الحزب ومسؤوليه ونوابه تشكل الجواب القاطع السلبي عن هذه الجهود ومن شأنها ان تضع الحزب وحده في زاوية المساءلة عن السقف والهدف اللذين يستدرج اليهما لبنان من خلال هجماته التصعيدية على المملكة العربية السعودية.
 
الحريري
في غضون ذلك، برز أمس تحرك للرئيس سعد الحريري الذي زار قطر والتقى اميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وتركز اللقاء على "اهمية التضامن العربي الذي تجلى في عملية عاصفة الحزم لاعادة الاوضاع الى طبيعتها في اليمن" كما شكر الحريري لأمير قطر "الجهود الدؤوبة التي تبذلها قطر لانهاء مأساة ملف العسكريين المخطوفين". وبعد عودته الى الرياض التقى الحريري وزير الداخلية نهاد المشنوق وأكد "أهمية الانجازات التي تحققها قوى الامن الداخلي في مكافحة الارهاب وآخرها الانجاز الذي قامت به شعبة المعلومات في طرابلس".

وعشية جلسة الحوار الجديدة، طالب وزير العمل سجعان قزي عبر "النهار"بالالتفاف حول الخطوات التي يتخذها وزير الداخلية نهاد المشنوق على الصعيد الامني و"ليس التحفظ عنها لإنه لا وسطية في مكافحة الارهاب". وقال: "نحن الى جانب وزير الداخلية في الخطط الامنية التي تمثل مشروعا أمنيا متكاملا يشمل كل البلد ولو بالتقسيط". وأضاف: "إذا كنا ننتظر خطة أمنية تشمل الـ 10452 كيلومتراً مربعاً لنتصدى للارهاب فإن النتيجة ستكون أن الارهاب سيعم كل لبنان".
 
انفراج؟
أما في ملف المفاوضات المتصلة بأزمة العسكريين المخطوفين، فأعلن امس أهالي العسكريين ارجاء تحرك لهم كان مقررا اليوم الى حين عودة المدير العام للامن العام اللواء عباس ابرهيم من تركيا ولقائه الأهالي "لأن المؤشرات ايجابية". وافادت معلومات لـ"النهار" ان انفراجاً تحقق في المفاوضات يمكن معه توقع خطوات ايجابية وعلى مراحل بدءاً من الايام المقبلة، وتردّد ان جانباً من زيارة الرئيس الحريري لقطر كان متصلا بهذا التقدم، كما قالت معلومات ان الوزير وائل ابو فاعور انضم الى الجهود المبذولة بين قطر وتركيا.

عسيري: نأسف للتعاطي الانفعالي في موضوع اليمن

استضاف السفير السعودي في بيروت علي بن عواض عسيري رؤساء بعثات دول التحالف المعتمدين في لبنان (الكويت، قطر، الامارات العربية المتحدة، المملكة الأردنية الهاشمية، جمهورية مصر العربية، جمهورية السودان، المملكة المغربية، جمهورية تركيا) وعددا من الشخصيات السياسية والإعلامية حيث عقد لقاء تشاوري عن التطورات في المنطقة لا سيما احداث اليمن، إضافة الى الأوضاع اللبنانية.
 
وقدم عسيري شرحا للأسباب التي أملت على المملكة اتخاذ قرار اطلاق "عاصفة الحزم" والاهداف التي ترمي الى تحقيقها من خلالها "وهي المحافظة على الشرعية في اليمن ووحدة الأرض وسلامة الشعب واستمرار المؤسسات"، مؤكدا "ان بعض الجهات الإقليمية التي لا تريد الخير لليمن غررت بفئة من شعبه واستغلتها لتحقيق اهداف ومآرب تصب في مصلحتها، وقد اتجهت الآن إلى تغطية مساوئها وارتكاباتها عبر محاولة انتقاد المملكة وقيادتها وتشويه صورتها، فيما العالم كله يعرف حقيقة علاقات الجوار التاريخية التي تربط المملكة باليمن والوقفات الأخوية والمساعدات التي لا تحصى التي قدمتها قيادة المملكة الى الشعب اليمني". وابدى اسفه "للطريقة الانفعالية التي يتعاطى فيها فريق لبناني مع موضوع اليمن"، سائلاً: "أين مصلحة لبنان في المواقف التي يتخذها هذا الفريق؟".

بدورهم، اكد السفراء "ان وقوف بلادهم إلى جانب المملكة في "عاصفة الحزم" هو قرار استراتيجي"، مستنكرين "حملات الإساءة والافتراء التي تتعرض لها المملكة وسفيرها في لبنان من بعض الجهات السياسية والإعلامية التي تعرض مصالح لبنان وأبنائه للخطر"، وعبروا عن "تضامنهم الكامل مع السفير ووقوفهم إلى جانبه".

