التاريخ: أيار ٤, ٢٠١٩
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
المهرجانات العربية... طقوس الخواء والأطلال - نبيل عبد الفتاح
تحولت مهرجانات السينما والمسرح والشعر والرواية ومعارض الكتب، والندوات، والمؤتمرات، ومعارض الفنون التشكيلية.. إلخ حول القضايا والظواهر الثقافية والاجتماعية والسياسية إلى جزء من طقوس الماكياج الثقافي، لعديد من الأنظمة السياسية في عالمنا العربي، ومن ثم فقدت روحها وألقها، ودورها في رفد الحياة الفكرية والفنية بالحيوية والحوارات حول الأفكار والمقاربات الجديدة لمشكلات تطور نظم الأفكار، والمناهج، والبحوث النظرية والتطبيقية، وكذلك أساليب الإخراج والتصوير والسرد الفيلمي، والتجريب في الأعمال السينمائية والمسرحية، وفي متابعة الأعمال السردية الروائية والقصصية، والتجارب الجديدة في فن الرواية، أو في الشعر، وتقييمها نقديا.

لم تعد غالُب الأشكال المختلفة من التظاهرات الثقافية قادرة على تحريك المشاهد الثقافية، أو في نقل التجارب والخبرات الفنية، أو تطوير المناهج النقدية وتطبيقاتها على البُنى السردية والشعرية للأجيال المختلفة للمبدعين العرب في المجالات المختلفة. تحولت التظاهرات إلى محضُ سفريات سياحية لبعض الكتاب أو النقاد والصحافيين والإعلاميين، في إطار نمط من شبكات العلاقات الشخصية، والمصالح بين بعض الصحافيين والكتاب والنقاد، يتحركون من تظاهرة ثقافية إلى أخرى طوال العام، أو من خلال لجان التحكيم للجوائز العربية التي باتت جزءًا من الماكياج الثقافي والاعلامي، لبعض الدول العربية، والتي سرعان ما كشفت ولاتزال عن تحيزات عديدة من هذه اللجان، التي افتقد بعضها إلى الموضوعية أو الاحتكام إلى معايير نقدية وجمالية في تقويم بعض هذه الأعمال.

الأخطر أن النزوع إلى التحيز أدى إلى لعبة تدوير الجوائز بين المتقدمين من البلدان العربية بقطع النظر عن مستوى بعض هذه الأعمال، أو منح بعض هذه الجوائز إلى بعض الكتاب أو الكاتبات من كبار السن، وحجبها عمن يستحقها من أعمال أدبية وأشخاص من الأجيال الشابة. تأكل مصداقية المشاهد الثقافية العربية وجوائزها يعود إلى عديد من الأسباب يمكن لنا رصد بعضها فيما يلي:

- جمود وضعف عديد من الإنتاج النقدي في العالم العربي، وعدم متابعة بعض النقاد للحركة الإبداعية في إطار كل بلد عربي، ثم على مستوى المناطق الثقافية العربية على اختلافها، وارتكاز غالبها على بعض من الدعاية الإعلامية، سواء في بعض الصحف، والمجلات الورقية أو الرقمية على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تعتمد على الترويج والمجاملات لا التقييمات النقدية المنهجية الصارمة والمنضبطة في تحليل هذه الأعمال من حيث بنياتها السردية والجمالية والأسلوبية.. إلخ

- قلة المراجع النقدية الرصينة حول الاتجاهات والمدارس والأجيال الروائية والقصصية والشعرية والمسرحية والفنية والسينمائية في بعض البلدان العربية على نحو يتيح للنقاد وأعضاء لجان التحكيم رؤية كلية حول الأوزان النسبية للكتاب والكاتبات والشعراء والشاعرات، والسينمائيين والمسرحيين في كل بلد عربي من حيث الإنتاج الابداعي، والتجريب، والرؤى والعوالم والأساليب الجديدة في مقاربة هذه الأعمال في أجناسها المختلفة، ومستويات كل كاتب أو شاعر أو قاص أو مسرحي أو سينمائي أو فنان تشكيلي... إلخ.

- نقص المتابعات الدقيقة للمبدعين والموهوبين من الأجيال الجديدة الشابة، في ظل طوفان من الأعمال السردية والشعرية الرديئة التي تحاط ببعض الكتابات النقدية السطحية التي تغلب عليها أحكام القيمة المعيارية، لا التحليلات العلمية الرصينة.

- فقر المكتبة السينمائية والنقدية في عديد من البلدان العربية لعديد المراجع التأسيسية المترجمة أو المؤلفة، عن المدارس السينمائية العالمية واتجاهاتها، وقلة اطلاع بعض الصحافيين والإعلاميين على هذه الأعمال، أو حول المدارس والأجيال والأعمال السينمائية العربية، ومن ثم تسود بعض المعالجات والتقييمات الانطباعية والحكائية السطحية للأعمال السينمائية للأجيال المختلفة من السينمائيين في العالم العربي، والاستثناءات في هذا الإطار محدودة وقليلة ممن يطلق على بعضهم نقاد.

- غلبة بعض السرود النقدية الأيديولوجية التي يميل بعض النقاد إلى تدويرها وتطبيقها على الأعمال السردية والشعرية، أيا كانت، وهو ما شكل نمطا سائدا يستخدم بعض الكلاشيهات والمعايير الأيديولوجية التي تجاوزتها حركة التنظير المنهجي الغربي والمقارن، أو حتى بعض الاتجاهات الجديدة في النقد الأكاديمي في بعض البلدان العربية، على نحو أدى الى خلق فجوات بين النقد الأكاديمي في الجامعات، وبين الإنتاج الأدبي.

- عدم متابعة مخططي المؤتمرات والندوات ومعارض الكتب ومهرجانات السينما والمسرح لتحولات وتغيرات الظواهر والقضايا الثقافية على المستويات الكونية والمقارنة، ومن ثم غلبة الموضوعات والقضايا القديمة التي يعاد إنتاجها على المستوى العربي. من الملاحظ ازدياد الفجوات المعرفية بين مخططي لجان الاعداد، وبين المتغيرات النوعية التي تتم في عديد المجالات الثقافية والابداعية على تعددها في ظل عمليات التحول من خلال الثورة الرقمية والذكاء الصناعي وآثارها الكبرى على الشرط الإنساني، بل والطبيعة الإنسانية، والدول والنظم السياسية والاجتماعية والثقافية.

- سيادة نمط من الشللية البيروقراطية والشخصية العابرة للدول العربية وأجهزتها وسلطاتها الثقافية الرسمية، أدت إلى استبعادات وإقصاءات لبعض الكفاءات والمواهب الجيلية الجديدة من التظاهرات والمؤتمرات التي تعقد خارج بلادهم.

من ناحية أخرى اهتمام العقل البيروقراطي الثقافي العربي، بدعوة أعداد غفيرة من بعض الكتاب والنقاد الذين لا وزن لهم في خريطة الإبداع داخل كل بلد، وذلك للإيحاء بنجاح هذه التظاهرات، أو تلك! من هنا تحول غالب المشاهد الثقافية العربية إلى طقوس شكلية يفتقر بعضها إلى الحيوية أو المساهمة في تطوير المقاربات السوسيو-ثقافية في معالجة مشكلات وإعاقات التطور البنيوي للثقافات العربية على اختلافها.

باحث مصري
(الأهرام)