التاريخ: آب ١, ٢٠١٩
المصدر: جريدة الحياة
بغداد - أربيل : العَودُ أحمدُ - شيرزاد اليزيدي
استهلال حكومة إقليم كُردستان العراق الجديدة المولودة حديثاً بعد طول مخاض، أعمالها بزيارة وفد رفيع المستوى منها برئاسة رئيس ونائب رئيس الحكومة إلى بغداد، بادرة إيجابية وخطوة ضرورية لمُعالجة تراكُمات الخلاف وتبديد شبه القطيعة التي سادت بين حكومتي المركز والإقليم بعد الإستفتاء الأخير على الإستقلال في كُردستان، وعلى وقع المُماطلة المركزية في إكمال الإلتزامات الدستورية وإستيفاء ما يترتب على عاتق بغداد حيال كُردستان. ذلك أن ترميم العلاقة المُتصدعة بين بغداد وأربيل، وعودة المياه إلى مجاريها، ضمانة للإستقرار والتنمية إتحادياً وكُردياً. ولعل مرحلة ما بعد الإستفتاء وتداعياته خير مثال، فالتدهور الذي حصل ووصل حد الإشتباك العسكري، أظهر أن الإحتكام إلى لُغة الحوار والدستور يبقى الحل الأمثل. ولعل مُبادرة حكومة الإقليم فور تشكلها، محط ترحاب في مُختلف الأوساط السياسية والشعبية كردياً، وعلى الصعيد العراقي العام. ذلك أن الظروف الذاتية والموضوعية، ليست مواتية البتة للدخول في مُغامرات ومُقامرات ونسف كل ما أنجزه الأكراد وراكموه من مكاسب قومية وديموقراطية في العراق. علماً أن الفشل الذريع للاستفتاء، خير مثال على ذلك. فضلاً عن أنه بات على بغداد بدورها، التخلي عن عقلية السيطرة والغطرسة المركزية ومُحاولات توظيف الإستفتاء كورقة للاقتصاص من إقليم كُردستان، والإنقلاب على التسوية التاريخية للقضية الكُردية وفق الدستور ما بعد سقوط نظام البعث.

الطرفان والحال هذه، في حاجة إلى اعتماد مُقاربات خلاقة وتفاعُلية ترنو نحو التفاهم والتكامل لا التأزيم والتضاد، وفق ما اتسمت به العلاقة بعد مرض الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني وغيابه المؤسف، وخلال مرحلتي ترؤس كل من نوري المالكي وحيدر العبادي الحكومة طيلة السنوات الماضية. من هنا، تنبع أهمية الدور الأساسي لرئيس الوزراء الحالي عادل عبد المهدي، في تنقية الأجواء وحل المُشكلات وتحفيز مناخات الحوار الإيجابية، كون الرجل معروف بوسطيته وبعده عن النزوع الشوفيني المُتعكز على النفخ في "البعبع الكُردي" فضلاً عن احتفائه بعلاقاته التاريخية مع الأكراد إبان زمن المُعارضة للنظام، وعدم تنكُره لها. إذ لطالما مثلت كُردستان الملاذ والمقر لمعظم القيادات السياسية العراقية الحالية شيعية وسنية. ويعُج أرشيف الثورة الكُردية المُسلحة ضد النظام البعثي البائد على سبيل المثال لا الحصر، بعشرات الصور لرئيس الوزراء العراقي الحالي مرتدياً بزة قوات "البيشمركة" في جبال كردستان وقس على ذلك.

زيارة الوفد الكردي إلى بغداد، تشكل بداية صحيحة ومطلوبة لمُعالجة تداعيات الإستفتاء وما أحدثه من شروخ وتصدعات، وما منحه من ذرائع للقوى العنصرية المُتربصة بالتجرُبة الكُردية عراقياً واقليمياً، والشروع في إنجاز الحل الدستوري والديموقراطي للقضية الكُردية، التي، على رغم كل التطور الحاصل في تسويتها بطريقة حضارية في العراق على عكس بقية الدول المُقتسمة لكُردستان، ما زال فيها ملفات شائكة وإستحقاقات دستورية لجهة إحقاق الحق الكُردي الناجز، عالقة بلا تطبيق.

لهذا بالذات، تبقى العبرة في إنجاز التفاهُمات المبدئية والأولية التي تمت بين بغداد وأربيل إثر زيارة الوفد الكُردي الأخيرة إلى العاصمة العراقية، وتطوير تلك التفاهمات وصولاً إلى بلورة مُقاربة شاملة لتبديد الهواجس والمخاوف بين الطرفين حيال بعضهما البعض، والمُضي حتى النهاية في تنفيذ إستحقاقات الدستور وإلتزاماته، لا سيما الخاصة بالقضية الكُردية وبتفاصيل تنظيم العلاقة بين المركز والإقليم، وقوننتها وفق مبادىء الشراكة والتكامل. وأخيراً وليس آخراً، نزع فتيل القُنبلة الموقوتة في المناطق الكُردية المُتنازع عليها مع بغداد عبر. تطبيق المادة 140 من الدستور العراقي الخاصة بتلك المناطق.