التاريخ: كانون ثاني ٢٦, ٢٠١٩
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
ترامب في الموضوع الإيراني: كذبةٌ قد تقود إلى الحرب - بول بيلار
في يوم العمل الأول في السنة الجديدة، عقدَ الرئيس ترامب اجتماعاً حكومياً مفتوحاً أمام الصحافة تألّف، في شكل أساسي، من مونولوج غير مترابط ألقاه الرئيس عن الجدران الحدودية ومجموعة متنوّعة أخرى من المواضيع. ونحو أواخر الاجتماع، وجّه ترامب من جديد انتقادات قاسية "للاتفاق النووي المروّع مع إيران"، وأكّد أن الاتفاق "يمنح إيران، بعد ثماني سنوات، الحق القانوني في حيازة أسلحة نووية".

لا حاجة إلى تحاليل أو أبحاث يقوم بها المدقّقون في الحقائق لفضح هذه الأكذوبة السافرة. فالاتفاق النووي – المعروف رسمياً بخطة العمل المشتركة الشاملة – ينصّ بوضوح على خلاف ذلك. يرد في الفقرة الثالثة من التمهيد: "تؤكّد إيران من جديد أنها لن تسعى، في أي ظرفٍ من الظروف، إلى الحصول على أسلحة نووية أو تعمل على تطويرها أو حيازتها". إنه موجبٌ دائم. ويؤكّد من جديد الالتزام السابق لإيران، بصفتها عضواً في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، عدم حيازة أسلحة نووية. تساهم خطة العمل المشتركة الشاملة في تعزيز هذا الالتزام عبر ربطه بمنظومة المراقبة والتفتيش النووية الدولية الأكثر اقتحامية التي تفرضها دولة على نفسها طوعاً، إلى جانب القيود الشديدة الأخرى التي ألقت بها خطة العمل المشتركة الشاملة على الأنشطة النووية الإيرانية.

تندرج أكذوبة ترامب في إطار حملة طويلة من التضليل يشنّها معارِضو الاتفاق النووي لأسباب لا علاقة لها بالانتشار النووي. فهذه الأسباب مرتبطة بإنكار إنجازات الخصوم السياسيين في الداخل والاصطفاف إلى جانب بعض الجهات الإقليمية المعادية لإيران والساعية إلى إبقائها دولةً منبوذة. لقد كان الجزء الأكبر من التضليل أقل صفاقةً من أكذوبة ترامب. فقد استخدم هذا التضليل، في معظمه، لغة أشد ضبابية لتوليد انطباع بأن خطة العمل المشتركة الشاملة أعطت إيران في المجال النووي بدلاً من أن تأخذ منها. عبر بثّ ذلك الانطباع لدى الجمهور الأوسع، يُخفي معارضو الاتفاق النووي اللامنطق الجوهري في موقفهم. فهم يزعمون بأنهم يريدون الحؤول دون حيازة إيران قنبلة نووية، ومع ذلك يعملون للقضاء على الاتفاق الوحيد الذي أغلق فعلياً جميع المسارات الممكنة التي يمكن أن تقود إلى الحصول على مثل هذه القنبلة.

الخطر المتأتّي عن أكذوبة ترامب عن خطة العمل المشتركة الشاملة هو أن النظرة المغلوطة الناجمة عنها قد تشكّل الخلفية لحملة ترويجية من الإدارة الراهنة بغية شنّ حرب هجومية ضد إيران. تأتي أفكارٌ مغلوطة أخرى تبثّها الإدارة الأميركية لتُكمِّل أكذوبة ترامب عن الاتفاق النووي. يقول جون بولتون، مستشار الأمن القومي في إدارة ترامب: "لا شك لدينا في أن القيادة الإيرانية لا تزال ملتزمة استراتيجياً حيازة أسلحة نووية قابلة للاستخدام". يتناقض هذا التأكيد مع رأي الأجهزة الاستخبارية، غير أن بولتون لم يتردّد في تجاهل الآراء الاستخبارية التي لا تدعم أهدافه.

