التاريخ: كانون ثاني ٧, ٢٠١٩
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
سوريا "رمل وموت"... ألم يعد ترامب مهتمّاً بالنفط؟
جورج عيسى
حين كرّر الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب منذ أيّام قليلة عزمه على سحب قوّاته من سوريا برّر موقفه خلال اجتماع مع فريقه الحكوميّ قائلاً: "أنا لا أريد البقاء في سوريا إلى الأبد، إنّها رمل وموت". وجاء في كلامه: "الأمر في سوريا قضي منذ زمن طويل. وإضافة إلى ذلك، نحن نتكلم عن رمل وموت. هذا ما نتكلّم عنه. نحن لا نتكلّم عن ثروات كبيرة".

ما كان رأيه كمرشّح؟

إنّ تحدّث ترامب عن عدم وجود هذه الثروات يذكّر بالكلام الشهير الذي كان قد أدلى به خلال حملته الانتخابيّة وفي أكثر من مناسبة. سنة 2015، وردّاً على التحليلات التي كانت تشير إلى أنّه لا يملك كمرشّح رئاسيّ خطّة للقضاء على داعش قال: "يكسب داعش كمّيّة هائلة من الأموال بسبب النفط الذي أخذه، لديهم بعض منه في سوريا، لديه بعض منه في العراق، سأقوم بتفجيره بشدّة". وأشار إلى أنّه لو وصل إلى مركز القرار، فإنّه سيقصف كلّ شبر من المضخّات والأنابيب ومصافي التكرير حتى لا يبقى شيء، مضيفاً: "وهل تعلمون، ستدفعون (شركة النفط) "إيكسون" للذهاب إلى هنالك وفي شهرين، هل رأيتم قط هؤلاء الشبّان؟ كم هم جيّدون، شركات النفط العظيمة، ستقوم بإعادة بنائها بعلامة تجاريّة جديدة ... وسآخذ النفط".

وفي أيلول 2016، انتقد الإدارات الأميركيّة السابقة لعدم سيطرتها على النفط العراقي، معلّلاً قوله بالإشارة إلى أنّه لو اعتمدت واشنطن هذا الأسلوب "لما كان بإمكان داعش الاستيلاء على النفط واستخدام ذاك النفط لتمويل نفسه". وبالعودة أكثر إلى الوراء، وصولاً حتى إلى سنة 2011، لم يرَ ترامب أنّ السيطرة على النفط سرقة إنّما "تعويض" ب 1.5 تريليون دولار لتكاليف القضاء على الإرهاب في العراق.

اليوم لا ينوي الرئيس الأميركيّ أن ينفّذ ما تعهّد به في أوقات سابقة من مسيرته في السياسة أو الأعمال. حتى خلال الأشهر التي سرى فيها اعتقاد بأنّ واشنطن عقدت العزم على البقاء لفترة طويلة في سوريا، لم تصدر مؤشّرات أميركيّة جدّيّة عن وجود نيّة بالسيطرة على نفط المنطقة، ولو من باب "التعويض" بحسب تعبير ترامب. بالمقابل، كان هنالك إصرار من #دمشق على استعادة السيطرة على شمال شرق البلاد نظراً لأهمّيتها الحيويّة.

ثروات مهمّة بالنسبة إلى الأسد

حين كان مصطلح "سوريا المفيدة" شائعاً في ذروة النزاع السوريّ، انصبّ تركيز المحلّلين على حيويّة تلك المنطقة الواقعة بين دمشق وشمال غرب البلاد بالنسبة إلى نظام الرئيس السوريّ بشّار الأسد. صحيح أنّ تلك المساحة شكّلت أولويّة مطلقة لضمان حكمه في المديين القريب والبعيد، لكنّ ذلك لم يعنِ أنّ تلك المنطقة كانت أقصى ما طمح إليه الأسد حتى عندما كانت فصائل الجيش الحرّ تتمتّع بقوّة أكبر. فبحسب بعض الباحثين، كانت "سوريا المفيدة" بحاجة إلى موارد طبيعيّة قادرة على مدّها بمقوّمات البقاء.

في كانون الثاني 2017، ذكر الأستاذ المشارك ومدير الأبحاث في جامعة "ليون-2" فابريس بالانش في مقاله ضمن "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" أنّ هذه المنطقة تضمّ حوالي ثلث النفط في سوريا. وفي سنة 2010 بلغ إنتاج النفط في المنطقة 380 ألف برميل يوميّاً صُدّر منها 140 ألفاً. على صعيد موازٍ، أنتجت الحسكة ودير الزور والرقة 57% من الحبوب في البلاد و75% من القطن في الفترة نفسها كما أنّ مناجم الفوسفات وفّرت الأسمدة الرخيصة ومصدراً أساسيّاً لدخل البلاد.

وأضاف بالانش أنّ شمال شرق سوريا شكّل منطقة اقتصاديّة خلفيّة لحلب بعد خسارتها الأناضول ولحماه في ما خصّ الثروة الحيوانيّة ولحمص التي تعتمد مصانعها الكيميائيّة على نفط وفوسفات الشرق. أمّا دمشق فتستفيد من إعادة توزيع إيرادات تصدير المعادن والمواد الخام في تلك المنطقة.

تعقيدات كثيرة أمام واشنطن 

توضح كلّ هذه الأسباب لماذا تصرّ الحكومة السوريّة على استعادة السيطرة على شمال شرق البلاد. وبطبيعة الحال، تنعكس السيطرة على الموارد الطبيعيّة في تلك المنطقة على موازين القوى داخل سوريا. فانسحاب الولايات المتّحدة من سوريا سيعطي دمشق ورقة بالغة الأهمّيّة للضغط على الأكراد في مفاوضاتها معهم. وعلى الصعيد الاقتصاديّ، ستعني استعادة الأسد تلك المنطقة إمكانات ثانويّة لكن مهمّة في إعادة الإعمار. غير أنّ قضايا إعادة الإعمار وموازين القوى داخل سوريا والحلّ السياسيّ لم تعد تعني بشكل مباشر واشنطن وخصوصاً الرئيس الأميركيّ. لكن ماذا عن النفط؟

هنالك إشكاليّات مرتبطة بثروات شمال شرق سوريا، شرحها السفير السابق روبرت فورد في صحيفة "ذا واشنطن بوست". فالحقول النفطيّة في تلك المنطقة تُنتج نسبة عالية من الكبريت كما نفطاً خاماً ذا جودة منخفضة، أمّا الإنتاج فسلك منحى انحداريّاً منذ زمن طويل. ويضيف أنّ العائدات النفطيّة لم تساهم إلّا ب 5% من الناتج المحلّيّ الإجماليّ قبل ثورة 2011 وفقاً لصندوق النقد الدوليّ.

من البديهيّ القول إنّ تضافر عدد من الأسباب منع ترامب من الاستفادة من النفط السوريّ الذي شكّل بالمناسبة القسم الأكبر من الموارد الماليّة لتنظيم داعش بالمقارنة مع النفط العراقيّ. اليوم باتت أولويّة ترامب تحقيق وعد انتخابيّ شعبيّ بسحب قوّاته من سوريا أكثر من وعد انتخابيّ إشكاليّ جدّاً على المستويات المبدئيّة والعسكريّة والاستراتيجيّة، قد لا ينتهي إلّا بوضع اليد على نفط يتمتّع بجودة متدنّية في نهاية المطاف.