التاريخ: شباط ٢٢, ٢٠١٩
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
 
كشف الغطاء عن حال العراق: إيران الداخلية، أميركا المرجعية
بغداد - يوسف مرتضى
المرة الاولى التي ازور فيها العراق بعد العدوان الاميركي عليه عام 2003، وبعد الحرب على داعش، كانت في الاسبوع الاول من الشهر الحالي، عندما شاركت في الفعاليات المهمة التي نظمها "مركز الرافدين للحوار" على مدى اربعة ايام في بغداد والنجف.

بداية لا بد من الاشارة الى ان الحياة في بغداد، المدينة المختلطة طائفياً ومذهبياً واثنياً والتي يعيش فيها حوالى 9 مليون نسمة، هي شبه طبيعية ليلاً كما نهاراً، لولا بعض المظاهر ذات الدلالات الامنية البارزة، ككثرة الحواجز والتحصينات حول ابنية عدد من المؤسسات، واجراءات التفتيش الصارمة على المنافذ والمعابر المؤدية الى المدينة.

اما المستوى المعيشي بالمقارنة مع ما كان عليه في العام 2002، حيث كانت اخر زيارة لي في عهد صدام (المحاصر) فهو افضل بكثير، نلاحظ ذلك من خلال القدرة الشرائية المتصاعدة للدينار العراقي ودينامية الاسواق والانتشار الواسع للمطاعم والمحال التجارية على انواعها وكثافة عدد السيارات الحديثة، وكذلك عبر تقلص اعداد المتسولين بشكل كبير جداً. وفي المقابل، ملفتة جداً، حالة الطرق والمباني والبنى التحتية المتهالكة، والتي لم يطرأ عليها أي تحسين أوتطوير خلال ١٥سنة من عمر النظام الحالي. هذا في بغداد والنجف وسائر مدن الجنوب التي لم تشهد مواجهات مع داعش، اما في مدن الشمال وبلداته ما زال الخراب قائماً، ومخيمات النازحين تذكر بويلات المواجهات مع تنظيم داعش. وعلى خلاف ذلك شهدت منطقة كردستان العراق في السنوات الماضية نمواً عمرانياً لافتاً، وتطوراً وتحديثاً في البنى التحتية لم تشهده في زمن حكم البعث.

اما في السياسة، فقد اجمعت مداخلات المشاركين في المؤتمر من العراقيين بدءاً بالرئيس برهم صالح وممثلي مختلف السلطات العراقية التنفيذية والتشريعية والقضائية والعسكرية والأمنية وممثلي العديد من القوى السياسية، على أن العملية السياسية التي قامت على انقاض النظام السابق، قد فشلت في اعادة بناء الدولة، ذلك نتيجة طغيان الممارسات الطائفية والمذهبية والمحاصصة على سلوك القيادات التي ادارت دفة الحكم في مرحلة ما بعد صدام، الامر الذي ادى الى تغذية بروز ظاهرة التطرف في البلاد (داعش)، والى تمزق الروابط الاجتماعية وانتشار حالة الفوضى وتفشي حالة الفساد بأبشع صورها.

وتعقيباً على ذلك،كان شبه اجماع من معظم المتداخلين على أن لا حل للأزمة العراقية الا بوحدة العراق في اطار الدولة المدنية، دولة القانون والمؤسسات الديمقراطية التعددية، والتشديد على اهمية استقلال القضاء وتفعيل نظام المحاسبة. وكذلك التصدي بأسرع وقت للأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها البلاد خاصة مع وجود وفرة في المداخيل،حيث بلغ انتاج النفط 3 مليون وثمانماية الف برميل يومياً.

بدون ادنى شك، ان هذا الخطاب يمثل حقاً خياراً انقاذياً للعراق، ولكن تبقى العبرة في التنفيذ.