ويتناقض هذا الكلام أيضاً مع تاريخ الأنشطة النووية الإيرانية. من الواضح أنه كان للنظام الإيراني اهتمامٌ بالأسلحة النووية، وأنه أنجز عملاً تقنياً لبلوغ تلك الغاية المحتملة قبل عقدَين من الزمن. وقد أبقى النظام، بوصفه دولةً منبوذة، خيار الأسلحة النووية قائماً لسنوات إضافية عدّة. لكن عندما تسنّت له الفرصة للتخلص من العقوبات المرتبطة بالنووي، ومن بعض من حالة النبوذ التي يعاني منها، في حال قبوله بالقيود وعمليات التدقيق التي من شأنها أن تُبقي على إيران دولة غير مسلّحة نووياً، استغل النظام الإيراني تلك الفرصة عبر التفاوض على خطة العمل المشتركة الشاملة وتوقيعها. إذا انهارت تلك الصفقة، وفي شكل خاص إذا واجه الإيرانيون التهديد بالتعرض لهجوم عسكري أو شُنَّ عليهم فعلاً هجومٌ عسكري، وسعوا إلى الحصول على رادع قوي ضد مثل هذا الهجوم، فقد يتجدّد اهتمامهم الأول بالأسلحة النووية. لكن في هذه الحالة، سيكون سلوكهم بمثابة رد مباشر على تحركات إدارة ترامب، ولن يندرج في إطار أي "التزام استراتيجي" من جانب إيران.

إضافةً إلى التوصيف المقلوب رأساً على عقب الذي تُصوِّر فيه الإدارة الأميركية إسقاط الحواجز أمام حيازة قنبلة نووية وكأنه ضربة تُسدَّد ضد القنبلة بدلاً من أن يكون حافزاً لحيازتها، عمد بولتون في الآونة الأخيرة إلى تعيين متشدّد مناهض للاتفاق النووي "مديراً مسؤولاً عن شؤون التصدّي لأسلحة الدمار الشامل الإيرانية". من السهل أن نرى كيف اجتمعت عناصر التضليل وتكاملت. تُصوَّر إيران بأنها "ملتزمة استراتيجياً" حيازة أسلحة نووية، وبأن خطة العمل المشتركة الشاملة تمنحها "الحق القانوني" لتحقيق ذلك بعد سنوات قليلة، غير أن إدارة ترامب تقف لها بالمرصاد وتبذل جهوداً حثيثة لمنع ذلك. جل ما هو مطلوب حادثةٌ ما – ربما حادثٌ بحري عرَضي في الخليج الفارسي أو ميليشيا شيعية ما تصوِّب في مكانٍ ما نيرانها ضد منشأة أميركية – ليتحوّل هذا المزيج من التضليل النووي نواة قضية عامة يجري الترويج لها لشنّ حرب جديدة.

وقد سلّط تقريرٌ نُشِر قبل بضعة أيام، الضوء على هذا الخطر عبر الإشارة إلى أن بولتون طلب من البنتاغون عرض الخيارات المتاحة لشنّ هجوم عسكري على إيران. لطالما أبدى بولتون بوضوح ترحيبه الشديد بخوض حرب مع إيران. وهذا هو أيضاً موقف المموِّل السياسي لترامب، شلدون أدلسون، الذي يُظهر حتى استعداداً لتصعيد النزاع على الفور وصولاً إلى المستوى النووي. وترامب نفسه الذي لا يقلّ حماسةً عن داعميه ومرؤوسيه في إبداء عدائه لإيران، يشعر على الأرجح بالحاجة إلى إظهار مزيد من العداء بعدما تعرّض للتأنيب من أنصاره المتشدّدين على خلفية سياسته المرتبكة في الملف السوري، والكلام الذي أدلى به في ذلك الاجتماع الحكومي في مطلع كانون الثاني، والذي جاء فيه أنه بإمكان الإيرانيين أن "يفعلوا ما يشاؤون في سوريا".

ثم هناك مختلف الأسباب الأخرى التي قد تجعل التأثيرات التي يمكن أن تترتّب عن شن حرب جديدة في الخارج تبدو جاذبة جداً بالنسبة إلى ترامب، فهذه الحرب قد تساهم في رص الصفوف وفي تحويل الأنظار عن المشكلات في الداخل. ومن هذه الأسباب تراجع التأييد لترامب في استطلاعات الرأي، والتدقيق الذي يمارسه مجلس النواب المؤلَّف من أكثرية ديموقراطية، والاختتام المرتقب للتحقيق الذي يجريه مويلر وسط ظهور مزيد من الأدلة عن حدوث تواطؤ مع روسيا خلال الحملة الانتخابية.

تُسبّب أكاذيب ترامب المتزايدة مشكلات خطيرة كثيرة للجمهورية، وينبغي معالجة تداعياتها لفترة طويلة، حتى بعد مغادرة ترامب المنصب. إنما في الوقت الراهن، يجب إيلاء الاهتمام الأكبر للأكاذيب التي من شأنها أن تدفع بالولايات المتحدة نحو كارثة كبيرة عبر التورّط في حرب جديدة في الشرق الأوسط.

زميل غير مقيم في مركز الدراسات الأمنية في جامعة جورجتاون
Lobe Log
ترجمة نسرين ناضر