التاريخ: تشرين الأول ٨, ٢٠١٨
المصدر: جريدة الحياة
المرأة تحقق «أمن مصر» بنفض غبار الماضي وضمان المشاركة
القاهرة – أمينة خيري
الجميع يتطرق إلى المرأة المصرية وما حصل لها وبها في المجتمع، لكن قليلين فقط هم من يتجرأون على التبحّر فيما أصاب مصر عبر النظر إلى ما جرى لنسائها. فبين هجمة دينية متطرّفة، وأخرى ثقافية جائرة، وثالثة تعليمية واضحة، وجدت المرأة المصرية نفسها حبيسة قوالب رجعية جامدة على رغم إنها لم تألُ جهداً في المشاركة، بل واتخاذ زمام المبادرة لإنقاذ البلاد من سقطات عنيفة وإغاثة العباد من هوات مخيفة.

التخوّف الذي بات يتمكّن من المثقفين من مغبة تناول وضعية المرأة في المجتمع كسره المجلس القومي للمرأة قبل أيام، حين فاجأ الجميع بندوة موسّعة عنوانها «المرأة والأمن القومي»، اخترقت فعالياتها الأماكن التي تحوّلت إلى «محظورة» على مدار نحو ثلاثة عقود من التجهيل والتهميش للمرأة، لهذا الكائن. وتجلّت نتائجها في شكل واضح خلال أحداث الأعوام السبعة الماضية لا سيما مع وصول جماعة «الإخوان المسلمين» إلى الحكم وبزوغ نجم جماعات الإسلام السياسي.

رئيسة المجلس مايا مرسي تحدّثت عما تعرّضت له المرأة المصرية من مظاهر تهميش وانقضاض على حقوقها المكتسبة خلال عام حكم «الأخوان». واعتبرت خروج ملايين النساء للثورة على حكم الجماعة دليلاً دامغاً على أن المرأة المصرية قد تضطر أحياناً إلى الاستسلام للضغوط والقيود لكنها لا تموت، وحين تتأزم الأمور تعود أقوى مما كانت.

وتوضيحاً للعلاقة بين المرأة المصرية والأمن القومي، قالت مرسي إن المرأة المصرية أثبتت تاريخياً أنها تتمتع بحس وطني بالغ وقدرة فائقة على استشعار الخطر. وأضافت: «المرأة المصرية هي الأكثر تضرراً من تبعات الإرهاب، والضامن الأقوى لاستقرار المجتمع. وهي الراعية الأصلية للأسرة. فهي صاحبة الدور الأكبر في رصد الممارسات التي تحض على التطرّف والإرهاب، والكشف المبكر عنها، وفي الارتقاء بوعي الأطفال والمراهقين والشباب. وهي الأكثر قدرة على اكتشاف الأدوات التي يستخدمها الإرهاب لاجتذاب مؤيدين وفضحها وحشد الموارد للرد على خطاب الكراهية».

خطاب الكراهية ومعه الحرب المستعرة حالياً التي تعتمد على السيطرة على العقول عبر نوعيات بعينها من الخطاب المتطرّف والموجهّة مباشرة إلى الشباب والصغار ظهيرها المقاوم هو المرأة.

وفي هذا الإطار، أشار سكرتير عام «المؤسسة الوطنية للتغيير» أحمد ناجي قمحة إلى أن النساء هن الأكثر قدرة على دفع عمليات التغيير في الفكر والثقافة، وهي العمليات القادرة على مواجهة الأساليب المعتمدة من قبل جماعات الإرهاب والفكر المتطرّف. وزاد أن «المرأة هي أحد موارد الدولة التي ينبغي الاعتماد عليها لإحداث التغيير المطلوب في الفكر والثقافة».

لكن كيف يمكن للمرأة المصرية أن تقوم بمثل هذا الدور بينما تعاني التهميش والتحقير؟ أستاذ علم الإجتماع السياسي الدكتور أحمد زايد أوضح أن المرحلة الأولى لخروج المرأة المصرية مما هي فيه تكون عبر إتاحة الفرص المتساوية والعدالة في الوصول إلى الخدمات والإمكانات في الدولة. ويكون ذلك في المرحلة الحالية عبر خطوات تتخذها الدولة تعكس إرادة سياسية تدفع بالمرآة المؤهلة لتقلّد المناصب القيادية، ومنحها مزيد من الحقوق.

