التاريخ: تشرين الثاني ٨, ٢٠١٨
المصدر: جريدة الحياة
أزمة اللاجئين وأوروبا الحصينة - عزيزة عبدالعزيز منير
تشغل أزمة اللاجئين دوائر صنع القرار في الاتحاد الأوروبي خصوصاً منذ اندلاع الحرب في سورية. وأثَّرت هذه الأزمة في صياغة السياسات الداخلية والخارجية للاتحاد الأوروبي تأثيراً كبيراً خلال السنوات القليلة الماضية.
وتناول تقرير «Europe’s migration maelstrom and its political tides» أو «دوامة الهجرة إلى أوروبا وتبعاتها السياسية»، الصادر حديثاً عن مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية، أهم هذه التغيرات التي طرأت على سياسة الاتحاد الأوروبي الداخلية والخارجية.

أول هذه التغيرات هو تخصيص المزيد من موازنة الاتحاد الأوروبي منذ العام 2015 لمواجهة هذه الأزمة. وما دفعه الاتحاد الأوروبي (6 بلايين يورو) إلى تركيا لوقف تدفق أكبر موجة من اللاجئين في العام 2016، هو مثال على تغير أولويات إنفاقه خارجياً. وفي ضوء نجاح هذا التمويل في تقليص أعداد اللاجئين، حاول صانعو سياسات الاتحاد الأوروبي عقد صفقات مع بلاد مجاورة حتى لو كانت في حالة اضطراب وينقصها الاستقرار السياسي، ومنها ليبيا مثلاً.

أما التغير الثاني فهو نجاحه في تحويل وكالة حرس الحدود والسواحل –Frontex- والتي كانت في ما سبق وكالة حدودية صغيرة وممولة تمويلاً ضعيفاً إلى وكالة قوية ذات وجود بارز لحماية الحدود البرية والساحلية لأوروبا. وأثار هذا الأمر حفيظة بعض دول الاتحاد التي خشيت من أن تتنازل عن سيطرتها وسيادتها على أراضيها إلى Frontex. وكان أبرز المعارضين رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوروبان، الذي أعلن خشيته من تحول بلاده إلى مجرد «معسكر لاستقبال المهاجرين»، ما يهدد حقها في الدفاع عن حدودها.

التغير الثالث، يتمثل في قرار مفوضية الاتحاد الأوروبي إدراج معدل استقبال اللاجئين كمعيار لحصول الدول الأعضاء على تمويل. وفي هذا الإطار من المقرر تقليص التمويل إلى دول شرق أوروبا ووسطها، التي ترفض استقبال اللاجئين. كما أن الأموال المخصصة لإدارة أزمة اللاجئين ستؤثر سلباً في تمويل جهود الاتحاد الأوروبي في مجالات أخرى، أبرزها التنمية الاقتصادية.

فعام 2017، طلبت مفوضية الاتحاد الأوروبي زيادة قدرها 225 بليون يورو لأغراض بناء الثقة ومنع النزاعات في دول متوسطية مشاطئة له، بينما لوحظ انخفاض الموازنة المخصصة لأغراض مكافحة الفقر والتنمية المستدامة في هذه الدول.

عطفاً على هذه التغيرات الثلاثة المهمة خارجياً، فقد فاق الاهتمام بضرورة السيطرة على حدود أوروبا وتعديل نظام اللجوء تلبية لهذا الغرض القضايا الأوروبية الملُحة الأخرى مثل مفاوضات Brexit وإصلاح منطقة اليورو Eurozone reform. وعلى المستوى القومي، أصبحت مسألة تشكيل الحكومات أمراً صعباً وتستغرق وقتاً طويلاً حيث تختلف الأحزاب الناجحة في ما يتعلق بسياسات معالجة أزمة اللاجئين أو كيفية التعامل مع الأحزاب المتطرفة والمناهضة للاجئين، والتي أصبحت تحصد أصواتاً متزايدة في الانتخابات وتحظى بتمثيل برلماني. فعلى سبيل المثال استغرق تشكيل الحكومة الألمانية الأخيرة ستة أشهر – حيث كان أكبر الأحزاب المعارضة (حزب البديل الألماني) حزباً مناهضاً لسياسة أنغيلا مركل المتعلقة باللاجئين- بل إن مستقبل الحكومة المؤلفة كان على المحك عندما هدَّد أحد الأحزاب- الحزب الاجتماعي الديموقراطي- بمغادرة الائتلاف الحكومي إذا لم تتخذ انغيلا مركل سياسة أكثر صرامة في التعامل مع اللاجئين.

نهاية القول، أنه بينما توسَّع الاتحاد الأوروبي في مساعداته خصوصاً لأغراض الأمن وضبط الحدود وفي شكل أقل لأغراض التنمية في البلاد الأصلية للمهاجرين أو بلاد العبور، يبقى الهدف الرئيسي لهذه المساعدات وقف تدفقات الهجرة والتي انخفضت في شكل ملحوظ عام 2018.

ويمكن القول إنه إذا استمر صعود القوى السياسية المناوئة للمهاجرين في العام 2019، لن ترسم هذه القوى فقط ملامح البرلمان الأوروبي والمفوضية الأوروبية اللذين يرسمان سياسة أوروبا الداخلية والخارجية فحسب، ولكنها ستقوَض نظام القيم والمعايير- الذي طالما نادى به المؤسسون الأوائل للوحدة الأوروبية- وستتحول أوروبا إلى قلعة حصينة يموت على أبوابها المغلقة آلاف اللاجئين البائسين غرقاً في البحر المتوسط الذي تحوَّل إلى مقبرة مائية.

* كاتبة مصرية.