التاريخ: تشرين الثاني ٨, ٢٠١٨
المصدر: جريدة الحياة
لماذا يستهدف المتطرفون مسيحيي مصر؟ - منير أديب
لم يكن استهداف المصريين الأقباط في عمليات مسلحة للتنظيمات المتطرفة وليد الحادثة الأخيرة التي جرى خلالها الاعتداء على حافلة كانت في طريقها إلى دير الأنبا صموئيل في صعيد مصر وأسفرت عن مقتل سبعة وإصابة 19 آخرين بجراح. فهناك سلسلة من الاعتداءات على هؤلاء المصريين بدأت في 11 كانون الأول (ديسمبر) 2016 باستهداف الكنيسة «البطرسية» الملاصقة لكاتدرائية الأقباط الأرثوذكس في القاهرة. وشهدت البلاد اعتداءات مماثلة على الأقباط في تسعينات القرن الماضي على يد «الجماعة الإسلامية»، وكاد صعيد مصر أن يشتعل بسبب هذه الاستهدافات لولا تدخل أجهزة الأمن. التنظيمات المتطرفة في صراعها على السلطة؛ وبخاصة الصراع المسلح؛ دائماً ما تختار الأهداف السهلة، ومن هنا جاء استهداف المسيحيين ودور العبادة الخاصة بهم، فضلاً عن أثر هذا الاستهداف في المستوى السياسي داخلياً وخارجياً، فأي عمليات تستهدف الأقباط في مصر يصل صداها إلى الإعلام العالمي، ومعه يصعب تأمين دور العبادة المسيحية كافة. عشرات الأديرة المعزولة في الصحراء تتيح لخلايا هذه التنظيمات تنفيذ عملياتهم المسلحة. جغرافياً؛ هذه الأديرة تمكنهم من الانقضاض عليها في أي وقت خصوصاً أنها تقع في شمال الصعيد المتصل بالصحراء الغربية، باتجاه الحدود مع ليبيا التي تشهد نشاطاً ملحوظاً للتنظيمات المتطرفة.

غالبية الأديرة التابعة للأقباط الأرثوذكس ومنها دير الأنبا صموئيل تقع في أماكن نائية؛ يستحيل التواصل مع المقيمين فيها، فهي خلوات دينية؛ ولذلك فإنه كلما اشتدت الضربات الأمنية ضد الخلايا المتطرفة وأصبح صعباً عليها مواجهة قوات الأمن بحثت هذه التنظيمات عن أهداف سهلة أو رخوة بالمفهوم الأمني، ومنها الأقباط ودور العبادة في الصحراء. دير الأنبا صموئيل يقع في ظهير صحراوي قريب من منطقة الواحات بنحو130 كم، وبالتالي تأتي هذه المجموعات الإرهابية من الصحراء لتنفيذ العمليات المسلحة وتعود إليها وقد تختبئ في ليبيا بعد قنص الأهداف المخطط لها. وقد يكون عودة الأمن في صعيد مصر ودور العبادة فيها مرتبطًا بعودة الأمن في ليبيا وتأمين منطقة الحدود الليبية والتي تعتبر مفرخاً للتنظيمات المتطرفة.

سبق ونفذت الجماعات المتطرفة عملية سابقة في المكان نفسه (دير الأنبا صموئيل) في 26 آيار (مايو) عام 2017. ولو أن هذه التنظيمات حاولت للمرة الثالثة استهداف الأقباط في هذه المنطقة لنجحت للأسباب المرتبطة بشكل وطبيعة الطريق، وهو عبارة عن مدقات وغير مرصوف وليس به أعمدة إنارة أو شبكة اتصال، ويصعب تأمين طول الطريق ومداخله، كما يسهل على هؤلاء المتطرفين الدخول والخروج من المكان وتنفيذ عملياتهم المسلحة.

أدركت التنظيمات المتطرفة شكل وطبيعة المعركة ضد الدولة فاختارت الهدف السهل والهروب للإمام بتنفيذ عمليات مسلحة تُحدث دويًا على المستوى الدولي والسياسي والإعلامي في نفس الوقت فكانت بداية الاستهداف لكنيسة البطرسيه في عام 2016 والتي راح ضحيتها 29 مصرياً، وتلى هذه العملية في 9 نيسان (أبريل) 2017 الاعتداء على كنيستين؛ إحداهما في مدينة الإسكندرية والأخرى في مدينة طنطا (شمال مصر) خلال قداس

عيد الشعانين.

لا يمكن أن نفصل ما حدث في دير الأنبا صموئيل أخيراً واستهداف المسيحيين داخل دور العبادة الخاصة بهم وخارجها عن الإنجازات الأمنية والعسكرية التي نجحت في تفكيك عشرات الخلايا المتطرفة، في سيناء، ما دفع أعداداً من هؤلاء المتطرفين إلى الفرار إلى الصحراء الغربية ثم منطقة صعيد مصر وبالطبع محافظات الدلتا، والأهم والأخطر أن هؤلاء فشلوا في الرد على أجهزة الأمن فبحثوا عن هدف سهل تمثل في الأقباط على غرار الطريقة التي قامت بها الجماعة الإسلامية في التسعينات من القرن الماضي عندما نقلت معركتها مع الدولة من مجرد استهداف ضباط الشرطة إلى استهداف المسيحيين والسياح.

* كاتب مصري