التاريخ: تموز ١٨, ٢٠١٩
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
الرابحون والخاسرون في مؤتمر البحرين - داود كتاب
الرابحون:

محمود عباس

قام الرئيس الفلسطيني بمجازفة كبيرة بمقاطعته جهود الوساطة الأميركية بعدما نقلت الولايات المتحدة سفارتها من تل أبيب إلى القدس. وتحدّى عباس أيضاً إسرائيل والولايات المتحدة من خلال رفضه التوقف عن تأمين الدعم المالي للسجناء الفلسطينيين وعائلات الشهداء الفلسطينيين. وقد لقي موقفه هذا استحساناً واسعاً في صفوف الفلسطينيين وساهم في محو عدد كبير من أخطائه. والتصرف الذكي يقتضي منه أن ينسحب الآن فيما لا يزال في موقع متقدّم.

التطبيع مع الخليج

على الرغم من أن تطبيع البلدان العربية مع إسرائيل رهنٌ بالانسحاب الإسرائيلي من جميع المناطق التي احتُلَّت عام 1967، بموجب ما تنص عليه مبادرة السلام العربية، من الواضح أن بعض البلدان، على غرار البحرين، تبتعد عن هذا الالتزام. فقد بدا أن وزير الخارجية البحريني يعتمد موقفاً أكثر ليونة من التطبيع، إذ صرّح خالد بن أحمد آل خليفة لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل" أن "الرفض [الإسرائيلي] لمبادرة السلام العربية هو ’فرصة ضائعة‘". لعل الصورة الوحيدة التي تُعبّر عن مسألة التطبيع كانت صورة الـ"سلفي" التي التقطها صحافي إسرائيلي حاملاً جواز سفره خارج مكاتب الجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع في المنامة.

حل الدولتين

لم تتطرق ورشة العمل في البحرين إلى السياسة، غير أن مسألة حل الدولتين التي يعارضها المبعوث الأميركي جاريد كوشنر، صهر الرئيس ترامب، فرضت نفسها في المداخلات التي ألقاها أكثر من متحدّث – عربي وغير عربي – شدّدوا على أهميتها. وانتهت ورشة العمل بحوار بين كوشنر ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق طوني بلير الذي بدأ كلامه بالقول: "أدعم حل الدولتَين". وقد شدّد عدد من المتحدثين على أنه يجب أن يعيش الفلسطينيون بكرامة وأن تكون لهم دولتهم.

غزة

خرج قطاع غزة المحاصَر رابحاً على مختلف الصعد. فالخطة الأميركية القائمة على إنشاء ممر وسكّة حديد تربط بين غزة والضفة الغربية تضع حداً للمحاولات الإسرائيلية الهادفة إلى عزل غزة عن الضفة الغربية بصورة دائمة. وكانت غزة أيضاً محط التركيز في البيان الصادر عن رئيس صندوق النقد الدولي الذي دعا إلى تخفيف "العقوبات التي تفرضها إسرائيل على حرية تنقل البضائع والأشخاص والرساميل داخل الضفة الغربية وغزة وعلى تبادلاتهما التجارية مع باقي بلدان العالم". وهذا يحمل نجاحاً لغزة التي تريد إسرائيل عزلها عن الضفة الغربية.

الخاسرون:

السلام الاقتصادي

تلقّى المفهوم القائل بأن المسار الاقتصادي يأتي قبل المسار السياسي ضربة كبيرة عندما قال بلير لكوشنر صراحةً أن من "الحماقة تماماً العمل على الاقتصاد من دون السياسة". يُشار إلى أن السلام الاقتصادي طرحه أولاً رئيس الوزراء الإسرائيلي عام 2008، ثم في الأعوام اللاحقة. قال دانيال مينتز، مؤسٍّس شركة Olympus Capital Asia، في ورشة العمل في البحرين: "عليكم أن تعالجوا المسائل السياسية من أجل استقطاب الاستثمارات".

