التاريخ: نيسان ١٢, ٢٠١٩
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
تحليل: السودان على غرار الجزائر ومصر الجيش يعيد انتاج السلطة مضحياً بالبشير
سميح صعب
على غرار الجزائر ومن قبلها مصر يعاود الجيش السوداني انتاج السلطة ليستوعب النقمة الشعبية على حكم عمر حسن أحمد البشير ومنع وقوع البلاد في صراعات اهلية كما في ليبيا وسوريا واليمن.

أتى البشير على ظهر دبابة قبل ٣٠ سنة، وها هو يذهب على ظهر دبابة. طوال ٣٠ سنة حكم البشير منفرداً، بعدما كان يستند الى دعم "الاخوان المسلمين" ممثلين بالشيخ حسن الترابي، الذي وفر له الغطاء الايديولوجي للحكم. لكن الترابي مات وهو على قطيعة مع البشير.

انفرد البشير بالحكم بكل ما للكلمة من معنى. لا أحزاب سياسية في عهده، في ما عدا حزب المؤتمر الوطني الذي أنشأه إطاراً وحيداً للسلطة. واستكمل حروب الجنوب وأنهاها بقبوله الانفصال بين الشمال والجنوب، استرضاء للغرب كي يصرف النظر عن تنفيذ مذكرة التوقيف الدولية في حقه بعد ادانته بارتكاب جرائم حرب في دارفور. تلك كانت حرب ابادة شنها رجال البشير من "الجنجويد" وراح ضحيتها أكثر من مليون قتيل وملايين المشردين. ولئن سلّم البشير بإنشاء دولة مستقلة في جنوب السودان، ظل يتنقل في طائرته بحرية من غير ان يعترضه معترض.

لكن دور البشير انتهى على ما يبدو، وبدأ يفقد الاصدقاء على الساحة الاقليمية. هو تنقل في التحالف بين قطر والسعودية. وأرسل قوات سودانية الى اليمن لتشارك في التحالف العربي الذي تقوده الرياض لمقاتلة الحوثيين. وفي فترة سابقة وثّق علاقاته بالدوحة وعبرها استأجرت تركيا جزيرة سواكن السودانية في البحر الاحمر لتقيم عليها مشاريع استثمارية. قبل ذلك أقام علاقات ممتازة مع ايران، وكان متهماً في مرحلة من المراحل بتسهيل دخول السلاح الايراني الى قطاع غزة عبر ممرات للتهريب في البحر الاحمر، واغارت اسرائيل على قوافل داخل الاراضي السودانية بحجة ان وجهتها غزة. لكن في الأشهر الاخيرة تباهى رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن السودان فتح أجواءه أمام رحلات الخطوط الجوية الاسرائيلية "إلعال".

إلا أن الثابت في علاقات البشير الاقليمية انه لم يكن خلال فترة حكمه على وئام تام مع مصر. وفي ساعات التوتر كان يبرز النزاع الحدودي على مثلث حلايب. والبشير متهم بالتواطؤ مع اثيوبيا في قضية سد النهضة الذي تعتبر مصر متضرراً رئيسياً منه. وكانت هناك على الدوام مراحل مد وجزر في العلاقات السودانية - المصرية خلال حكم البشير. وقد يكون من المهم التذكير بان البشير قاد الانقلاب عام ١٩٨٩ في فترة كانت الحكومة السودانية المدنية تتقارب مع مصر. وتردد عامذاك ان انقلاب البشير كان أحد اسبابه منع التقارب مع مصر. والجميع يذكرون اتهامات الرئيس المصري السابق حسني مبارك لنظام الرئيس السوداني بإيواء الجماعات الاسلامية التي شنت حرب استنزاف في مصر في التسعينات من القرن الماضي.

ونجا نظام البشير من موجة "الربيع العربي" عام ٢٠١١، بفضل الدعم الخليجي له. لكن ذلك تغير في السنوات الاخيرة وبدا البشير يعاني عزلة سياسية واقتصادية، انفجرت احتجاجات شعبية تطالب بتنحيه. ومع اتساع حركة المعارضة الشعبية التي لم يردعها اعلان حال الطوارئ ولا التغيير الشكلي في اسماء الوزراء وحكام الاقاليم، تحرك الجيش ليقدم البشير، كبش فداء، من أجل استمرار المؤسسة العسكرية في الامساك بالحكم. ولم يكن من قبيل المصادفة ان يعتصم المتظاهرون امام مقر قيادة القوات المسلحة في الخرطوم،وان يطالبوا بحماية الجيش لهم من قمع الشرطة.

السيناريو السوداني شبيه بالسيناريو الجزائري. الجيش الجزائري تحرك كي يتنحى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. والجيش السوداني تحرك لضمان تنحي البشير. لكن اذا كان لا كبير خلاف على مصير بوتفليقة نتيجة المرض الذي يعانيه، والذي من المرجح نقله الى الخارج للعلاج، فما هو مصير البشير؟

الأرجح أنه لن يكون ضيفاً موضع ترحيب في الخارج، علماً ان خيار "صفقة" تنحيه يضمن ابقاءه قيد الاعتقال داخل السودان.

ومن الخيارات الاخرى، ان يعمد الانقلابيون الى محاكمته داخل السودان كما حصل مع الرئيس المصري سابقاً حسني مبارك. أما اسوأ السيناريوات التي يمكن أن يواجهها، فهو تسليمه الى المحكمة الدولية تنفيذاً لمذكرة التوقيف في حقه.

لم يكن الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح وحده الذي أجاد الرقص على رؤوس الثعابين كما كان يقال طوال 33 سنة. بل ان البشير رقص أيضاً على رؤوس الثعابين طوال 30 سنة، لكنه في النهاية آل إلى السقوط بالطريقة التي أتى بها.