فما هي قابلية افرقاء السلطة في العراق وما هي قدرتهم على التحرر من ارتباطاتهم الاقليمية و الدولية المؤثرة في خياراتهم وقراراتهم ومصالحهم ليسلكوا خيار المواطنة والدولة المدنية ذات السيادة على ارضها وثرواتها وحدودها؟، سؤال من الصعب الاجابة عليه في عراق اليوم حسب العديد من المصادر العراقية. وفي هذا المجال تجدر الاشارة الى ملاحظات ثلاث عكستها فعاليات المؤتمر:

1- ان العامل الخارجي لا يزال كبير التأثير في العملية السياسية العراقية. فالاميركي يؤكد على استمرار حضوره في الميدان العراقي لمراقبة ايران. ومختلف المرجعيات العراقية التي تداخلت في المؤتمر: الرئيس برهم صالح، رئيس مجلس النواب الحلبوس، نائب رئس الحكومة وحتى الشيخ قيس الغزعلي رئسي تنظيم عصائب اهل الحق الموالية لايران كانت اجاباتهم الى حد ما متطابقة على السؤال حول مدى جدية مشروع القانون الذي قدمته كتلة الصدر الذي يطالب بخروج القوات العسكرية الاميركية من العراق، بأن الأمر لن يذهب الى ابعد من اعادة ترتيب الاتفاقيات بما يتوافق مع مصلحة البلدين.

2- الحضور الايراني المباشر كان لافتاً والوفد الايراني كان يتصرف وكأنه مكون داخلي من مكونات المجتمع العراقي.لاحظت ذلك بوضوح في الجلسة الحوارية مع ممثلي الطوائف العراقية،الشيعة السنة، الكلدان الكاثوليك، الصابئة، حيث شارك معهم الشيخ التسخيري الايراني، وكان موضوع الحوار حول نظرة المرجعيات الدينية العراقية الى العملية السياسية في العراق، حيث جاءت اجاباتهم الى حد ما متقاربة، بأن المشكلة في العراق ليست في الخطاب الديني وانما هي في توظيف الدين والولاءات الطائفية والمذهبية من قبل الزعامات السياسية في السياسة، وان نجاح العملية السياسية يقتضي السير بخيار الدولة المدنية التي تساوي بين المواطنين العراقيين. غير ان التسخيري غرد منفرداً داعياً الى الحكم الديني مستعرضاً التجربة الايرانية وفضائلها!

3- ان ظاهرة جديدة قد ولدت في العراق من رحم مجموعة واتس اب صغيرة منذ اربع سنوات، وهي تتحول الى صيغة مؤسساتية اصبحت تضم حوالي ١٥٠٠ ناشط وناشطة من الشباب العراقي ومن مختلف مكوناته العرقية والدينية والمذهبية وجلهم اصحاب كفاءات علمية ومهنية، اسسوا مركز الرافدين للحوار،ونظموا على مدى السنوات الاربع الماضية مئات الحلقات الحوارية بين مختلف المكونات السياسية والدينية العراقية ومع خبراء واصحاب اختصاص. وكان المؤتمر موضوع هذا المقال هو المؤتمر الدولي الاول الذي ينظمه المركز تحت عنوان: مجتمع متحاور، وطن مزدهر. شارك فيه اكثر من شخصية فكرية، سياسية، ديبلوماسية، اقتصادية، اعلامية، من مختلف البلدان العربية ومن تركيا وايران، وروسيا واميركا واوروبا.وكان بارزاً في هذا المؤتمر تأثير خطاب جماعة مركز الرافدين للحوار المتبني لخيار الدولة المدنية في كلمات مختلف الافرقاء العراقيين. تجربة مهمة يحتذى بها.

ختاماً، العراق لا يزال بدون ادنى شك في عين العاصفة في ظل طموح جامح ملحوظ لدى العراقيين نحو الاستقرار والعيش بسلام. ومصير العراق سيبقى رهن غلبة احد خيارين:

اما دولة مدنية تعددية ديموقراطية واحدة وهذا يفترض، سلوك درب المواطنة، وطلاق الافرقاء العراقيين النافذين مع الرهانات الخارجية في صراعهم على السلطة، ومن اولى بشائرها بروز كتلة سائرون النيابية. وتبرز هنا اهمية دور وتعاظم قدرات مركز الرافدين للحوار كعامل ضاغط يلعب دور الرقابة الشعبية على مختلف السلطات، ويزيد من منسوب الوعي بالمواطنة.

واما استمرار خيار المحاصصة العرقية والمذهبية والارتهان للخارج، وهذا يعني اطالة امد المعاناة والذهاب الى التقسيم. وفي ذلك مصلحة اسرائيلية اميركية ورغبة عندهما في رسم خرائط جديدة لبلدان المنطقة على انقاض خرائط سايكس - بيكو برمتها انطلاقاً من العراق، هذا ما سمعته بكلمات واضحة من مرجع دولي مطلع جداً؟ الله يستر؟