التاريخ: آذار ١٨, ٢٠١٩
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
إشكالية الدولة المدنية في ظل "فيتوات" طائفية تمنع التقدم
طرابلسي لـ"النهار": لبنان بلد علماني مدني ويحترم كل الأديان
"نريد الدولة المدنية"، شعار لا يزال يتردّد على ألسنة سياسيين بدءاً بالرئيس نبيه بري، مرورا بنواب ووزراء ومسؤولي أحزاب، الى قوى المجتمع المدني والمنظمات الاهلية. ويرفع المنخرطون في هذا الحراك شعار "الدولة المدنية" في الهتافات واللافتات المرفوعة خلال التظاهرات التي تشهدها البلاد من حين الى آخر على خلفية مطالب اجتماعية.

"النهار" تحدثت الى المحامي ابرهيم طرابلسي، الاستاذ المحاضر في كليات الحقوق، عن مفهوم الدولة المدنية، فرأى ان "الجمهورية اللبنانية بحكم المادة 9 من دستور 1926 مدنية علمانية ولا يمكن الاختلاف على الامر ولا مجال للتفسير والاجتهاد بمعرض النص الصريح: "حريّة الاعتقاد مطلقة والدولة بتأديتها فروض الاجلال لله تعالى تحترم جميع الأديان تحت حمايتها، على ان لا يكون في ذلك إخلال في النظام العام، وهي تضمن أيضاً للمواطنين على اختلاف مللهم احترام نظام الاحوال الشخصية والمصالح الدينية". ويعتبر ان "المرتكز الأول للدولة المدنية موجود في هذه المادة، لكن الطائفية الممارَسة على الأرض شوهت وجه الجمهورية اللبنانية المدنية وارتفع التمركز الطائفي والمذهبي وزادت الأحداث الأليمة التي دارت ما بين 1975 و1990 هذا التمركز".

ويؤكد طرابلسي انه "لا يمكن قيام دولة مدنية من دون إقرار قانون مدني اختياري للأحوال الشخصية. ويجب عدم تصوير الأمر كأنه نزاع أو خصومة بين الدولة المدنية ورجال الدين. هذا مفهوم خاطئ لا يمكن السير به تحت أي شعار. وقد أجازت المادة 14 من القرار 60 L.R إنشاء طائفة القانون العادي Communauté de droit commun بحيث ينتمي إليها اللبنانيون الراغبون وغير المنتمين للطوائف المعترف بها قانوناً. ويلزم لقيام طائفة القانون العادي مراسيم تنظيمية تصدر عن مجلس الوزراء طالما أن أية مادة من مواد القرار 60 L.R لم تعدَّل. طائفة القانون العادي موجودة قانوناً والمطلوب تنظيمها لجهة آلية الانتساب إليها وإقرار قانون للأحوال الشخصية يرعى علاقات افرادها، الأمر الذي لم يتمّ حتى تاريخه".

انتهاك لسيادة القانون الوطني

إزاء عدم إقرار قانون مدني للأحوال الشخصية، يسافر اللبنانيون إلى الخارج حيث يعقدون زيجات مدنية يُصار إلى تسجيلها في القنصليات وتعترف بها السلطات اللبنانية استناداً الى أحكام المادة 25 من القرار 60 L.R. لكن طرابلسي يرى في الامر "انتهاكا لسيادة القانون الوطني اللبناني، اذ تطبّق المحاكم المدنية المختصة قوانين الأحوال الشخصية الأجنبية التي بلغ عددها وفقاً لتقديرات القاضي جون القزي مئة وسبعة وعشرين قانوناً، فيما الأجانب الذين يعقدون زواجاً خارج بلدانهم وفقاً للمراسيم المعتمدة لديها يُطبّق عليهم في حال رفع خلافهم الزوجي أمام محاكمهم قانونهم الوطني وليس القانون الذي في ظلّه عقد زواجهما كما هي الحال في لبنان".

مشروع الدولة اللبنانية

ويسأل طرابلسي عن مشروع الدولة اللبنانية في هذا المجال، اذ "منذ بدء الحديث والتجاذب لجهة إقرار قانون مدني للأحوال الشخصية لم يكن للدولة اللبنانية رأي رسمي بالموضوع. بتاريخ 18 آذار 1998 أقرّ مجلس الوزراء اللبناني في عهد المغفور له الرئيس الياس الهراوي بأكثرية 21 صوتاً من أصل 30 مشروع قانون مدني اختياري لم يسلك طريقه الدستوري إلى مجلس النواب بسبب امتناع الرئيس الشهيد رفيق الحريري عن توقيعه". ويؤكد ان المشروع لا يلغي القوانين الطائفية القائمة والمحاكم الروحية، بل يترك حرية الاختيار للمواطن اللبناني في موضوع أحواله الشخصية. ويأسف لأن فئة من اللبنانيين تعمد إلى تغيير طائفتها ضمن الديانة الواحدة أحياناً، وإلى تغيير دينها أحياناً أخرى، في محاولة للتنصّل من نتائج الزواج في إطار القانون الطائفي الذي رعاه، مما يسيء إلى الاستقرار القانوني والاجتماعي. هذا عدا عن ازدياد عدد اللبنانيين الذين يُسافرون إلى الخارج لعقد زواج مدني في ظلّ غياب قانون مدني يرعى أحوالهم الشخصية. ويأمل طرابلسي في أن تجربة الزواج المدني في لبنان (العقود التي جرت أمام الكتاب العدل) فتحت الباب للفتاوى والآراء القانونية، تمهيداً لخلق واقع قد يصعب تجاوزه ويحدث الكثير من التعقيدات في ظلّ عدم وجود قانون مدني في لبنان يرعى مثل هذه الزيجات.

ويختم بأن "على مَن ينادي بالدولة المدنية القبول بأن إحدى ركائزه هي القانون المدني للأحوال الشخصية ويعمل لإقراره حتى تكتمل "سيبة" ركائز الدولة المدنية".