التاريخ: آذار ١٨, ٢٠١٩
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
الزواج المدني يحفظ للأفراد حقّهم في حرية الاعتقاد
المحامي أحمد مكداش
يعترف القانون اللبناني بالزواج المدني الحاصل خارج لبنان، وينص على قيده في سجلات الأحوال الشخصية مع بقائه خاضعاً للقانون الذي احتفل بموجبه من دون فرقٍ بين عقود دينية أو مدنية سنداً للمادة 25 من القرار رقم 60 تاريخ 13/3/1936. وتنص المادة 79 من قانون أصول المحاكمات المدنية على أنه: "تختص المحاكم اللبنانية المدنية بالنظر في المنازعات الناشئة عن عقد الزواج الذي تم في بلد أجنبي بين لبنانيين أو بين لبناني وأجنبي بالشكل المدني المقرر في قانون ذلك البلد. وتراعى أحكام القوانين المتعلقة باختصاص المحاكم الشرعية والدرزية إذا كان كلا الزوجين من الطوائف المحمدية وأحدهما على الأقل لبنانياً".

بدأت محاولات إقرار الزواج المدني في لبنان، منذ نشأة الجمهورية اللبنانية، مع صدور قرار المندوب السامي الفرنسي رقم /60 ل.ر./ بتاريخ 13/3/1936، وتعديلاته بالقرار رقم /146 ل ر/ تاريخ 18/1/1838. وقد نصت الفقرة الثانية من المادة العاشرة من القرار رقم /60 ل.ر./ تاريخ 13/3/1936 على أن: "يخضع السوريون واللبنانيون المنتمون إلى طائفة تابعة للحق العادي وكذلك السوريون واللبنانيون الذين لا ينتمون لطائفة ما للقانون المدني في الأمور المتعلقة بالأحوال الشخصية". وقد أثار هذا القرار وتعديلاته معارضة شديدة من المسلمين، مما أدى إلى إصدار المفوض السامي الفرنسي القرار رقم /53 ل ر/ تاريخ 30/3/1939، ونص فيه صراحةً على أن القرار /60 ل.ر./ تاريخ 13/3/1936 لا يطبق على المسلمين. وبتاريخ 2/4/1951 أصدرت السلطة اللبنانية قانوناً لتحديد صلاحيات المراجع المذهبية للطوائف المسيحية واليهودية، ونص في المادة 25 منه على أن الزواج المدني الذي يعقد في الخارج بين لبنانيين، أو لبناني وأجنبي، في بلد يقر الزواج المدني فقط، يعتبر صحيحاً ويخضع للقانون المدني ولسلطة المحاكم المدنية. وقد استمرت محاولات إقرار الزواج المدني في لبنان، عبر التقدم بمشاريع قوانين أهمها: مشروع قانون موحد للأحوال الشخصية في سنوات 1974 و1976 و1997، ومشروع قانون الزواج المدني الإختياري المقدم إلى مجلس الوزراء اللبناني المنعقد بتاريخ 13/3/1998. إلا أن هذه المحاولات جميعها لقيت المصير نفسه من حيث عدم إقرار قانون موحد للأحوال الشخصية، وللزواج المدني في لبنان.

لا يوجد في لبنان قانون موحد للأحوال الشخصية، ولا قانون خاص ينظم ويعطي الحق لكل مواطن لبناني بإجراء عقد الزواج المدني على الأراضي اللبنانية، بل ظلت عقود الزواج المدني المعترف بها، والتي يكون طرفاها أو أحد طرفيها لبنانياً، قاصرةً على العقود التي تجري في الخارج.