ويلفت زايد إلى أن هذا لا يحدث إلا من خلال تشريعات تضمن الحماية الحقيقية للنساء، واحترام الاتفاقات والمواثيق الدولية، إضافة إلى ما تيسّر من دعم اجتماعي عبر منظمات المجتمع المدني التي تحارب أشكال التمييز ضد المرأة، الذي يتعمّد تجاهل الأدوار المتعددة التي تلعبها. فهي تساهم اقتصادياً عبر دورها في مجال الإنتاج والخدمات، وهي تشارك سياسياً. ويكفي ما قدمته على مدار الأعوام السبعة من مشاركة فعلية في ثورة يناير 2011، وإنقاذ البلد من الحكم الديني في عام 2013. كل ما سبق، تقوم به المرأة المصرية جنباً إلى جنب مع كونها العمود الفقري في البيت والأسرة، ودورها المحوري والأساس في تربية النشء وغرس القيم. وقال زايد: «لا أمناً قومياً من دون أجيال مسؤولة قادرة على قيادة الوطن، وتقيها شرور الإنجراف وراء التطرّف والتشدد اللذين ينتهيان بالإرهاب. هذه الأجيال تجهّز وتؤهّل على يدي المرأة».

وإذا كانت الأجيال الحالية تتعرّض لأخطار كبيرة بسبب بحور الإشاعات والأخبار الكاذبة التي تغوص فيها عبر وسائل التواصل الإجتماعي، فإن «التربية الإعلامية» هي ما تعالج وتقي. أستاذ الإعلام عضو الهيئة الوطنية للصحافة الدكتور محمود علم الدين، يرى أنه يتعيّن على المرأة المصرية أن تلعب دوراً كبيراً في وقاية الصغار من خطر الإشاعات والأخبار الكاذبة، في البيت والمدرسة والإعلام.

وعلى صعيد الإعلام، تناولت الندوة أثر الإعلام على المرأة المصرية، وهو المتهم الأول الذي يحمّل مسؤولية تقديم المرأة المصرية في صور سلبية، إضافة إلى فتح أبواب الفتاوى المتطرّفة والمتشددة والمغلوطة على مصاريعها في البرامج. وحذّرت عميدة كلية الآداب في جامعة عين شمس عضو المجلس القومي للمرأة الدكتور سوزان القليني، من أن الصور بالغة السلبية التي يقدّمها الإعلام عن المرأة سواء عبر برامج تلفزيونية أو أعمال درامية، تساهم إلى حد كبير في إلحاق مزيد من الأذى الفعلي بالمصريات.

وسلطت القليني الضوء على نوعيات بعينها من الفتاوى والبرامج الدينية التي تمعن في ترسيخ الصورة السلبية للمرأة ودونيتها، وهو أبعد ما يكون عن الدين الحقيقي والتديّن، الذي تحوّل في مصر في العقود الماضية من شأن شخصي إلى شأن الجميع، لا سيما النساء اللاتي يجدن أنفسهن في المجتمع متهمات لمجرّد تواجدهن في الفضاء العام لفرط انتشار التفسيرات الدينية المغلوطة، والتي وجدت هوى لدى فئات عريضة من المصريين.

أستاذ الفقه المقارن في جامعة الأزهر عضو المجلس القومي للمرأة الدكتور سعد الدين الهلالي قال إن الدين مسؤولية الشخص، ويجب أن يكون مرتكزاً على قناعته وليس إجباراً للمجتمع. وأضاف أن الدين ينقسم قسمين: رباني وهو كما أنزله الله سبحانه وتعالى وموجّه للجميع، وصناعي ابتدعه الإنسان مثل السلفية وغيرها من الجماعات التي تدّعي إنها وحدها تملك الدين الحق. وأشار إلى أن ظن الإنسان بالله يفسّر فهمه للدين والحياة، داعياُ المصريين إلى إعمار حياتهم والعمل على تحقيق حياة أفضل وليس أسوأ.

أفضل ما في هذه الندوة إنها فتحت ملفات عدة التي ألحقت ضرراً كثيراً بالمرأة المصرية على مدار العقود الأربعة الماضية، ويخشى كثر التطرّق لها علناً.

وحيّت مرسي المرأة المصرية على ما بذلته ولا تزال في مجال المشاركة السياسية، لا سيما في أوقات الأزمات والكوارث، إضافة إلى الأدوار الإقتصادية والتربوية التي تلعبها. إلا أن النبرة التي سادت في الندوة تشير إلى أن زمن توجيه الشكر سيتبعه زمن جديد قوامه توجيه الفكر وإصلاح ما لحق به من عوار وترميم الثقافة السائدة في المجتمع، سواء تلك التي يتمسّك بها الذكور لضمان دونية المرأة، أو التي اعتقدت المرأة إنها حقيقة فدفعتها خطوات إلى الوراء.