التاريخ: شباط ١, ٢٠١٩
المصدر: جريدة الحياة
سورية: انتصار ناقص وهزيمة لم تكتمل؟ - عادل يازجي
انتصار النظام ميدانياً وسياسياً لم يكتمل، وهزيمة المعارضة ميدانياً وسياسياً لم تكتمل؟ انتصار النظام ميدانياً تنقصه إدلب والشمال السوري، وسياسياً انتصر في طيِّ صفحة رحيله، وينقصه طيُّ القرار (2254)، وهو يحاول اقتلاعه من جذوره في الدستور المُقتَرَح، قبل وصوله الى طاولة النقاش، وهزيمة المعارضة ميدانياً ما تزال ناقصة طالما هي بحماية الجيش التركي في «إمارة» إدلب، وسياسياً لم يكتمل فشلها، ويزداد انتقاصه كلما تخلّى عنها شقيق أو صديق أو حليف، لكنها بقيت قيد التداول برغبةٍ عربية واُممية من اجل التفاوض فقط، والمعركة الدائرة في إدلب والشمال سياسية، تحت الضغط الميداني، بين الاطراف الاقليمية والدولية المتورطة في الازمة، وقد تُفضي معارك الشمال الميدانية وما يواكبها سياسياً، الى اكتمال الانتصار الناقص، باكتمال الهزيمة الناقصة، أي عودة إدلب الى حضن النظام، او ازدياد نقصان الانتصار بتقليص النقص في حجم الهزيمة، أي بقاء إدلب إمارة إخونجية ومنطقة تركية آمنة، وكلتا الحالتين قيد الاحتمال سياسياً، واختلال التوازن بين الاحتمالين يعتبر حتى هذه اللحظة لصالح النظام، لذلك يناور ضمن الحراك الدولي المناوئ له، مستغلاً هويّة فصائل المعارضة المتطرفة المتبقية في آخر خنادقها بادلب، وشقيقتها المفاوضة التي بقيت على قيد الحياة إعلامياً فقط، وما تزال تحظى بعناية دولية، غير مركزة، احتراماً لرعاية عربية تتقلّص يوماً إثر يوم؟

بقيت ساحة النِّزال الفعلية بين النظام ومعارضيه، وحلفاء كلٍّ منهما سياسية بالمطلق، تدعّمها قذائف عشوائية متبادلة بين آونة واخرى في الشمال، واحياناً في الجنوب مع اسرائيل، حتى لجنة الدستور هي سياسية اكثر منها قانونية، وقد طُوِيَ عامٌ كاملٌ على قرار انشائها قضاه المبعوث الاممي السابق ستيفان ديميستورا في نضالٍ دؤوبٍ لتشكيلها، واستقال او اُقيل واللجنة لم يكتمل نصابها، ولا يُعتقد ان المبعوث النرويجي البديل «جيربيدرسون» يمتلك وصفة سحرية لحل عقدها المتفاقمة بين الطرفين، مالم يُؤخذ في الاعتبار اُممياً اختلالُ التوازن بين طرفي النزاع داخلياً وخارجياً، وربما يؤخذ به فجأةً، وتصريحات بيدرسون في دمشق توحي بما لايسرّ خاطر المعارضة المفاوِضة.

نشوة الانتصار تتجاهل عدم اكتماله، وعدم اكتمال الهزيمة يتجاهل استمرار خسائرها ميدانياً وسياسياً، كلاهما متفائل ظاهرياً، متشائم باطنياً، بسبب ما يصدر عن البيت الابيض وحكمائه الجمهوريين من تناقضات في الاقوال والافعال، فقرار الانسحاب اربك الاجندات الاقليمية وغيّر في مسارات توجُّهها وتحالفاتها؟

النظام وقد استعاد شرعيته بقوة السلاح، لا يُعْتَقَدُ بانه يتنازل سياسياً قيد اُنملة عن شروطه، لا بتشكيل لجنة الدستور، ولا بورقة عملها، ولا بتفاصيل بنودها، ولن يجامل فيها المبعوث الاممي الجديد المتفائل، ولا الحلف الثلاثي الذي نصره ميدانياً وسياسياً، فهذه المسألة فقط يعتبرها «سيادية»، وضرورية طالما تلوح في الافق عودةٌ عربيةٌ إليه، قد تستجرُّعودةً اُمميةً خجولة إذا فبرك النظام وحلفاؤه حلّاً مستخرجاً من القرار الاممي، نقول إذا لانعدام الثقة كلّياً بين جميع الاطراف، حتى المتحالفة فيما بينها، الدولية والمحلية.

