التاريخ: آذار ٢٤, ٢٠١٩
المصدر: جريدة الحياة
الجزائر وقادم الأيام .. - شاهر الحاج جاسم
يبدو أن شيئاً من الانفراج قد فتح فصلا جديدا في الأزمة الجزائرية ولو موقتا، بعد القرارات المفاجئة، التي أعلنها الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، بعدم ترشحه لولاية خامسة، وتأجيل الانتخابات الرئاسية، التي كان مقرراً إجراؤها في 18 نيسان (أبريل).

سلط الكثير من المقالات التحليلية، وعلى وجه الخصوص الفرنسية، الضوء على كيفية إدارة الأمور في هذا البلد، الغني بالثروات، والذي يعتمد على مراكز قوى عدة، منها «العائلة الرئاسية، والعسكر، ورجال الأعمال» الذين يسيطرون بشكل كامل على مفاصل الدولة، ويديرون البلاد بشكل فعلي، في ظل الوضع الصحي المتدهور للرئيس.

واقعياً من المبكر الحديث عن أي سيناريو، وعلى وجه الخصوص فإن القوى الفاعلة في المشهد السياسي، تحاول كسب المزيد من الوقت لايجاد شخص يقبله الجميع، ولا يهدد في الوقت ذاته مصالحهم، إضافة إلى ذلك، ليس هناك أي مصلحة عربية أو دولية بتأجيج الوضع في الجزائر، لأسباب عدة، أهمها:

1- قربها من أوروبا والخوف من موجات لجوء كبيرة إلى الاتحاد الأوروبي.

2- قربها من ليبيا، والوضع الأمني غير المنضبط هناك، إضافة إلى فوضى انتشار السلاح التي حصلت خلال السنوات الماضية.

3- الخوف من انتقال موجة الاحتجاجات أو العنف إلى دول عربية أو أفريقية أخرى، وظهور حركات راديكالية متطرفة.

4- الاتحاد الأوروبي، وبالتحديد فرنسا، أظهر حذراً في التصريحات، بسبب خوف على مصالحه في هذا البلد الغني بالثروات الباطنية والمعدنية.

ووسائل الاعلام العربية كانت حذرة إلى حد كبير في نقل الاحتجاجات في الجزائر، وهو ما يشير إلى عدم رغبة الجميع بتدهور.

المؤكد، أن الكل سيحاول الوصول إلى السلطة، بمن فيهم الإسلاميون، لكن ذلك سيتوقف على مدى قدرة منظومة الحكم الحالية على التعاطي مع المشهد السياسي بذكاء وبراغماتية، إضافة إلى تقديم بعض التنازلات المعقولة، وإصلاح الوضع الاقتصادي، لاسيما أن المحرك الأساس للاحتجاجات هو العامل الاقتصادي، وارتفاع البطالة إلى نسبة 30 في المئة، إضافة إلى وضع مؤشر الفساد العالمي الجزائر في المرتبة 105 من أصل 185 دولة.

يبدو أن الدولة العميقة، تحاول إيجاد شخص توافقي، لتهدئ الشارع، وتأجيل الانتخابات الرئاسية إلى أجل غير مسمى، قد يعطيها الوقت الكافي، لإعادة ترتيب صفوفها من جديد، ليناسب معطيات المرحلة القادمة، لاسيما أن الاحتجاجات هدفها أبعد من مسألة ترشح بوتفليقة.

وصرح قبل فترة رئيس الأركان الجزائري أحمد قايد صالح قائلاً: «بعض الأطراف يزعجهم أن يروا الجزائر آمنة ومستقرة، بل يريدون أن يعودوا بها إلى سنوات الألم، وسنوات الجمر التي عايش خلالها الشعب الجزائري كل أشكال المعاناة، وقدم ثمناً غالياً». وأضاف: «إننا ندرك أن هذا الأمن المستتب، وهذا الاستقرار الثابت الركائز، سيزداد تجذراً وسيزداد ترسخاً، وسيبقى الجيش الشعبي ممسكاً بزمام إرساء هذا المكسب الغالي الذي به استعاد وطننا هيبته».

من الواضح أن الجيش الجزائري سيتدخل لمنع أي فوضى، وحفظ الأمن، كما سبق أن عبر رئيس الأركان في تصريحاته، وهي رسائل موجهة لأطراف عدة، والأيام القادمة التي ستسبق الانتخابات الرئاسية، قد تكون مرحلة مهمة في تاريخ البلاد.

ومن غير المستبعد أن نشهد تدخل للجيش على غرار ما حصل في مصر، لكن، يجب انتظار مصير الانتخابات الرئاسية لتتوضح الصورة بشكل أفضل، والى أين ستتجه الأمور.

إذا لم تتعامل مراكز القرار داخل الدولة الجزائرية بواقعية تجاه ما يجري من أحداث، قد تشهد البلاد موجة عنف، لاسيما بعد أحداث الربيع العربي، التي أظهرت قابلية شعوب المنطقة إلى اقتتال عرقي أو طائفي.

وتجدر الإشارة هنا إلى هرب أعداد كبيرة من مقاتلي داعش في منطقة الباغوز السورية، عبر تسهيلات من الميليشيات الكردية، حيث وصلت في بعض الأحيان الرشاوى التي اخذتها هذه الميليشيات إلى نحو 200 ألف دولار، كما تشير المصادر المحلية من هناك، إضافة إلى مصادر إعلامية وحقوقية وتسريبات مقاطع وتسجيلات صوتية لمقاتلين من «داعش» عن صفقات تمت مع الميليشيات الكردية التي تعمل تحت غطاء يطلق عليه تسمية «قوات سورية الديموقراطية»، وهناك أعداد كبيرة من دول المغرب العربي انضموا إلى داعش، بالتالي حالة عدم الاستقرار في الجزائر قد تكون فرصة لهم، للظهور من جديد.

الواضح اليوم أن المجتمع الدولي يراقب الوضع عن كثب في الجزائر، ويلتزم الحياد، لرؤية كيف ستسير الأمور في قادم الأيام هناك.

* باحث في الشؤون الدولية.