2500 عدد الذين يتزوجون في الخارج سنوياً ويسجلون عقودهم المدنية في لبنان

1000 عدد اللبنانيين الذين تزوجوا مدنياً في قبرص عام 2018 ورافقهم نحو 50 ألف مدعو

وقد سُجِّلت في 2/11/2012 سابقة في تاريخ لبنان، تم فيها عقد الزواج المدني للمرة الأولى على الأراضي اللبنانية، بين خلود سكرية ونضال درويش، بتوثيق الكاتب العدل، وبعد شطب قيدهما الطائفي من سجلات الأحوال الشخصية. والسؤال المطروح هنا: إذا كان القانون اللبناني العادي، الذي ينظم الأحوال الشخصية لحاملي الجنسية اللبنانية، ينص على الحق في الزواج المدني، وعلى وجوب الخضوع للقانون المدني دون غيره، في عقد الزواج على الأراضي اللبنانية بين من لا ينتمون إدارياً إلى طائفة من الطوائف الدينية والمذهبية، فما هو القانون المدني الواجب التطبيق في ظل غياب قانون موحد للأحوال الشخصية، أو قانون خاص بعقد الزواج المدني في لبنان؟ وتجيب المادة الرابعة من قانون أصول المحاكمات المدنية عن هذا السؤال، بأن القاضي يبقى ملزماً بالحكم على رغم انتفاء النص القانوني المكتوب، وذلك تحت طائلة اعتباره مستنكفاً عن إحقاق الحق.

الأسباب القانونية لمعارضي الزواج المدني في لبنان

1- ان الزواج المدني يخرق المادة التاسعة من الدستور اللبناني التي نصت على ضمان الدولة احترام نظام الأحوال الشخصية والمصالح الدينية لجميع الملل. ويمكن الرد على هذا السبب بأنه يجتزئ مضمون المادة التاسعة من الدستور اللبناني التي نصت أولاً على أن حرية المعتقد مطلقة.

2- ان القانون لا يعترف بطائفة غير دينية وفقاً لأحكام المادة 16 من القرار 60/1936. ويُرد على ذلك بأن المادة 17 منه قد لحظت حقوقاً لأبناء الطوائف غير المعترف بها، ولمن لا ينتمون إلى طائفة دينية. وهذا ما يشير مجدداً إلى اعتماد المعارضين للزواج المدني على اجتزاء النصوص القانونية.

3- ان الزواج المدني المعقود في الخارج لا يمس السيادة والقانون، لأن الإحالة على القانون الأجنبي هي في ذاتها تشريع داخلي. وإذا كان ذلك صحيحاً نسبياً لجهة عدم المساس بالقانون، إلا أن ما يمس بالسيادة هو عدم إقراره في الداخل كما في الخارج.

4- ان الصفة الإختيارية لقانون الزواج المدني، هرطقة قانونية، لأنه من خصائص القاعدة القانونية أنها قاعدة إلزامية تطبق على جميع المواطنين في الدولة. ويمكن الرد على هذا السبب من جهتين: الأولى أن الصفة الإختيارية لهذا القانون غايتها الإبقاء على أنظمة وقوانين الأحوال الشخصية العائدة للطوائف الدينية، وهي متعددة في الأصل، بعكس ما يحاول المعارضون للزواج المدني تصويره على أنه تنازع بين نظامين للأحوال الشخصية أحدهما ديني، والآخر مدني. وحجة المعارضين في هذه المسألة تؤدي بالمنطق القانوني السليم إلى وجوب إلغاء قوانين الطوائف الدينية لصالح قانون مدني موحد يطبق على جميع اللبنانيين.

والثانية أن قواعد قانون الزواج المدني لا تنقصها صفة الإلزام بالنسبة الى جميع المواطنين الذين يختارون عقد الزواج وفقاً لأحكام هذا القانون، وهو الأمر نفسه المنطبق على صفة الإلزام التي تتمتع بها القواعد القانونية المنصوص عليها في أنظمة الأحوال الشخصية المعمول بها لدى جميع الطوائف الدينية بالنسبة إلى المواطنين الذين يختارون عقد الزواج وفقاً لقانون الطائفة التي يتبعونها.