التاريخ: تشرين الأول ٨, ٢٠١٨
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
رئيسة الشؤون القانونية في "أطباء بلا حدود" لـ"النهار": لمحاكمة مرتكبي جرائم الاغتصاب أمام المحكمة الدولية
كلوديت سركيس
أسفت رئيسة قسم الشؤون القانونية في المنظمة الدولية "أطباء بلا حدود" الدكتوره فرنسواز بوشيه سولنيه لعدم توقيع دول عدة بروتوكول جنيف الثاني المتعلق بالنزاعات المسلحة، ما يعكس عواقب مأسوية على حماية المدنيين خلالها. ودعت الى أن تكون قواعد تفسير القانون الإنساني "أكبر من قواعد القانون الجنائي لتمكينه من التكيف وتغطية جميع المواقف التي يمكن مواجهتها في ميدان النزاع المسلح". وفي حديث الى "النهار" قالت سولنيه: "ينبغي محاكمة مرتكبي جرائم الاغتصاب في المحاكم المحلية أو في المحكمة الجنائية الدولية" التي يشمل نظامها الاساسي محاكمة مقترفي هذا النوع من الجرائم.

ما وجهة نظرك في القانون الانساني الدولي وأين نحن منه اليوم، والى أي مدى يختلف تطبيقه من بلد إلى آخر؟

"القانون الإنساني الدولي المعروف أيضاً باسم قانون النزاع المسلح هو فرع قديم جدا من القانون الدولي، قِدم الحروب بين الدول. ينظم سلوك العمليات العدائية، وحماية الأشخاص الذين هم خارج القتال، وخصوصا الجرحى والمرضى المدنيين أو المقاتلين وأسرى الحرب وغيرهم من الموقوفين والمدنيين. هذا القانون يحكم الضرورة العسكرية للقتال والضرورة الإنسانية للإغاثة. وجرى تعديله تماما بعد الحرب العالمية الثانية بفضل اتفاقات جنيف الاربعة عام 1949. إذ للمرة الأولى في التاريخ، تُلحظ قواعد حماية المدنيين والإغاثة الإنسانية في الصراعات بين الدول. وبعد حروب الاستعمار وانتشار الحروب الاهلية وغيرها من النزاعات المسلحة غير الدولية، اعتمدت الدول عام 1977 بروتوكولين اضافيين لاتفاقات جنيف التي عملت على تحسين حماية الضحايا، وخصوصا في حالة النزاع المسلح غير الدولي. وجرى توقيع الاتفاقات المتعلقة بالنزاعات الدولية من جميع دول العالم. ولكن بالنسبة الى النزاعات المسلحة غير الدولية، لا يزال العديد من الدول غير موقعة على البروتوكول الثاني. هذا الامر له عواقب مأسوية على حماية المدنيين في هذه الصراعات، وهي الحال خصوصا في سوريا والعراق. في حين أن لبنان صادق على هذا البروتوكول عام 1997 بعد الحرب الأهلية. وأخيراً في عام 2005، تم تحديد161 من قواعد القانون الدولي الإنساني ونشرها. وتبين هذه القواعد أن هناك توافقاً واسع النطاق في شأن محتوى القواعد المتعلقة بحماية المدنيين. إن نصوص الاتفاقات هي دولية حقاً، لكنها ليست دائما متكاملة بشكل جيد في القانون الوطني للدول. على سبيل المثال، يحظر القانون الدولي معاقبة الأشخاص الذين قدموا المساعدة الطبية أيا كانت الظروف، ولكن القانون الجنائي للعديد من البلدان لم يتم تكييفه. وقد يُتهم الأفراد، الذين قدموا هذه المساعدة، بدعم العدو".