علي حماده أمام المحكمة: أبديتُ للحريري تحفّظاً عن التطمينات السورية إلى أمنه

كلوديت سركيس
حملت افادة الصحافي علي حماده حيثيات جديدة في تفاصيلها، ظهرت للمرة الأولى علناً أمام غرفة الدرجة الأولى في المحكمة الخاصة بلبنان برئاسة القاضي ديفيد راي، منذ بدء المحاكمة في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
 
تحدث حماده في الجلسة عن ظروف فكرة برنامجه "الاستحقاق" في "تلفزيون المستقبل" لمعارضة التمديد للرئيس إميل لحود، معرجاً على استهداف تلك المحطة بصواريخ، "وكنا ندرك في قرارتنا ان وراء الاعتداء العقل المدبر، وهو الوصاية السورية. وبعد التمديد استمر البرنامج في اطار المعركة ضد الوصاية السورية، وفي معظم اللقاءات التي كنا نتحدث فيها مع الحريري كنا نترك هواتفنا الخليوية خارج القاعة او يتم تشغيل جهاز التشويش عليها خوفاً من التنصت".
وأتى حماده على ذكر لقاء جمع النائب والصحافي جبران تويني والحريري، بناء على طلب الأخير، في قصر قريطم في الاول من آب 2004، بعد علاقة عادية كانت بينهما، بهدف تحصين علاقة الحريري السياسية معه في معارضة التمديد والوصاية السورية، واقامة علاقة عميقة مع عضو "لقاء قرنة شهوان" آنذاك، تويني للمرحلة المقبلة.

ثم تحدث حماده عن لقائه المسؤول الأمني السوري محمد ناصيف بطلب من الحريري، بعد محاولة اغتيال النائب مروان حماده "لإيصال رسائل عبره الى الرئيس بشار الأسد". وقال: "أراد الحريري فتح قناة تواصل موثوق بها مباشرة مع الرئيس السوري، لأنه كان يشك في أن العديد من رسائله الى سوريا كان يتم تشويهها من الرُسُل لدفعهما الى الاصطدام، وبعيداً من الاجهزة الامنية التي كانت تراقب تحركاته. وفحوى رسالته تغيير طريقة سوريا في نمط تعاملها في لبنان، اذ لا يمكن الابقاء على احكام القبضة السورية الكاملة فيه. وتسلّم ناصيف رسالة الحريري بايجابية من دون جواب. وكان حاداً جداً في الكلام عن النائب وليد جنبلاط، بخلاف كلامه عن الحريري. وطلب مني العودة للجواب. وفي اللقاء الثاني في 22 تشرين الثاني 2004، بعد نحو عشرة ايام، قال ناصيف ان سوريا لا تكنّ عداء للحريري انما نحن منزعجون من بعض ادائه السياسي وطريقة تعامله معنا. ونريد في المقابل ان يعرف ان كل صداقاته الدولية والعربية لا يمكن التعويل عليها لأن هؤلاء يتحدثون معنا مباشرة". وأضاف ناصيف أنه نقل الرسالة الى الأسد وان الأخير إيجابي. وسنحاول تحسين الأمور مع الحريري. وطلب مني نقل رسالة الى الحريري من الناحية الجيوسياسية في ما يتعلق بالتمديد. ثم التقيته مرة ثالثة في كانون الاول 2004 لاستيضاح جو الاسد والقيادة السورية تجاه الحريري. واعتبر ناصيف ان رسائل الحريري مدعاة سخرية، وانه في ضوء حركة الحريري المعارضة على الارض ثمة تناقض في وجهة نظرنا كسوريين". وكان ذلك موقف الأسد تبعاً لكلام ناصيف".

وذكر حماده انه التقى الحريري في منزله قرابة الثامنة صباح 14 شباط في حضور نواب ووزراء، "وفجأة أخذني الحريري جانباً وبدا مستعجلاً وجدياً وقال لي جهّز نفسك، ستذهب اليوم الى دمشق للقاء ناصيف". فأجبته: "انا جاهز. ولم اتبين شيئاً منه عن مضمون رسالته. وكنا سنتحدث عنها بعد عودته من مجلس النواب. وقبل 24 ساعة من اغتياله التقيته صباح الاحد في دارته، وبادرته، ألا تخشى على أمنك دولة الرئيس؟ فأجابني: "أنظر الى كمية الصحف على الطاولة". وتصدرتها صحيفة "الحياة" حيث تحدثت المانشيت عن تحذيرات تلقتها دمشق من أميركا وفرنسا عن عدم المسّ بأمن الحريري وجنبلاط. وقال لي الحريري: "اتعتقد انه غبي ليفعلها؟". قاصداً الأسد.

وتطرق الشاهد الى لقاء في باريس "حيث التقى الحريري طه ميقاتي شقيق الرئيس نجيب ميقاتي، وهي عائلة مقربة من سوريا. وبعد انتهائه أجابنا والسفير جوني عبده ومستشاره هاني حمود بأن ميقاتي حمل رسالة من الاسد فحواها أنه لا يكنّ الضغينة للحريري، وهو مستعد للبحث والتفكير معه في امكان تغيير حكومة كرامي ليتمكن من تشكيل حكومة. وكانت مواقفنا شديدة التحفظ عن هذه الرسالة التطمينية لأن الضغط على الارض كان مختلفاً في بيروت بين الحريري والقيادة السورية. وابدينا مخاوفنا وشكوكنا العميقة".

ورداً على مآل طلب الحريري لجهة رسالته الى ناصيف، قال حماده: "قبل أن يهمّ الحريري بركوب سيارته مغادراً الى مجلس النواب، طلب مني ان التقيه بعد الغداء. وكنت اتصلت قبل ساعة من الانفجار بمكتب ناصيف لتحديد موعد، فاستمهلني لإعادة الجواب الذي لم يأتني، لأن الانفجار كان حصل".

ثم بدأ محامي الدفاع جونز عن مصالح المتهم مصطفى بدر الدين بالاستجواب المضاد. ورفعت الجلسة الى اليوم لمتابعة الاستجواب المضاد.