ورشة "السلام من أجل الازدهار"

قبل انطلاقة ورشة المنامة، قال الرئيس الفلسطيني للمنتسبين إلى نقابة الصحافة في إسرائيل في 23 حزيران، إن ورشة العمل سوف يكون مصيرها الفشل. وقد تغيّب عنها لبنان والعراق وسوريا وسلطنة عمان والكويت والجزائر وروسيا والصين ومعظم دول أوروبا وأميركا الجنوبية. ولم يشارك فيها المسؤولون الفلسطينيون والإسرائيليون. وقد أرسلت بلدان عربية رئيسية مثل الأردن ومصر والمغرب وفوداً منخفضة المستوى. أما التوقعات بأن الورشة ستحمل معها نهاية الأونروا فقد مُنيت بفشل ذريع، إذ كانت الوكالة التابعة للأمم المتحدة والمعنية بشؤون اللاجئين الفلسطينيين تعقد اجتماعاً في نيويورك وتجمع أموالاً كافية للاستمرار في أداء مهمتها.

جاريد كوشنر

لا يمتلك كوشنر خبرة في السياسة عموماً أو في السياسة الخارجية، على الرغم من أنه صاحب خبرة كبيرة في مجال الأعمال. وقد كان هذا الأمر واضحاً في المنامة. فقد أقرّ في مرحلة معيّنة في كلمته، أنه ينتمي إلى الأقلية، ولكنه أصرّ على موقفه. غير أن الخبرة في السياسة الخارجية وفي المجال الديبلوماسي عاملٌ مهم. فالسياسي الذي يتمتع بالذكاء والخبرة لا يُصرّ على المضي قدماً بتنظيم ورشة العمل عن الفلسطينيين والإسرائيليين في غياب الأفرقاء الأساسيين، أي قادة الطرفَين. إنها مراوغة واضحة، وسرعان ما سيدخل أداؤه في المنامة طي النسيان.

رابحون وخاسرون في آنٍ واحد:

البحرين

حظيت هذه الدولة الخليجية الخامِلة بقدر كبير من الاهتمام بموافقتها على استضافة الورشة. فقد تسنّت لها الفرصة لاستعراض نجاحها، وبالطبع استقطاب مزيد من الاستثمارات من الولايات المتحدة وإسرائيل وباقي دول العالم.

ربما حظيت البحرين بالاهتمام وبقدر كبير من الثناء من إدارة ترامب، لكن هذه المملكة الخليجية تعرضت للاستهداف من حملات واسعة من الاحتجاجات الفلسطينية والعربية، والهجمات الإعلامية والانتقادات القاسية عبر مواقع التواصل الاجتماعي. ربما ساهم غياب المسؤولين الإسرائيليين في التخفيف من حدة الانتقادات، لكن الشعوب العربية لم توفّر البحرين من انتقاداتها.

الفلسطينيون

صحيح أن الفلسطينيين قاطعوا ورشة اقتصادية دعت إليها القوة العظمى الأولى في العالم وأُقيمت في دولة عربية، لكنهم خرجوا مع ذلك رابحين. فقد تحدّثت جميع وسائل الإعلام عن غيابهم وعن الاحتلال الإسرائيلي، لا بل أكثر من ذلك، خُصِّص لهم قدر كبير من الوقت على الهواء. لقد تحدّث عباس أمام الصحافيين الأجانب الذين يتخذون من إسرائيل مقراً لعملهم، وأطلّ رئيس الوزراء الفلسطيني محمد إشتية عبر قناة "سي إن إن" في وقت الذروة في برنامجها الرئيسي. وتناقلت وسائل الإعلام التصريح الشهير الذي ورد على لسان اشتية في المقابلة، حيث قال إن الفلسطينيين لا يريدون أن يعيشوا في "فنادق خمس نجوم تحت الاحتلال". ونشرت صحيفة "الواشنطن بوست" عدداً من المقالات ذات المضمون الداعم للفلسطينيين، بما في ذلك مقال بقلم اشتية.

ولكن لا بد من الإقرار بأن الفلسطينيين خرجوا خاسرين، فهم لم يكونوا موجودين في القاعة حيث كان مصيرهم على طاولة البحث. ومن خلال رفضهم جميع بوادر حسن النية الدولية التي عُرِضت عليهم، سوف يخسرون لا محالة أي مكاسب مباشرة، بغض النظر عن تطبيق الخطة أم عدم تطبيقها.

لقد انتهت ورشة العمل الاقتصادية في البحرين وسوف تدخل سريعاً طي النسيان. ولكنّ الرابحين والخاسرين سيُكافأون أو تبقى لديهم ندوب لسنوات طويلة.

صحافي فلسطيني "المونيتور"