قانونان دوليان مختلفان

إلى أي مدى تتفق العدالة الدولية التي تطبّقها المحاكم الدولية، مع القانون الإنساني؟ وهل من صلة بينهما؟ تلاحظ سولنيه ان "القانون الجنائي يختلف كثيرا عن القانون الانساني الذي هدفه الحد من المعاناة والدمار غير الضروريين في القتال. أولويته هي عدم العقاب لاحقاً بل السماح بالبقاء الفوري. وعلى الجيوش الوطنية والمجموعات المسلحة احترام مبادئ الضرورة العسكرية والاحتياطات والتناسب للحد من الأضرار التي تلحق بالمدنيين. كما يجب أن تسمح بإمدادات طبية وتلك المتعلقة بالمواد الاساسية لبقاء السكان. ويعترف هذا القانون بدور المنظمات الإنسانية المحايدة التي يمكن أن تعمل كوسيط محايد والوصول إلى السكان والأراضي المتنازع عليها. وفي المقابل بعض الانتهاكات الجسيمة لقوانين الحرب أمكن ادراجها في تعريف المحكمة الجنائية الدولية للجرائم الدولية: الإبادة الجماعية، جرائم ضد الإنسانية، جرائم الحرب. لكن هذه التعريفات محدودة للغاية. فللقانون الإنساني قدر أكبر من المحتوى والالتزامات. ويجب أن تكون قواعد تفسير القانون الإنساني أكبر من قواعد القانون الجنائي لتمكينه من التكيف وتغطية جميع المواقف التي يمكن مواجهتها في ميدان النزاع".

محاكمة المرتكبين

سمعنا كثيرا عن ضحايا النزاع المسلح والاغتصاب في حرب تنظيم "داعش". ما دور القانون الإنساني في مواجهة هذه الهجمات؟ توضح ان "القانون الإنساني يحظر على الاطلاق الاغتصاب وجميع الأعمال اللاإنسانية والمهينة التي تُرتكب ضد المدنيين وجميع الأشخاص الذين لا علاقة لهم بالقتال. لقد تم تسليط الضوء على استخدام الاغتصاب كسلاح في الحرب في العديد من الصراعات المسلحة. وللمرة الاولى عام 1998 تم تعريف الجرائم الجنسية وإدراجها في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في نطاق جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. ينبغي محاكمة مرتكبي هذه الجرائم في المحاكم المحلية أو في المحكمة الجنائية الدولية".

تحديات رئيسية

وكيف تقوّم حقوق الإنسان حالياً في زمن السلم والحرب؟ ترى أنه "مع انتشار حالات الأزمات والنزاعات المسلحة غير الدولية، تصبح حماية السكان تحديات رئيسية. وتتفاقم هذه التحديات بمذاهب النضال ضد الإرهاب وقوانين الاستثناءات المتخذة من الدول. تتصرف الدول مع الحد المزدوج لحارس الأمن باستخدام وسائل الشرطة من جهة والطرف في النزاع من طريق استخدام الوسائل العسكرية من جهة أخرى. وبالتالي فإن الجماعات المسلحة، غير التابعة للدولة، والأقاليم والسكان الذين يسيطرون عليها يجرّمهم القانون الوطني ما يضعف وضع حماية المدنيين بموجب القانون الإنساني. ورداً على هذه التحديات، أكدت المحاكم الدولية ان حقوق الانسان ستستمر في التطبيق في أوقات الحرب، إضافة إلى القانون الإنساني".

حصانة المغيثين

هل يجب تطوير الأنظمة القضائية على مستوى القانون الإنساني؟ ما رأيك في النظام القضائي اللبناني، وأين حقوق الإنسان من المعايير الدولية؟ ما النقاط التي ينبغي أن يركز عليها القانون الوضعي في الدولة؟ تقول سولنيه ان "النظم القضائية الوطنية تخضع لضغوط شديدة في حالات الأزمات والنزاعات. وهذا هو السبب في إنشاء المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة أشد الجرائم خطورة في الحالات التي لا ترغب فيها الدول أن تحكم بنفسها او غير قادرة على ذلك. يجب ان تفكر الدول في ان تدمج في قوانينها الوطنية وفي القانون الجنائي الخاص بها، بعض القواعد الأساسية للقانون الإنساني الدولي المتعلقة بالنزاعات غير الدولية. فعلى سبيل المثال، ينبغي ضمان حصانة موظفي الإغاثة الطبية واستبعادهم من فعلَي التواطؤ في الجريمة والدعم المادي للإرهاب".