التاريخ: آذار ٧, ٢٠١٩
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
المرأة في لبنان: إمكانات للنمو لم تتحقق بعد
فيليب لازاريني
يشكّل اليوم العالمي للمرأة مناسبةً للاحتفال بحقوق المرأة وإنجازاتها، كما أنه الوقت المناسب للاستفادة من التقدّم المحرز نحو تحقيق المساواة بين الجنسين. لكنّ الأهم من ذلك أنه مناسبة للنظر في ما نواجهه من أوجه التقصير، ولنُعيد التزام العمل نحو بناء عالم متمكّن وأكثر توازناً وتكافؤاً بين الجنسين.

إن المساواة بين الجنسين ليست مجرد حق أساسي من حقوق الإنسان، بل ركيزة ضرورية لبناء مجتمع سلمي، ومزدهر، ومستدام. التزم لبنان إلى جانب 192 دولة أخرى في العام 2015 أجندة 2030 للتنمية المستدامة حيث أن هدف تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين جميع النساء والفتيات هو جزء أساسي منها. لكننا لا نزال بعيدين عن تحقيق هذا الهدف.

تُعيق الأطر التشريعية في لبنان حتى الآن نَيل المرأة حقوقاً اقتصادية متساوية. فالملكية العقارية تعود غالباً الى الرجل. أما فرص المرأة في نيل حصصها من الأراضي الموروثة محدودة، الأمر الذي يعيق قدرتها في الحصول على قروض وبالتالي فرصها للاستثمار. ونادراً ما تعترف قوانين الأحوال الشخصية بمفهوم الممتلكات الزوجية، كما بقيمة العمل المنزلي غير المدفوع الأجر. يمنع قانون العمل اللبناني النساء من العمل في حقول معينة تعتبر خطرة أو صعبة للغاية، مثل صناعتي التعدين واللحام، أو إنتاج الكحول، أو في المسالخ. ونتيجة للتمييز بين الجنسين، تشغل النساء وظائف مخفوضة الأجر، فينتهي الأمر بعدد كبير منهن في بيئات عمل غير آمنة. ووفقاً للبنك الدولي في العام 2017، شكّلت المرأة نسبة 25 في المائة من القوى العاملة، وهي غير ممثلة بشكل كاف في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة، لا تترجم الخطوات في المجال التعليمي، ويا للأسف، إلى تمكين اقتصادي أو سياسي.

لا عجب إذاً أن لبنان يحتل المرتبة الـ140 في المؤشر العالمي للفجوة بين الجنسين لعام 2018. إن الرحلة في اتجاه تحقيق المساواة طويلة، وسوف تستغرق أجيالاً ما لم تتخذ تدابير جريئة. لم يعد أمامنا الكثير من الوقت إذا ما أردنا تحقيق أجندة 2030 الطموحة وأهداف التنمية المستدامة الـ17 وعدم ترك أحد خلف الركب.

الاحتفال باليوم العالمي للمرأة لهذا العام يأتي تحت عنوان "نطمح الى المساواة، نبني بذكاء، نبدع من أجل التغيير". وهو يأتي بتوقيت مناسب للبنان.

في ربيع 2018، ترشّحت 86 امرأة للانتخابات النيابية . وقبل بضعة أسابيع فقط، شهدنا تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة التي ضمّت أربع نساء، وهو أعلى رقم حتى الآن في تاريخ لبنان على رغم أنه لا يشكّل سوى نسبة 13 في المائة من عدد الوزراء. وفي بيانها الوزاري، أعلنت الحكومة التزامها دفع المساواة بين الجنسين قدماً من خلال تعزيز مشاركة المرأة في الحياة السياسية والعامة. كما أعلن رئيس الوزراء اللبناني في مؤتمر المشرق حول التمكين الاقتصادي للمرأة حديثاً عن التزام لبنان ببرنامج عمل وطنياً لتمكين النساء اللبنانيات اقتصادياً، ورفع نسبة مشاركتهن في سوق العمل خمسة في المائة على الأقل في السنوات الخمس المقبلة. حان الوقت لقرن الأقوال بالأفعال وجعل تمكين النساء والفتيات في المجتمع اللبناني حقيقة واقعة.

لقد رأينا مراراً وتكراراً أن الاستثمار في التمكين الاقتصادي للمرأة يساهم في القضاء على الفقر وتحقيق النمو الاقتصادي. وقد أشارت حديثاً كريستالينا جورجيفا، الرئيسة الموقتة لمجموعة البنك الدولي، إلى أن الاقتصاد العالمي يخسر 160 تريليون دولار من ثروته بسبب عدم المساواة بين الجنسين وما يترتب عليه من عدم الحصول على الائتمان وحقوق الملكية والاختلافات في المداخيل بين المرأة والرجل. هي تشير بحق إلى واقعٍ هو أن النساء ممنوعات من الاستفادة من إمكاناتهن الكاملة، الأمر الذي ليس خطاً أخلاقياً فقط إنما كلفته عالية.

لقد حان الوقت للعمل! يمكن "رؤية الحكومة اللبنانية لتحقيق الاستقرار والنمو التوظيف" وخطة الإصلاح المرافقة لها أن توجد عدداً لا يحصى من الفرص للنساء وتمكينهن اقتصادياً. ينبغي أن يقترن هذا الأمر بإصلاحات قانونية جريئة لإزالة العقبات التي تعوّق المساواة بين الجنسين، وتكافؤ الفرص بين النساء والرجال في البلد.

إن اليوم الدولي للمرأة هو يوم نكرّر فيه تعهّدنا الاستثمار في المرأة، ليس لحماية حقوقها فحسب، بل أيضاً لوضع حد للمخلفات البشرية والاجتماعية والاقتصادية المدمرة. فلنعمل معاً كشركاء- نساءً وفتيات، رجالاً وفتياناً - لمعالجة واحد من أكثر الأمور غير المنجزة في عصرنا، وجعل المساواة بين الجنسين واقعاً في لبنان.

* المنسق المقيم لنشاطات الأمم المتحدة ومنسّق الشؤون الإنسانية في لبنان