التاريخ: نيسان ٤, ٢٠١٩
المصدر: جريدة الشرق الأوسط
«نساء غير مرئيات»: كل شيء في حياتنا صمم على مقاسات الرجال
الناشطة النسوية الأميركية كارولين بيريز في كتاب جديد لها
واشنطن: محمد علي صالح
يستمر النقاش (ويستمر نشر الكتب) وسط الأميركيين حول العلاقة بين الرجل والمرأة، رغم أن هذا موضوع يظل يناقش منذ آدم وحواء، لكن الجديد فيه أنه قبل نصف قرن تقريباً، ظهرت مجموعة من النساء الأميركيات الأنثويات اللائي لا يردن فقط المساواة بين الرجل والمرأة، وفي كل شيء، بل تطوع بعضهن وأعلن أن المرأة ربما لا تحتاج إلى الرجل.

آنذاك، ظهرت ثلاث ثورات أميركية: ثورة الزنوج (ضد التفرقة العنصرية)، وثورة الشباب (ضد سياسات حكومية، مثل التدخل العسكري الأميركي في فيتنام)، وثورة النساء (ضد سوء معاملة الرجال لهن). وكانت بيتي فريدمان، مؤلفة كتاب «فيمينين مستيك» (السحر الأنثوي)، من قادة ثورة النساء.

الآن، بعد نصف قرن تقريباً، ظهر جيل جديد من الأنثويات، منهن كارولين بيريز، مؤلفة كتاب «نساء غير مرئيات»، الصادر حديثاً. والمؤلفة تسير على خطى فريدمان، لكنها تعترف بأن «قوة الرجل في كل مكان وكل زمان» أقوى مما كانت تعتقد، ليس فقط تفوق الرجل على المرأة في مجالات كثيرة، ولكن أيضاً لأن «الرجل هو الذي صنع كل مكان وكل زمان».

ولحسن الحظ، لم تخض المؤلفة في خلفية هذا الموضوع، وهي خلفية تكررها كتب حول المرأة، كتاباً بعد كتاب. بل ركزت المؤلفة على المكان والزمان الحاضرين اللذين نعيش فيهما، وأجرت أبحاثاً علمية، وجمعت أرقاماً وإحصائيات لتبرهن على أن الرجل هو الذي صنع الزمان والمكان الحاضرين.

تقول مقدمة الكتاب: «صارت الأرقام والإحصائيات أساس العالم الحديث: في التنمية الاقتصادية، والرعاية الصحية، والتعليم، والسياسة، وغيرها. لكن لأن هذه الأرقام لا تقسم الناس إلى نساء ورجال، فهي في الحقيقة أرقام يضعها الرجال وتنطبق على النساء... هكذا، صار التحيز ضد النساء، وليس بالضرورة عداء النساء، جزءاً لا يتجزأ من أرقام وإحصائيات حياتنا».

وأضافت: «تحيز، أو عداء، تدفع النساء الثمن الذي قد يتراوح بين إساءة وعذاب، وحتى قتل».

ولحسن الحظ، قللت المؤلفة من الفصاحة، وأكثرت من الأرقام: في المنازل، وفي أماكن العمل، وفي أماكن الترفيه، وفي أي مكان، وحتى في الفضاء (مكوك الفضاء صمم اعتماداً على مقاييس رجالية).

وهناك اختلافات أخرى في المقاييس: مثلاً، متوسط حجم التليفون المحمول يناسب يد الرجل، ويبدو كبيراً على يد المرأة، وأكثر الأدوية لأمراض الرجال، وتتعاطاها النساء لأنه لا توجد أدوية نسائية وأدوية رجالية، وفي حوادث مرور السيارات، تصاب النساء بإصابات خطيرة بنسبة 47 في المائة، ويقتلن بنسبة 17 في المائة أكثر من الرجل. والسبب؟ مقاسات السيارات رجالية!

وتقول عن مكيفات الهواء في المكاتب إنها وضعت درجة الحرارة لتناسب رجلاً وزنه 154 رطلاً، وعمره 40 عاماً. لكن أثبتت التجارب، كما تقول، أن هذه الدرجة تقل كثيراً عن درجة الحرارة التي تناسب النساء. لهذا، في كثير من المكاتب، تشتكي النساء من انخفاض درجة الحرارة.

وأهم من ذلك ترى أن ساعات عمل المرأة في المنزل لا تعتبر عملاً، مثل عمل الرجل (والمرأة) في المكتب.

وتستنتج من ذلك أن «النساء كائنات غير مرئيات في عالم مؤسس، إلى درجة كبيرة، من أجل الرجال. هذه هي جذور التمييز المنتظم، والدائم، ضد المرأة، الذي أسس، عبر القرون، تحيزاً كبيراً، لكنه غير مرئي، مثل تحيزات كثيرة مرئية».

وعكس التحيز المرئي، حتى النساء الأنثويات لا يلاحظن أو يفكرن في التحيز غير المرئي. لهذا، تقول مؤلفة الكتاب وهي تخاطب النساء: «لتغمض كل واحدة عينيها، وتتخيل محامياً أو طبيباً... ولتفتح عينيها، وتقول لي إن ما شاهدته كان رجلاً، وليس امرأة. تستغربن؟ ليس في هذا غرابة، لأني أفعل الشيء نفسه».

وتضيف: «لم يعد يفاجئني أبداً التحيز الذكوري في أعماقي، رغم أنني صدمت أول مرة لاحظت فيها ذلك»، وأشارت إلى أن المرأة عندما تقرا كلمة مثل «هيومان» (إنسان)، تتخيل رجلاً، وأنها هي نفسها تفعل ذلك: «لم أنتبه إلى أنني كنت أفعل ذلك أيضاً». ودفعها هذا الإدراك إلى العمل كناشطة في مجالات كثيرة لتغيير وضع المرأة.

وفي النهاية، تشير المؤلفة إلى فيلم «سيدتي الجميلة» الذي عرض قبل نصف قرن تقريباً، وفيه يصرخ هنري هيغنز، بعد كثير من سوء الفهم مع زوجته: «لماذا لا تكون المرأة مثل الرجل؟».