الاجواء الاقليمية ملبّدة بغيومٍ مكفهرّة سياسياً وميدانياً، بسبب ما استجرّه قرار الانسحاب الاميركي حول مجمل المسائل المتعلقة بتشعبات الازمة فوق الارض، تسريبات ايّ طرف حول المآل لايُركن اليها، وملامح التغيير بقواعد الاشتباك يُخشى ان تؤدي الى تصعيدٍ لا تُضبط سقوفه، صحيح ان خطوط التباين الدولية ضاقت مساحاتها حول الوضع الداخلي بعد التوافق على استمرار النظام، واستقرار إمارة ادلب بيد اردوغان، وجبهته المدللة «النصرة»، ولم يتبقَ من مساحة التباين سوى (الحل السياسي)، والغيوم التي تحجبه ليست داخلية بتاتاً، مصدرها الاساسي هو الشرق الايراني، والشمال التركي، وكلاهما متمرد حتى على حلفائه في واشنطن وموسكو ودمشق وتل ابيب، امّا الوضع الداخلي فإذا وضعنا امارة ادلب خارجه باعتبارها مستعمرة تركية مرحلياً، فإن زيارة المبعوث الاممي الجديد لدمشق، لا تتعلق بهذه الامارة التي ليست من اختصاصه لا سياسياً ولا عسكرياً، بل تنصبُّ مهمتُه على الحل السياسي، بدءاً من المربّع الاول وهو لجنة الدستور، باعتماد الموقف الجديد الذي اعلنه جير بيدرسون: «العملية السياسية يجب ان تكون بقيادة وملكية سورية»، الذي وضع نتائج المواجهات الميدانية اساساً للتفاوض، ما يدل على انحسار الاهتمام العالمي بالمعارضة المُفاوِضة، ربما ترجمةً لانحسار الاحتضان العربي لها، وبالتالي يكون التفاوض شكلياً، والقرارات تأتي جاهزة للإقرار وليس للنقاش؟

واضح ان الانتصار الميداني ليس نهاية المشوار، وسيظل ناقصاً، ولن ينعم النظام براحة البال مالم تَعُد إليه، او يعود هو إلى الاوساط الاقليمية والدولية الندّيَة التي ينتظم عقدها بنادي الكبار، بدلاً من أندية الاحزاب والتجمعات الشعبية فوق منابر الخطابة، فهذه تُباع وتُشترى بكامل أيديولوجياتها؟

في كل الاحوال مرحلة العمل السياسي كفيلة بتبييض الوجوه والصفحات، وربما أيضاً تبييض الاموال، والنظام لا تنقصه الخبرة في تغيير قواعد الاشتباك، فهناك تفاصيل كثيرة يمكن الرقص فوق حبالها، اهمها غموض المآل الكردي، واحتمال عودته الى حضن النظام، ولو خدش هيبة الفقيه اردوغان، فقد يعتبره ابغض الحلول التي يقبل بها، ثمّ يستنكرها امام ركبه الاخونجي المتطرّف الذي نال حصته الجغرافية في ادلب، وهذه المساحة المقتطعة من السيادة السورية لن تنام اعين النظام عنها، ولا اعين السوريين عامة، واذا عادت الى حضن الوطن بالتفاوض او بالاذعان، فلأن العودة أسلم امنياً لجميع الاطراف المتورطة فيها.

امّا الداخل السوري الهادئ المطمئن، فلا ينغّصه انتظار الانفتاح السياسي، ولا عنتريات الاحزاب الجديدة المتعطشة للمشاركة بالسلطة مع النظام الذي فتح صدره للعائدين، والتائبين، والتائهين، والمعارضين الوطنيين، والمعارضين للمعارضة الخارجية، وهؤلاء جميعاً هم أعمدة حركة التغيير التي يقودها النظام بنفسه، باعتباره الاكثر خبرة، لذلك تزدحم فيها طوابير المتأهبين للمناصب، ولا تغفل الاعين الامنية عن تأهيلهم لحمل راية التغيير بقيادة النظام نفسه!

* كاتب سوري